أوراق ثقافية

الفنان السوري سامر المصري يثير جدلا حيال انتشار "البذاءة" في الدراما السورية

post-img

"زملائي الفنانون الأخوة الكتّاب، احترموا سقف الحياء في الفن.. عندما تستخدم كلمات نابية لاستجداء الترند، فهذا أمر مقرف ومسيء للدراما السورية التي اشتهرت باحترام عقل المشاهد العربي".

بهذه الكلمات، هاجم الفنان سامر المصري الدراما السورية، ووجّه انتقادات حادة لمستخدمي البذاءة الذين أوصلوا هذه الدراما إلى الحضيض باستخدام الألفاظ المسيئة ومفردات الشارع وتوظيفها في الأعمال الدرامية من دون مسوّغ فني، خاصة في الأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تحاكي واقع الأزمات في سوريا.

إذا كان استخدام الشتائم، من وجهة نظر صانعي العمل، يمثّل نقلًا للواقع، فلماذا لم ينقلوا منه إلا الشتائم البذيئة والنابية؟ ولماذا تُطرح عبر الدراما التلفزيونية خلال شهر رمضان تحديدًا؟ خاصة أن للتلفزيون في مجتمعاتنا خصوصية شديدة ومكانة كبيرة في وعي ووجدان المتلقي.

هل تُقبل الشتائم في الأعمال الدرامية التلفزيونية عندما تكون على لسان نجم جماهيري؟ حتى لو كان تأثيره كبيرًا على شريحة واسعة من الجمهور؟ تساؤلات كثيرة تثار حول تزايد الألفاظ النابية في الدراما، والتي تحولت إلى أفيهات بين الشباب وموضة دارجة في التعامل بين بعضهم البعض. ألا يجب أن نكون أكثر حذرًا وانتقائية في ما نطرحه؟

انحدار وسوقية

يؤكد الإعلامي والصحفي عمر جمعة: "أن الألفاظ التي تستخدمها بعض الشخصيات الدرامية تمثل في رأيه محاولة من الكاتب، أو ربما اجتهادًا من الممثل نفسه، لرسم شخصية بمنطق واقعي، كما رأينا في شخصية المقدم موسى (تيم حسن) في مسلسل "تحت سابع أرض"، أو ما شاهدناه سابقًا في الشخصيات التي أدّاها الفنان فادي صبيح ومنها مسلسل "فوضى"، وبسام كوسا في عدة أعمال درامية.

يضيف جمعة: "من غير المقبول أو المنطقي أن تنحدر هذه الشخصيات نحو السوقية في الألفاظ التي تسيء إلى العمل نفسه قبل أن تسيء إلى جمهور المشاهدين والمتابعين، خاصة حين نعلم أن شرائح اجتماعية وعمرية مختلفة تتابع هذه الأعمال، وأنها تخاطب أناسًا قد يتحفظون ويرفضون مثل هذه الألفاظ."

يختتم: "وبالتالي، المطلوب من الرقابة -سواء رقابة النص أو رقابة المشاهدة- التصدي لمثل هذه الظاهرة، ومنع الكثير من الألفاظ والمشاهد الخادشة التي تسيء إلى المشهد الدرامي برمته. كما أن المطلوب من الكاتب والمخرج وحتى الممثل الانتباه إلى هذا الأمر، حتى لا تتكرس القيم السلبية على حساب القيم الإيجابية التي يسعى الفن إلى تعميمها وتكريسها في المجتمع."

شتائم لزيادة الانتشار

من جهته، يؤكد الصحفي أنس فرج أن استخدام "الأفيهات" بات ظاهرة سنوية يلجأ إليها فنانون يشعرون بنقص في بناء الشخصية أو حاجة لزيادة انتشارها وتسويق العمل. ويكمل: "لقد تفاقم الموضوع مع تأطير هذه الكلمات بعبارات تحمل إهانة للنساء أو تعديًا أخلاقيًا، مع محاولة تمويهها بقلب بعض الأحرف".

