اوراق مختارة

وعد والتزام.. خير الدين لـ"العهد": ستعود القرى والمدن أفضل وأجمل ممّا كانت

post-img

مهدي سعادي (موقع العهد الإخباري)

لم تكد الحرب تضع أوزارها حتى انكبت مؤسسة "جهاد البناء" على العمل جاهدة، بالتعاون مع المناطق والقطاعات والوحدات كافة، لوضع شعار "وعد والتزام" الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم حيز التنفيذ. انكبّ مهندسوها وإداريوها وكل العاملين فيها على وضع الخطط والهيكليات كافة والآليات الكفيلة بالوصول بملف إعادة إعمار ما هدمه العدوان "الاسرائيلي" إلى خواتيمه السعيدة وإعادة المدن والقرى والبلدات المهدمة أجمل ممّا كانت، كما كان يقول سماحة الشهيد الأقدس. 

موقع "العهد"، الذي يواكب بالتتابع عملية إعادة الإعمار بمراحلها المختلفة، التقى بمنسق الترميم العام في مؤسسة جهاد البناء المهندس الأستاذ حسين خير الدين للإجابة عن تساؤلات واستفسارات المتضررين والوقوف عند حجم الأضرار وتحديات الاعمار ومهله الزمنية وملف الايواء وتعويضاته، وكيفية الإفادة من تجربة الإعمار عقب عدوان العام 2006، والأهداف الموضوعة للمرحلة المقبلة.

سرعة في انطلاق العمل لإحصاء الأضرار

يبدأ خير الدين كلامه مشيرًا إلى أن أعمال المسح والكشف وإحصاء آثار العدوان ونتائجه انطلقت فور انتهاء العدوان على لبنان، وقد جرى إعداد مسبق لهيكلية توزيع العمل. وكان هناك تصور لكيفية التعاطي مع الأضرار ومسحها بعد انتهاء الحرب، موضحًا أنّ هذه الهيكلية رصدت فتح مكاتب هندسية، تضم مجموعة من المهندسين والموظفين موزّعين بحسب عدد القطاعات التي يقسم بها حزب الله المناطق، حيث يكون هناك مسؤول قطاع معني بمتابعة عدد من القرى والبلدات والأحياء. 

يضف خير الدين: "في اليوم التالي لتوقف الحرب، في 27-11-2024، باشرنا تطبيق هذه الهيكلية، فقمنا بفتح 27 مركزًا في مختلف المناطق اللبنانية. وقد وضعنا خطة لحشد أكبر عدد ممكن من المهندسين والعاملين في مجال المعلوماتية، إذ كنا قد أعددنا برنامجًا خاصًا لا يقتصر فقط على عملية مسح الأضرار ميدانيًا، بل يُتيح إدخال البيانات ضمن استمارات تُحلَّل لاحقًا، لتُحدّد كلفة إعادة ترميم كل بيت أو محل متضرر، وقد طُبّقت هذه الخطة بشكل سريع، أي بعد نحو أسبوع من وقف إطلاق النار".

ويلفت خير الدين إلى أنّه قبل انقضاء خمسة أشهر على بدء عملهم تمكّنوا من إنجاز مسح الأضرار في الوحدات المتضررة التي انقسمت إلى ثلاثة أنواع في الأبنية:

1. الوحدات المتضررة: هي الشقق أو المحال التي تضررت من الداخل فقط (الجدران، البلاط، الزجاج، الخشب)، في حين بقيت الأعمدة والأسقف سليمة، وهذا النوع يُشكّل العدد الأكبر.
2. الوحدات المهدّمة: هي المباني التي تهدمت بالكامل.
3. وحدات الفحص الإنشائي: هي الأبنية التي ما تزال قائمة، لكن تضررت فيها أعمدة أو احترق فيها طابق كامل، ما يستدعي فحصًا إنشائيًا لتقييم سلامتها.

بلغ عدد الوحدات المتضررة من النوع الأول، حتى الآن، نحو 348,321 وحدة، وهو رقم ضخم جدًا. أما عدد الوحدات التي تتطلب ترميمًا إنشائيًا، فقد وصل عددها إلى 6,000 وحدة تقريبًا. أما في ما يتعلّق بالمباني المهدّمة بالكامل، فقد حُصرت حتى الآن بنحو 12,000 مبنى في جميع أنحاء لبنان، والتي تعادل تقريبًا 40,000 وحدة بين شقق ومحال ومستودعات".

أبرز التحديات

يستعرض خير الدين تحديات إعادة الإعمار، فيقول إن مواجهة الفرق الميدانية لتحديات كبيرة في الاستجابة لحاجات الأهالي المتضررين كانت مسألة طبيعية؛ لا سيما بعد الحرب المدمّرة والتحرّك السريع لجهاد البناء. لكن التحضير المسبق والجدية والإخلاص في أداء هذه المهمة – برأيه- كان كفيلًا بتجاوز هذه التحديات التي يذكر منها :

- الضغط النفسي الكبير على الأهالي المهجّرين بسبب الاعتداءات "الإسرائيلية" وسقوط الشهداء، وتوقعهم استجابة سريعة جدًا لمسح الأضرار.
- تحدي السرعة بالإنجاز؛ وهو ما حصل في أقل من 5 أشهر، بعدما سُجّلت الأضرار في 348,000 وحدة سكنية ما يعدّ إنجازًا معجزة وفقًا للمعايير الهندسية.
- تحدّي التوقعات وتوقع كل فرد من المتضررين البدء بمسح وحدته أولًا، ما شكّل ضغطًا إضافيًا مع أن وتيرة العمل كانت سريعة.
- اتساع رقعة الأضرار وشمولها أكثر من 450 قرية موزعة على مناطق واسعة؛ مثل: الجنوب، البقاع، بيروت، جبيل، وجبل لبنان، ما تطلب جهدًا وتنسيقًا كبيرين.
- تأهيل الكوادر: جرى تنظيم ورش عمل للمهندسين لتدريبهم على تعبئة الاستمارات والتعامل مع الأهالي.
- نقص التجهيزات: تأمين الحواسيب والطاولات والتجهيزات الفنية كان صعبًا بسبب تضرر معظم المؤسسات في المناطق المقصوفة.

مسح الأضرار

يكشف خير الدين أن عملية مسح أضرار الوحدات السكنية أصبحت في حكم المنتهية تقريبًا، بعد إنجاز 95% منها. ويشرح الآلية التي أعتمدت؛ فيشير إلى أنّ: "المهندس كان يدخل إلى كل بيت، ويقوم بتعبئة استمارة موحّدة، يُدوّن فيها حجم الأضرار ومساحتها وعددها. وبعد الانتهاء من تعبئة الاستمارة، تُدخل المعلومات الواردة فيها إلى برنامج لاحتساب الكلفة المالية اللازمة لإعادة ترميم هذا البيت. بعد ذلك يتولى فريق من المهندسين تدقيق الاستمارة التي عبّأها المهندس الميداني للتأكد من أن البيانات التي أُدخلت إلى البرنامج مطابقة لما هو موجود على الورق، وللتثبت أيضًا مما إذا كان هناك أي أمر غير منطقي في مضمون الاستمارة.

كما يلفت خير الدين إلى أنّ المؤسسة عملت، أيضًا، على مسح الأضرار التي طالت البنى التحتية، وأعدت ملفًا خاصًا لها في إجراء هو جزء من التقرير الإحصائي الخاص بجميع أضرار العدوان. إلا أنّ مسؤولية الترميم في هذا الملف تقع على عاتق الدولة، وإذا أرادت الدولة الإفادة من المسح الذي أجريناه، لا مشكلة لدينا بذلك.

الكشف على المصالح التجارية

كما الأبنية السكنية نالت المصالح التجارية نصيبها الوافر من العدوان الصهيوني، لكن ذلك لم ينل من إرادة شعب المقاومة وإصراره على النهوض من تحت الركام ومواصلة العمل عبى الرغم من الدمار لتثبيت وجوده وتشبثه بأرضه وقراه. وفي هذا السياق؛ استوضح "موقع العهد" من خير الدين عن موضوع الكشف على المصالح التجارية، فأوضح أن عملية مسح الأضرار: "تقتصر فقط على الشق المرتبط بالبناء، مثل جدران المحال التجارية وأرضياتها والزجاج وغيرها. أمّا محتويات المحال، من بضائع ومعدات، فحتى الآن لا يوجد توجّه لمسح الأضرار الاقتصادية".

يتابع خير الدين: "طلبنا من الأشخاص الذين لحقت بهم أضرار اقتصادية أن يقوموا بتوثيق تلك الأضرار، وأن يحتفظوا بفواتير المشتريات والمعدات والبضائع ولوائح الخسائر، وكل ما يرتبط بمصالحهم ومحالهم داخل ملف خاص، وذلك تحسبًا لأي قرار لاحق يأخذ بالتوجّه إلى تشكيل ملفات لهذا النوع من الأضرار، فنكون عندها قادرين على تقديم الملفات بشكل منظّم وجاهز". ولفت إلى أنّه: "جرى مسح الأضرار الزراعية وأضرار السيارات، لكن حتى الآن لم يُتخذ قرار بشأن التعويض عن الأضرار الزراعية أو الاقتصادية أو السيارات".

الإيواء

أما ما يرتبط بملف الإيواء، يؤكد خير الدين: "أنّه جرى دفع بدلات إيجار لمن تهدمت بيوتهم لمدة سنة، إضافةً إلى بدل عفش بقيمة 8000 دولار. وهذا يخصّ المنزل الأساسي المدمَّر، وليس المنزل الصيفي. كما دفع أيضًا للذين تضررت منازلهم بدل عفش ضمن شيك الأضرار". ولفت إلى أنّه: "بالنسبة إلى الإيواء المتعلق بالمنازل التي تحتاج إلى وقت طويل كي ترمّم، أي التي تعرضت لأضرار كبيرة، أو التي يسكن أصحابها في أبنية تتطلب ترميمًا إنشائيًّا، فإن الترميم الإنشائي يحتاج إلى وقت طويل كي ننجزه. ومطلوب أن نقوم نحن بإنجازه، لا أن ندفع المال لأصحاب الوحدات المتضررة، وهذه الفئة من الأضرار ما تزال في بداية تنفيذها. كذلك، فإن الوحدات السكنية الواقعة ضمن أبنية بحاجة إلى ترميم إنشائي، كنا أيضًا ندفع لهم بدل إيواء، فمثلًا ندفع لهم لمدة ستة أشهر إلى أن نقوم بترميم المبنى وتحويله إلى مبنى آمن. وهذه الحالات أيضًا كنا نغطيها بنسبة كبيرة، ونحن الآن في مرحلة ندرس فيها تجديد الإيواء للأبنية التي لمّا ننتهِ من ترميمها بعد".

إعادة الإعمار  

إلى ذلك؛ في ما يتعلق بموضوع إعادة إعمار البيوت التي تدمرت بالكامل، يقول خير الدين: "نحن ما نزال في مرحلة احتساب إجمالي المساحات التي دُمرت على مستوى لبنان، وكلفة إعادة بنائها لتلك الأبنية المدمَّرة. وذلك تمهيدًا لاتخاذ المعنيين القرار المناسب"، مشيرًا إلى أنّه: "حتى الآن، لا يوجد أي شيء محدد بخصوص المدة الزمنية المتبقية للبدء بإعادة الإعمار". وأردف: "هناك نوعان من البيوت المهدّمة: الأول يشمل الأبنية التي دًمّرت، ويملكها أكثر من مالك. والثاني يخص الأبنية الفردية التي تضرّرت، كما هو الحال في الجنوب والبقاع وباقي القرى. أما ما يرتبط بالبنايات المدمرة؛ فهذه تحتاج إلى إطلاق مشروع "وعد" مجددًا لتتولّى إعادة إعمارها، أمّا البيوت الفردية، فسيُدفع لأصحابها تعويضات، كما فعلنا في عمليات الترميم، وهم سيتولّون الإعمار بأنفسهم".

التعويضات  
عن موضوع التعويضات، قال خير الدين إنّ هذا الملف ليس من مسؤولية مؤسسة جهاد البناء، موضحًا أن مهام المؤسسة محصورة في المجال الهندسي الفني فقط: "أي إننا نُحدّد قيمة الأضرار ونرسلها إلى المناطق التنظيمية، والتي بدورها تصدر الشيكات وتُعطيها لصاحب العلاقة، ليقبضها من جمعية القرض الحسن؛ أي ما أن ننتهي من العمل الهندسي، لا يعود لدينا أي دور في الموضوع".

يتابع خير الدين: "الذين قبضوا تعويضهم، حتى الآن، تجاوزت نسبتهم الـ 80% من أصل الـ 348 ألف وحدة قمنا بمسح أضرارها. أما الـ 20 أو 30% المتبقية، فهم إما لا تزال شيكاتهم قيد المعالجة، أو لمّا يحصلوا عليها بعد، وعددهم قليل. لكن، كما حصل في السابق، عندما وصل موعد استحقاقهم صرف القرض الحسن لهم التعويضات، والآن مع التأجيل الجديد لدفع المستحقات، سيقبضون عندما يحين موعد الاستحقاق، أيضًا".

الحملات الإعلامية على بيئة المقاومة

إثر الحرب ونتائجها؛ انطلقت أبواق الوسائل الإعلامية والأقلام المدفوعة بشن حملة افتراءات وبث الشائعات التي تصوب على المقاومة، وتدعي تضعضعها وتراجعها وإفلاسها مستندين في ادّعاءاتهم إلى بيانات تأجيل دفع الكمبيالات الصادرة عن جمعية القرض الحسن؛ عن هذه الحملات أكّد خير الدين أنّ: "هذا الكلام غير صحيح، والمهم هو أن نطمئن أهلنا، أما الذين يطلقون هذه الشائعات، فلا مجال لإقناعهم، فهم ما يزالون يشككون"، متسائلًا: "أليس الترميم هو إعادة إعمار؟ والعدد الأكبر من الأبنية المتضررة تندرج ضمن نوع "الترميم"، وهذا ما أنجزنا منه 95%، ويمكن لأي شخص أن يمرّ بالمناطق ويرى أن الحياة عادت إلى طبيعتها في معظم القرى"، مؤكّدًا أنّ: "أهلنا يستطيعون أن يطمئنوا تمامًا".

تجربة حرب تموز 2006

عن كيفية إفادة المؤسسة من تجربة عدوان تموز 2006؛ قال خير الدين: "المقارنة بين عامي 2006 و2024 تُظهر أن عدد الأضرار في العام 2024 هو أضعاف الأضرار التي وقعت في العام 2006. طبعًا، هناك العديد من الأمور التي قمنا بتطويرها، بشكل كبير جدًا، مقارنة بتجربة ما بعد عدوان تموز، والذي لم يكن لدينا فيه برنامج معلوماتي نستخدمه لاستخراج قيمة الأضرار لكل متضرر. وهذا يشكّل فارقًا كبيرًا بين وجود البرنامج وعدمه، ولقد أفدنا على مستوى الجهوزية؛ حيث إن المشاريع الكبيرة حين تُنفّذ لأول مرة، قد يشعر الإنسان بالرهبة ولا يكون قادرًا على التعامل معها بسهولة، لذلك، أفادتنا تجربة 2006، ورأينا أننا في 2024 قادرون على الترميم ومسح الأضرار والمضي قدمًا بسرعة أكبر".

ويتابع: "في العام 2006، مع أن الناس لا تتذكر التفاصيل بدقة، فقد استمر مسح الأضرار لمدة سنة كاملة، والدفع بدل الأضرار دام سنتين، في حين أننا اليوم، وبعد أقل من خمسة أشهر، أنجزنا 95% من المسح". ولفت إلى: "أننا أفدنا، بشكل واضح، وأصبحت هذه المشاريع لا تشكّل لدينا عاملًا نفسيًا سلبيًا أو مصدر إحباط، بل صرنا نتعامل معها بشكل أقوى وأكثر تنظيمًا مستفيدين من التجارب السابقة. ونحن لم نستفد فقط من تجربة 2006، كذلك من تجارب الأعوام 1993 و1996 و2000، ومن التفجيرات التكفيرية التي طالت مختلف المناطق، والتي كنا فيها أيضًا نقوم بمسح الأضرار".

رسالتك للناس

في الختام؛ توجه خير الدين إلى الناس بالقول: "هؤلاء هم أهلنا وأصدقاؤنا، هم الذين ضحوا وقدّموا، وهم يعلمون جيدًا أن من ينتمي إلى المقاومة يقف دائمًا إلى جانبهم، ويسعى دائمًا إلى عزتهم وكرامتهم؛ فالمقاومة هي منهم، وهم جزء من المقاومة؛ وبالتالي هم بالتأكيد لن يتأثروا بالشائعات التي تنتشر هنا وهناك". ولفت إلى أنّ: "العدو يستخدم العديد من الوسائل لتغيير الحقائق، لكن نتيجة يقين أهلنا وصلابتهم، فهم يعرفون جيدًا ما يحدث ويرون الحقيقة بأعينهم على الأرض؛ لأن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها". وأضاف: "مع أن وسائل الإعلام التي يعتمدها العدو قد تكون أحيانًا مؤثرة وتضغط على الناس، إلّا أنني أعتقد أن تأثيرها على أهلنا وشعبنا محدود، فأهلنا يمتلكون من الدين والقيم والأخلاق ما يجعلهم قادرين على التمييز بين الحقيقة والشائعات". ووعد خير الدين الناس بأنّ: "المشروع في أقرب وقت سيكتمل، وستعود قراهم ومدنهم أفضل وأجمل ممّا كانت عليه، بإذن الله".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد