زينب حمود (جريدة الأخبار)
تزدحم عيادة منظّمة «أطباء بلا حدود» في برج حمود بالمرضى من العمّال والعاملات الأجانب الذين تقطّعت بهم السبل دون الوصول إلى الطبابة، وتبدأ حاجاتهم من استشارات رعاية صحية أولية مجانية وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية، مروراً بالأدوية والفحوصات، إلى تغطية تكاليف الحالات الاستشفائية.
كما زاد عدد الاستشارات النفسية التي يقدّمها فريق «أطباء بلا حدود» عام 2024 إلى الضعف مقارنة بـ 2023، «ما يدلّ على ضخامة الاحتياجات النفسية في مجتمعات المهاجرين، والآثار العميقة التي يخلّفها سوء المعاملة والعنصرية والتمييز على سلامتهم النفسية»، بحسب مشرفة الصحة النفسية في المنظمة إلسا صيقلي.
يعكس المشهد في العيادة هشاشة العمال الأجانب الذين تقدّر المنظمة الدولية للهجرة عددهم في لبنان بنحو 176,500 شخص، 70% منهم من النساء، غالبيتهن من العاملات في الخدمة المنزلية اللواتي يخضعن لنظام كفالة يرقى إلى مستوى «العبودية الجديدة»، كما تصفه «هيومن رايتس ووتش». وقد «لمست فرقنا التداعيات الخطيرة للظروف التي يفرضها نظام الكفالة على صحة العاملات»، بحسب المنظمة.
فـ«بموجب هذا النظام تعمل العاملة فوق طاقتها وتتقاضى أجراً زهيداً أو لا تتقاضى أجراً على الإطلاق، وغالباً ما تُحرم من الاستراحة أو الإجازات».
وفي هذا السياق، نقلت مصادر في «أطباء بلا حدود» تحدّثت لـ«الأخبار» قصصاً «مثيرة للصدمة»، مثل إبلاغ عاملة بنغلادشية المنظّمة بأنها تُجبر على النوم في الشرفة حتّى في فصل الشتاء، «حتى صرت أمرض طوال الوقت»، فيما شكت عاملة إثيوبية من حرمانها من الطعام، لذلك «أنتظر حتى ينام الجميع لأختلس بعض الخبز أو برتقالة، وأعيش على الفُتات».
وتلفت المنظمة إلى أنّه «في ظلّ نظام الكفالة، تتضاءل فرص حصول العاملات الأجنبيات على الرعاية الصحية في لبنان لأنه يمكن لأصحاب العمل حرمانهن من هذا الحق».
وهو ما حصل مع إحدى العاملات التي لم تصدّق صاحبة العمل بأنها تعاني من ألم شديد في الكلى يستدعي خضوعها لفحص طبي، فانتهى الأمر «بالهروب من هذا الجحيم».
لكنّ الهروب لا يعني خلاصاً بالضرورة، «فكثيراً ما يُرفض استقبال العاملات والعاملين في المستشفيات أو مراكز الرعاية الصحية الأولية، إما بسبب افتقارهم إلى المال أو الوثائق القانونية، أو ببساطة لأنهم ليسوا لبنانيين، ما يدفع بكثيرين منهم إلى تجنّب طلب الخدمات الاستشفائية خوفاً من الرفض أو الترحيل، ما يزيد من ظروفهم الصحية تعقيداً».
ولا يقتصر أثر نظام الكفالة على الصحة الجسدية، بل يخلّف أيضاً أزمات نفسية ترتبط بسوء المعاملة والعنصرية. وتشابهت قصص روتها عاملات منزليات لـ «أطباء بلا حدود» عن معاناة العمل في الخدمة المنزلية، ارتكزت بشكل أساسي على سلب إرادة العاملة من خلال حجز الكفيل وثائقها القانونية، وعزلها عن العالم الخارجي، وحرمانها من التواصل مع عائلتها في الخارج.
ولا تستطيع العاملة التوقّف عن العمل و«التحرّر» إلا بإذن الكفيل، أو بالهروب والبقاء بالتالي بلا مأوى ولا أوراق قانونية، وحتى في حال قرّرت العودة إلى بلدها، قد تفتقر إلى الموارد اللازمة لإتمام المعاملات الرسمية أو شراء تذكرة السفر.
كذلك تكررت قصص العنف ضد العاملات جسدياً ولفظياً وجنسياً، بين «الصراخ المتكرّر والشتم، والضرب «حتى أتعلّم أسرع» كما برّرت صاحبة عمل، عدا التعرضِ للتحرّش الجنسي والاغتصاب. وتنقل إحدى العاملات الأذى النفسي نتيجة «إصرار صاحبة العمل على قصّ شعري عدة مرات من دون إذني، رغم توسّلي بألّا تفعل لأنه في ثقافتنا قصّ الشعر يدلّ على ارتكاب الخطيئة، ما يسيء إلى سمعتها».
وتقول الاختصاصية الاجتماعية في المنظّمة حنان حمادي إن الدعم الصحي لمجتمع المهاجرين من «أكبر التحديات»، نظراً إلى ندرة التمويل المخصّص للمنظّمات التي تدعم المهاجرين والمهاجرات في لبنان، ولا سيّما المرضى الذين يعانون من حالات نفسية طارئة». ونبّهت حمادي إلى أنه «عندما تتوقّف هذه المنظّمات عن تغطية تكاليف الاستشفاء للمهاجرين والمهاجرات، لن تتمكّن «أطباء بلا حدود» وحدها من سدّ هذه الفجوة، ما يعني أن احتياجات كثيرين لن تُلبّى».
وإلى التحدّي المالي، يبرز تحدّي اللغة عائقاً أمام حصول مجتمع المهاجرين والمهاجرات على الرعاية الصحية، خصوصاً الصحة النفسية، ذلك أنه نادراً ما تتوفّر خدمات الترجمة خلال جلسات العلاج النفسي في المنظّمات العاملة.