يشير فرج إلى أن أكثر من وقع في فخ هذه الأفيهات كان الفنان محمد حداقي، باستخدامه مفردة يصف بها ركاب وسيلة النقل الجماعي التي يقودها، وذلك بشكل متكرر دون أي تلطيف أو مراعاة للأشخاص أو وجود غرض درامي لاستخدامها. كما يذكر مثالًا آخر وهو تيم حسن في مسلسل "تحت سابع أرض" الذي عمد إلى استخدام ألفاظ مشتقة من الشتائم مثل "ابن الأحبة". كما تضمن المشهد الذي تعرض فيه موسى للضرب عبارة استوحاها من التاريخ العربي: "ردّها عليّ إن استطعت"، وهو ما أثار الجدل فنيًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

لقد استخدم الفنان حسن تعابير مشابهة في مسلسل "الزند" مثل "ابن المتسطحة"، و"ابن المبطوحة"، و"ابن العاهرة"، وكذلك في مسلسل "الهيبة" عندما قال: "أخو الشر المترابط"، كبديل عن الشتائم الصريحة.

إساءة لإضفاء الواقعية

يشير الصحفي بديع صنيج إلى أن استخدام الشتائم على لسان بعض الشخصيات قد يكون حاجة أو ضرورة درامية لإضفاء صفة الواقعية على الشخصيات والحكاية. ويوضح: "فالأفيهات في الدراما تكون دائمًا مسوغة ولا إشكال عليها طالما هي ضمن السياق العام للشخصية التي يجسدها الممثل." ويكمل: "في الكثير من الأعمال، تستخدم هذه الألفاظ ضمن بناء الشخصية والمنظومة الفكرية الخاصة بها، انطلاقًا من بيئتها وخلفيتها الثقافية. وهذا الأمر طبيعي ويعزز من حضورها ويحقق تعاطفًا أكبر."

لكنه يحذر: "ولكن في بعض الأحيان يحدث شطط في هذه الأفيهات، فتصبح لازمات متكررة، وقد يكون للشخصية الواحدة أكثر من أفيه، وتكون مضافة من دون السياق الدرامي الصحيح. والهدف منها في هذه الحال يكون إثارة الجدل وجذب الجمهور لمتابعتها، فتكون هذه المشاهد الصغيرة التي تتضمن الأفيهات هي 'تريند' العمل."

يضيف: "هذا يسيء للدراما ولتكوين الشخصية وعلاقتها بالجمهور، لأنها تتضمن أشياء سلبية وشتائم أو مواربة، وهي بعيدة عن الأخلاق التي يفترض بالدراما أن تعززها لدى الجمهور." ويستشهد صنيج بأعمال مثل "تحت سابع أرض"، "تحت الأرض"، "وما اختلفنا"، "نسمات أيلول" وغيرها من أعمال رمضان، قائلًا: "هذا النهج يحمل خللًا أخلاقيا ودراميا، لأنه يروج لهذه المصطلحات ويؤثر بشكل كبير على شريحة الأطفال وشريحة من الأشخاص الذين لا يملكون الوعي الكافي، فيقومون باستخدامها في حياتهم اليومية."

يختتم: "هذا من تأثير الدراما عمومًا، فكيف إذا كان الأثر سلبيًا بهذا الشكل؟ إنه مضر على المستوى الاجتماعي للدراما وعلاقتها مع الجمهور. يجب أن تكون هناك جهات رقابية حقيقية تمنع هذه الممارسات، لأن تأثيرها السلبي أكبر من تأثيرها الإيجابي."

يضيف معلقًا: "صحيح أن القائمين على الأعمال يلعبون على موضوع البقاء في الذاكرة، وللأسف في مجتمعاتنا يتقبل الجمهور الشيء السلبي أكثر من الإيجابي. فقد يحمل المسلسل الكثير من القيم الإيجابية، ولكنها تنسى جميعًا مقابل قيمة سلبية واحدة يقوم بها أحد أبطال المسلسل وتصبح أفيهًا متداولًا لمجرد تكرارها."

يختتم: "التكرار لهذه الأفيهات هو ما يرسخها في الأذهان ويجعل تأثيرها مضاعفًا. لذلك على الجهات الرقابية، سواء كاتب النص أم المخرج، أن تتنبه لهذا الأمر، لأنه يسيء للعمل ككل، ويُهدر مجهود الممثلين الآخرين، وحتى مجهود البطل الذي قد يلتصق به أي أفيه ينطقه".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد