غسان ريفي (سفير الشمال)
كثيرة هي التحذيرات التي تلقاها الرئيس نواف سلام خلال تشكيل حكومته من تسمية وزير محسوب على القوات اللبنانية لوزارة الخارجية والمغتربين، أولا، لأن ذلك يضرب شعار وحدة المعايير وتكافؤ الفرص الذي رفعه، ولأن وجود وزارة الخارجية في يد القوات سيعطيها القدرة على الاستفادة منها في الانتخابات النيابية المقبلة لجهة التواصل والاتّصال مع المغتربين وذلك على حساب سائر الأطراف المسيحيين الذين لن تتوفر لهم مثل هذه التسهيلات.
وثانيًا، بسبب مواقف القوات العدائية من حزب الله والمقاومة وتبنيها خلال الحرب وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بأن “المقاومة هي التي ولدت الاحتلال” وأنه لا بد من نزع سلاح المقاومة لتتوقف هذه الحرب بغضّ النظر عن الاحتلال "الإسرائيلي" القائم والخروقات والاغتيالات المستمرة.
تدرك الأوساط السياسية أن القوات تريد نزع سلاح المقاومة بأي ثمن ولو أدى الأمر إلى استمرار "إسرائيل" في حربها على لبنان كما طلب الوزير القواتي كمال شحادة من المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس خلال اللقاء معها في مقر السفارة في عوكر (بحسب المعلومات الصحافية) ما يعني أن القوات تتبنّى بالكامل الأولوية الأميركية التي تقول بنزع السلاح وفق جدول زمني بغضّ النظر عن الانسحاب الإسرائيلي، والتي تناقض أولوية رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بالتشديد على الانسحاب "الإسرائيلي" ووقف الخروقات والاعتداءات وترسيم الحدود وتطبيق القرار ١٧٠١ ومن ثمّ الانتقال للبحث في السلاح ضمن حوار يؤسس لإستراتيجية دفاعية تحمي الأمن الوطني.
لم يلتفت الرئيس نواف سلام لهذه التحذيرات بل أصرّ على تسمية يوسف رجي القواتي وزيرا للخارجية والمغتربين ربما عن قناعة أو ربما عن ضغط وإملاءات خارجية أو أميركية وما أكثرها منذ أن أبصرت هذه الحكومة النور في شباط الفائت إلى اليوم وربما يكون الآتي أعظم.
اليوم، حصل ما كان في الحسبان، لجهة إصرار وزير الخارجية يوسف رجي على العمل وفق أجندة القوات التي تتماهى مع التوجّهات الأميركية، وليس وفق الموقف الرسمي اللبناني الصادر عن رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، بما يشبه حالة التمرد والاستقواء بالأميركي على السلطة اللبنانية الرسمية، خصوصًا أن رجي تخلّى عن البروتوكول وضرب كلّ المعايير والأعراف الدبلوماسية بقبول استدعاء المبعوثة الأميركية أورتاغوس له إلى عوكر بدل استقبالها وفق الأصول في مقر وزارة الخارجية.
وما يثير الاستغراب أن الوزير رجي منذ تسلمه الوزارة وهو “فاتح على حسابو”، ويتصرف وفق أهوائه السياسية وليس كما تقتضي المصلحة الوطنية، ففي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس عون لتطويق أي توتر قد ينتج عن مسألة السلاح وعدم ربطه بأي من المطالب الخارجية لا سيما موضوع إعادة الإعمار، لا يتوانى الوزير رجي عن تبرير استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية وتأخر تمويل إعادة الإعمار، والتحدث وفق السردية الإسرائيلية القائلة بأن كلّ ذلك مرتبط بنزع السلاح، فضلًا عن مواقفه السياسية عالية النبرة القائمة على التحريض وإثارة الغرائز والتي من شأنها أن تؤدي إلى الاستفزاز وتحريك الفتنة التي يسعى الجميع إلى تلافيها.
مواقف الوزير رجي تضع الرئاسات الثلاث في موقف لا تُحسد عليه، ففي الوقت الذي تنسجم فيه مواقفها حول الأولويات والثوابت والمسلمات في اعتماد الحلول الدبلوماسية للاحتلال والاعتداءات وتمويل إعادة الإعمار وبالتحديد بين الرئيسين عون وبري، يعمل رجي من خلال مهامه الدبلوماسية وخلال لقاءاته على تسويق وترويج سياسة تتناقض مع هذه التوجّهات وتُدخل لبنان في متاهات وإشكالات كبرى كما حصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استدعى الوزير رجي سفيرها في لبنان مجتبى أماني على تغريدة في منصة “أكس”حول تسليم السلاح لم يذكر فيها اسم لبنان، بينما لا يحرك ساكنا أمام كلّ التدخلات من أميركية وفرنسية ومن سائر الدول بما في ذلك اللجنة الخماسية التي تعقد اجتماعات علنية للبحث في القضايا الداخلية اللبنانية.
يبدو أن رجي يريد من خلال هذا الاستدعاء إيجاد مساحة خلاف مع إيران وضرب علاقات لبنان معها وفقًا لأجندة لا تصب في تحقيق المصلحة الوطنية.
وفي هذا الإطار، تشير المعلومات إلى إمكانية أن يبدأ رئيسا الجمهورية والحكومة تحركا لاحتواء الأزمة التي تسبب بها الوزير رجي مع السفير الإيراني، في حين تشدد جهات سياسية وحزبية على الرئيسين استدعاء رجي ووضع حد لتجاوزاته بسبب الاستنسابيّة التي يعتمدها في عمله الدبلوماسي ولكونه يتصرف كقيادي في القوات وليس وزيرا في الدولة اللبنانية!..