اوراق مختارة

500 مليون دولار هي السيولة الحرّة للمصارف

post-img

 

رغم ادّعاءات المصارف بأنها تملك سيولة فائضة بقيمة 3 مليارات دولار، إلا أن المعطيات تكشف أن صافي السيولة المتاحة فعلياً لا يتجاوز 500 مليون دولار. ويعود هذا التفاوت إلى كون جزء كبير من السيولة الظاهرة مرتبطاً بالتزامات على المصارف تجاه القطاع المالي غير المقيم (بما يعادل 2.5 مليار دولار)، ما يعني أن «السيولة الحرّة» بعد حسم هذه الالتزامات لا تتجاوز نصف مليار دولار. ويقول تقرير صادر عن بنك عودة إن السيولة الخارجية لدى المصارف ارتفعت من 4.7 مليارات دولار في نهاية 2024 إلى 5.2 مليارات في أيار 2025، مشيراً إلى أنه عند إضافة النقد بالدولار في الخزائن بقيمة 700 مليون دولار، وإضافة محفظة الأوراق المالية الخارجية بقيمة 1.2 مليار دولار، تصل السيولة الإجمالية إلى 7.1 مليارات دولار، إلا أن السيولة الحرّة لا تتجاوز 500 مليون دولار بعد حسم الالتزامات الخارجية. كذلك، تشير البيانات إلى استمرار تآكل هذه السيولة الحرة بمعدل نصف مليار دولار سنوياً منذ عام 2021، ما يعني أن المصارف تستهلك جزءاً كبيراً من احتياطاتها لتغطية الخسائر والدفعات بالعملة الصعبة على التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان للسداد الجزئي للودائع.

ورغم أن المصارف لم تلتزم بتكوين مؤونات على كامل خسائرها في سندات اليوروبوندز وفي الديون المشكوك في تحصيلها (باستثناء توظيفاتها لدى مصرف لبنان التي تحتاج إلى حسبة من نوع آخر مرتبطة بصدور قانون توزيع الخسائر)، إلا أن الأموال الخاصة للمصارف سجّلت تراجعاً هائلاً من 20.6 مليار دولار قبل الأزمة إلى 4.1 مليارات دولار في أيار 2025. وهذا يعني أن المصارف لم تعترف بكامل خسائرها بعد، ولا سيما أن الناتج السلبي في رساميلها أكبر بكثير نتيجة عدم تطبيق معايير المحاسبة الدولية، إذ إنها لا تزال تعتمد سعرين لصرف الدولار في الميزانية الواحدة أحدهما هو السعر المُقرّ رسمياً من مصرف لبنان بقيمة 89500 ليرة لكل دولار، والثاني هو 15 ألف ليرة لكل دولار.

الأول ينطبق على الدولارات الفريش، والثاني ينطبق على الدولارات المحجوزة المُسماة لولار. وعند سحب أيّ من الدولارات المحجوزة تسجّل المصارف في ميزانيتها ربحاً بقيمة الفرق بين السعرين، كما أن لديها مراكمات هائلة غير مغطّاة برساميلها من السحوبات بالدولار للزبائن رغم أنه لم تكن لديها دولارات.

وكانت محفظة الودائع لدى المصارف شهدت انخفاضاً صافياً بقيمة 100 مليون دولار في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024. يأتي ذلك رغم ارتفاع الودائع «الفريش» بنحو 800 مليون دولار، ما يدلّ على استمرار تسديد «اللولار» بنحو 200 مليون دولار شهرياً. وقدّر بنك عودة، الودائع الإجمالية بالدولار بنحو 88 مليار دولار، منها 84 ملياراً عبارة عن «لولار» و4 مليارات فقط «فريش».

في المقابل، ارتفعت الودائع بالليرة اللبنانية بـ5.8 تريليون ليرة، مدفوعة بعمليات طبع نقدي من قبل مصرف لبنان وتحويلات من الدولار إلى الليرة، بحسب بنك عودة. أما محفظة القروض فقد بقيت مستقرّة عند حدود 5.5 مليارات دولار، إذ إن بعض المصارف عاودت منح قروض جديدة بالدولار «الفريش»، مقابل استمرار تسوية قروض «اللولار». إلا أن رقم 5.5 مليارات دولار، لا يعني أن هذه القروض كلها ستُسدّد، بل إن جزءاً ليس صغيراً منها غير قابل للسداد، بمعنى أنها قروض سيئة، وهو ما يزيد من خسائر المصارف الحقيقية.

يظهر واقع النشاط المصرفي في لبنان هشاشة الهيكل المالي للمصارف، رغم محاولات التجميل في بعض الأرقام التي تظهر بعض التفاؤل، في حين أنها مؤشّرات سطحية لا تظهر الوضع الحقيقي. فالسيولة الحقيقية محدودة، ورؤوس الأموال مُستنزفة، والإصلاحات الجوهرية لا تزال غائبة، ما يجعل من إعادة هيكلة القطاع أمراً ملحّاً لا يحتمل التأجيل.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد