اوراق مختارة

الصيدليات تنتشر كالفطر... ومسافة 62 متراً بين صيدلية وأخرى!

post-img

سلوى بعلبكي (جريدة النهار)

حيث يكون القانون وجهة نظر، لا ينتظرنّ أحد أن تُبنى دولة، أو يسود تطبيق الأنظمة والقوانين. فمقولة "المرعية الإجراء" لا دور لها أو مفاعيل على أرض الواقع اللبناني، حين تكون النصوص الدستورية أو القانونية، إما ملتبسة، وإما غير واضحة، ويمكن "مطها" و"زمها"، وفق مصالح المواطن صاحب الرغبة من جهة، والمسؤول صاحب الإفادة السياسية أو الطائفية وغيرها من جهة أخرى.

ما بين صيدليتين عند شارع سامي الصلح في بدارو، ممر فاصل. واحدة قديمة العهد والترخيص، وأخرى جديدة. بيد أن ما يفصل بينهما حقيقة، ليس خلافا نقابيا أو قانونيا فحسب، بل تلك الثُغر والمنافذ في القوانين، والالتباسات التي ترافق تطبيقها، وتعدد الاجتهادات، بما يمنع الوصول إلى حسم نهائي للمشكلة الناشئة بين مواطنين، ويثبت أن القانون في لبنان لا يزال وجهة نظر".

يتحدث نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم عن منح "ترخيص فتح واستثمار لصيدلية صادر عن وزارة الصحة، في تاريخ 29/1/25، أي قبل أيام قليلة من تأليف الحكومة الجديدة، لا تبعد سوى 62 مترا عن أقرب صيدلية لها، خلافا للقانون الذي ينص على مسافة 300 متر حدا أدنى بين صيدلية وأخرى، وخلافا لكتب اعتراض من نقابة الصيادلة مرسلة إلى وزارة الصحة منذ أكثر من عامين، ومدعمة بكتاب من محافظ بيروت مروان عبود يؤكد فيه أن الصيدلية لا تبعد إلا 62 مترا عن الأقرب إليها، وأن الفاصل بينهما في شارع سامي الصلح ليس اسمنتيا كما هي الحال على الأوتوسترادات، بل هو رصيف يحتوي على أربع فتحات للمشاة، وتاليا فإن طريقة قياسها يجب أن تكون مباشرة من الصيدلية إلى الصيدلية".

وفي السياق، يشير سلوم إلى رأي استشاري من هيئة التشريع في وزارة العدل يؤكد عدم جواز إعطاء الصيدلية المعنية رخصة. 

بيد أن مصادر وزارة الصحة أكدت أنها استندت بترخيصها للصيدلية المعنية إلى رأي مجلس شورى الدولة (رقم 27 تاريخ 13/10/2004)، الذي يفسر مفهوم الطريق كالآتي: "يجب أن تطبق بمفهوم القانون والأنظمة لا بالمفهوم اليومي المتداول بين الناس، وعبارة الطريق الأقرب لا تعني الطريق الأسهل للوصول إلى موقع ما، إنما اعتماد الطريق الأقصر عند تعدد الطرق النظامية التي ينطبق عليها التعريف القانوني". لذلك فإن "سبيل السير كي يتوافق مع تسمية طريق يجب أن يكون داخلا ضمن شبكة المواصلات العامة نظاميا، مفتوحا للسير أمام المشاة والمركبات والحيوانات على السواء، لا أن يكون محصورا بفئة واحدة فقط. ويؤخذ بهذا المفهوم لقياس المسافة المفروضة قانونا بين صيدلية قائمة وأخرى منوي إنشاؤها ومنحها ترخيصا".

ووفق رأي مجلس شورى الدولة (رقم 142 تاريخ 18/12/2002) "لا يعتبر ممر المشاة طريقا بالمفهوم القانوني لكي يمكن قياس المسافة مرورا فيه لتحديد شرط المسافة بين الصيدليات، وعليه، تقاس المسافة من منتصف باب صيدلية إلى منتصف باب صيدلية أخرى، وذلك عن أقرب طريق، ويجب أن يكون الطريق نظاميا مفتوحا أمام المشاة والمركبات والحيوانات على السواء، وذلك عن اقرب طريق سيرا على الأقدام. بما يعني أنه إذا كان ثمة حاجز وسطي على الطريق ويتضمن فتحات فلا يمكن أن تمر عبره سيارة، فإنه لا يُعتبر طريقا، بل تسهيل مرور. وهذا الأمر ينطبق على الصيدلية موضوع الخلاف الموجودة على سامي الصلح، لكون الممرات هناك لا تسمح بمرور الفئات الثلاث على حد سواء". 

وفي انتظار حسم مجلس شورى الدولة الشكوى موضوع الخلاف، يتحدث سلوم عن تجاوزات عدة في القطاع، "إذ ثمة عدد كبير من المستثمرين وأصحاب مستودعات الأدوية وبعض أصحاب الصيدليات الكبيرة استأجروا شهادة صيدلة وحصلوا على تراخيص لفتح صيدليات، بهدف زيادة الأرباح، أو ليستطيع أصحاب المستودعات فتح صيدليات وشراء الأدوية لعدم تمكنهم من شرائها من المستوردين. هذا الأمر يعني أن الصيدلية بدل أن تكون مركزا صحيا بإمتياز، مع ممارسة الصيدلي دوره بإرشاد المريض والتأكد من نوعية الدواء وجودته، تصبح عوض ذلك مرتعا للتجارة لتسويق منتجات جيدة وغير جيدة، كما يشكل مضاربة من أصحاب الصيدليات "الكارتيلات" على الصيدليات الصغيرة، بما يؤدي إلى ضرب القطاع الصحي والدوائي في لبنان، إضافة إلى ضرب القوانين، وخصوصا حيال ممارسة بعض الصيدليات الكبيرة لكل أنواع التجاوزات".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد