أوراق سياسية

الجنوب السوري خاصرة لبنان الأضعف في مواجهة "إسرائيل"

post-img

علي حيدر (الأخبار)

كان المتغيّر السوري، ولا يزال، حدثًا إقليميًا ولبنانيًا أيضًا لجهة ما يترتّب عليه من تداعيات وتهديدات تطاول كلّ المحيط، وفي مقدّمه لبنان.

ويعود ذلك إلى موقع سورية في معادلة الصراع مع العدو، وإلى مزاياها الجغرافية والسكانية وإمكاناتها قياسًا بلبنان. ويمكن تلمّس معالم الدور الذي لعبته سورية من خلال الشواهد التاريخية التي تُظهر بوضوح التأثير المباشر للواقع السوري وخيارات النظام فيه على إستراتيجية العدوّ إزاء لبنان. وقد تعاظم هذا الدور بعد اتفاقية كامب ديفيد والاجتياح الصهيوني في عام 1982... وصولًا إلى معركة إسناد غزّة والحرب الأخيرة، كون سورية شكّلت عمقًا إستراتيجيًا للمقاومة في لبنان وخط إمداد مفتوحًا لها.

لوهلة قد يبدو تدمير "إسرائيل" لقدرات الدولة السورية، كما لو أنه حدث سوري. إلا أن تداعياته ومخاطره تطاول لبنان والمنطقة أيضًا. وقد عمد العدوّ إلى هذا الخيار بعد إسقاط النظام السابق وتبلور واقع سياسي وأمني جديد، مكّن العدوّ من تحقيق ما كان يحتاج في ظروف أخرى إلى شن حرب واسعة لتحقيقه. بتعبير آخر، فإن تحييد سورية كقوة إقليمية في معادلة الصراع، فضلًا عن إضعافها، يُعتبر قوة لـ"إسرائيل" وتعاظمًا لمخاطرها على لبنان وفلسطين والمنطقة.

البعد "الإسرائيلي" الإضافي للمتغيّر السوري يكمن أيضًا في ما ترتّب عليه من حرمان للمقاومة من عمق إستراتيجي وممر رئيسي للسلاح، مكّناها طوال عقود من مواجهة المخاطر والاعتداءات الإسرائيلية.

وهذا أيضًا يحضر كمعطى رئيسي على طاولة التقدير والقرار في كيان العدوّ ويؤثّر في بلورة خياراته العدوانية. وفي المرحلة الحالية، يساهم الوضع السوري المستجدّ في تعزيز رهانات العدوّ ضدّ المقاومة في لبنان، إذ يرى في ذلك فرصة لمزيد من التمادي في الاعتداءات مع قدر من الاطمئنان. أما الحرب التي شنّها العدوّ قبل سقوط النظام السوري السابق فقد نبعت بشكل رئيسي من تقديره، كما اتضح خلال الحرب، أن بالإمكان حسمها مع حزب الله بفعل الأوراق الأمنية والعسكرية التي كان يملكها.

لا تقتصر المخاطر المستجدّة على ما تقدّم. فالتوسع "الإسرائيلي" في جنوب سورية وفرض منطقة عازلة، يشكلان التفافًا أيضًا على لبنان. ومن الناحية العملية يتحوّل جزء من الحدود السورية إلى خاصرة رخوة للبنان، بعدما كان لبنان تاريخيًا يتّصف بهذه الصفة. وهذا من دون الحديث عن إمكانية تحوّل الحدود السورية إلى تهديد مباشر للبنان والمقاومة.

مع ذلك، فإن كلّ هذه المتغيّرات جرت بعدما تحوّلت المقاومة في لبنان من حالة إلى مجتمع عصي على الإخضاع والانهيار كما ثبت في كلّ المحطات التي مرّت بها.

وبعدما قطعت أشواطًا هائلة على مستوى بناء القوّة والخبرات والإمكانات، حاولت "إسرائيل" أن تدمّرها وحقّقت نتائج جزئية، إلا أنها بقيت القوّة الرئيسية في إستراتيجية الدفاع عن لبنان والتي لا يمكن لأي تهديد خارجي إلا أن يأخذها في الحسبان. وكما أثبتت تجارب العقود والسنوات الأخيرة، فإن المنطقة مُشبعة بالديناميات التي قد تؤدي إلى متغيّرات تعزّز هذا الاتّجاه أو ذاك. وفي كلّ السيناريوهات تبقى المقاومة جاهزة لمواجهة أي تداعيات تنتج عنها و/ أو الاستفادة من أي فرص تتشكّل في سياقها.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد