يشهد العالم الثقافي والفني تحركًا لافتًا مع إعلان مجموعة من أبرز نجوم السينما دعمهم لسلسلة من الحوارات المستلهمة من فيلم «فلسطين 36» للمخرجة الفلسطينية أنماريا جاسر. من بين هؤلاء النجوم مارك روفالو ودييغو لونا وسوزان ساراندون وميز أحمد وآفا دوفيرني وميرا ناير وجولي دلبي ورامي يوسف.
يأتي هذا الدعم في لحظة يزداد فيها الوعي العالمي تجاه الرواية الفلسطينية وضرورة استعادة فصولها المنسيّة، خصوصًا تلك التي طُمست طويلًا بفعل الاستعمار.
تحمل السلسلة عنوان «نحكي فلسطين 36»، وهي مبادرة مشتركة بين شركة «فيلستين فيلمز»، وشركة جاسر بإدارة المنتج أسامة بواردي، إضافة إلى موزّعي الفيلم في الولايات المتحدة.
تستند المبادرة إلى رغبة حقيقية في تحويل الفيلم من مجرد عمل سينمائي إلى مساحة واسعة للحوار، تتيح للجمهور فهْم السياق التاريخي والسياسي والثقافي الذي وُلدت منه القصة.
الفيلم الروائي الطويل، وهو الترشيح الرسمي لفلسطين في الدورة الثامنة والتسعين لجوائز الأكاديمية الأمريكية للسينما، يعود إلى واحدة من أهم اللحظات في التاريخ الفلسطيني الحديث، وهي ثورة عام 1936 التي امتدت حتى عام 1939. تلك الثورة التي انطلقت احتجاجًا على الحكم الاستعماري البريطاني وسياساته الجائرة، شكّلت نقطة تحول في مسار النضال الوطني، رغم أنها ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن الضوء في الإنتاجات العالمية. وهنا تبرز أهمية الفيلم الذي يعيد الاعتبار لهذه المرحلة، مقدّمًا سردية فلسطينية خالصة تضع المواطن البسيط والمقاوم والقرية الفلسطينية في قلب الحكاية.
في تعليق للمنتج أسامة بواردي، أوضح أن السلسلة صُمِّمت لفتح المجال أمام نقاش أعمق وأكثر دقة حول فلسطين وتاريخها، وأن الفيلم ليس مجرد عمل فني، بل لحظة ثقافية ينبغي البناء عليها. وأكد أن هذه الحوارات تأتي لتوسيع هذه اللحظة وتحويلها إلى حوار مستمر، يربط بين الماضي والراهن، ويعيد تأكيد أن ما يحدث اليوم امتداد لمسار طويل من الصمود والمقاومة.
من المخطط أن تُعرض سلسلة «نحكي فلسطين 36» في مدن عدة وعبر المنصّات الرقمية، بما يضمن وصولها إلى جمهور عالمي متنوع، على أن تستمر بالتزامن مع عرض الفيلم في دور السينما حول العالم. وسيُعلن تباعًا عن الضيوف ومواعيد الفعاليات، لتظل المبادرة متجددة ومتسعة بما يناسب الزخم الذي تحققه.
تشمل السلسلة ندوات ولقاءات حيّة وظهورًا خاصًا للمخرجة أنماريا جاسر، إلى جانب فنانين معروفين بمواقفهم الداعمة لقضايا العدالة وحقوق الإنسان. كما ستتوقف كل حلقة عند جانب مختلف من الفيلم، بدءًا من شروط الإبداع تحت الضغط والتهديد، وصولًا إلى الدور العالمي للسينما في توثيق التجربة الفلسطينية كما تُعاش يوميًا، وبما يشمل جذور المقاومة ومعاني التمسّك بالأرض والهوية.
يشارك في بطولة الفيلم نخبة من الفنانين العرب والعالميين، من بينهم صالح بكري وهيام عباس وياسمين المصري وروبرت أرمايو وبيلي هاول، إضافة إلى أسماء فلسطينية شابة من الداخل والشتات، ما يمنح الفيلم عمقًا إنسانيًا يعكس تعددية المجتمع الفلسطيني وامتداده في العالم.
كان الفيلم قد عُرض عالميًا للمرة الأولى في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، ومنذ ذلك الوقت حصد سلسلة من الجوائز البارزة، من بينها الجائزة الكبرى في مهرجان طوكيو السينمائي، وجائزة الجمهور في مهرجان ساو باولو السينمائي ومهرجان الفيلم العربي في سان فرانسيسكو، إلى جانب جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان العالم الآسيوي للأفلام. ويُنظر إلى هذا النجاح بوصفه مؤشرًا على الاهتمام العالمي المتزايد بالسينما الفلسطينية، وقدرتها على تقديم رواية جامعة تجمع بين التاريخ والإنسان والهوية.
هكذا تتحول مبادرة «نحكي فلسطين 36» إلى منصة واسعة لتضع فلسطين في قلب المشهد الثقافي العالمي، وتعيد الاعتبار لذاكرة أُريد لها أن تُهمّش، لتعود اليوم بصوت أعلى وأكثر حضورًا في فضاء الفن والمعرفة.