أوراق إعلامية

صورة الطفل محمد المطوق في "نيويورك تايمز" تُفجّر حملة إسرائيلية ضدها

post-img

في لقطة تلخّص وحشية سياسة التجويع الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، ظهر الطفل محمد زكريا المطوق، ابن العام ونصف، بجسد هزيل تبرز عظامه تحت جلد رقيق وعينين غائرتين. هذه الصورة التي تصدّرت الصفحة الأولى لـ"نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، أحدثت ضجة عالمية، ثم تحوّلت إلى محور تهجّم إسرائيلي منظّم على الصحيفة الأميركية.

الصحافي البريطاني المعروف بدعمه للاحتلال، ديفيد كولير، انتقد "نيويورك تايمز" ووسائل إعلام غربية أخرى نشرت الصورة، متهماً إياها بعدم المهنية واستغلال حالة الطفل وتجاهل مشكلاته الصحية السابقة، وقال إن "حالة الطفل استغلت لإثارة مشاعر التضامن والصدمة، ولكن من دون التزام معايير التحقق الأساسية في الصحافة". وسبقته منظمة أونست ريبورتينغ الصهيونية التي شنت حملة تحريض، وطالبت "كل وسيلة إعلامية روجت لهذه الرواية الخاطئة بأن تحدّث تغطيتها لتعكس الحقيقة كاملة: محمد يعاني من حالة طبية. هو ليس مجرد ضحية مجاعة، والصورة قُدمت بطريقة مضللة وغير مكتملة". وانضمت إلى الحملة حسابات إسرائيلية رسمية وأخرى مؤيدة استخدمت الحادثة لترويج وسوم وانتقادات للصحافة الغربية، متهمة إياها بنشر "أخبار كاذبة" و"صور مفبركة" تستهدف صورة إسرائيل الدولية.

تحت وطأة هذه الحملة، عدّلت "نيويورك تايمز" تقريرها، لتضيف أن محمد المطوق "يعاني من حالة طبية تؤثر في مظهره"، مستندةً إلى ما قالت إنه "معلومات جديدة من المستشفى وسجلات طبية". لم تتراجع الصحيفة الأميركية عن مضمون التقرير، لكنها أرفقته بسياق بدا أشبه باعتذار غير معلن لإسرائيل، وتخفيف من وقع الصورة.

مع ذلك، تواصل الهجوم، واتهم رئيس حكومة الاحتلال السابق نفتالي بينيت الصحيفة بـ"الترويج لتشويه دموي"، زاعماً أن الطفل يعاني "حالة صحية سابقة"، وليست صورته دليلاً على المجاعة. ووصف التقرير بأنه "افتراء دموي عصري".

لكن الحقيقة، كما وثّقتها وكالة الأناضول وشهادات طبية مباشرة، تنسف هذا التلاعب. الطفل محمد كان يعاني من ارتخاء عضلي ومشكلات عصبية طفيفة بعد ولادته، لكنه استعاد قدرته على الوقوف والمشي بفضل برنامج تغذية وعلاج طبيعي منتظم. وبعد أن منعت إسرائيل دخول المكملات الغذائية إلى القطاع، انتكست حالته مجدداً، وفقد 3 كيلوغرامات من وزنه، وتحوّل جسده إلى هيكل عظمي. وقالت والدته إنه "انهار صحياً من جديد بسبب الجوع، وفقد القدرة على الحركة. أحاول إسكات جوعه بالماء فقط". وأضافت أن إغلاق إسرائيل للمعابر قطع آخر سبل النجاة، وأن التكايا الخيرية توقفت عن العمل، ولم يتبقَّ لهم سوى الانتظار على حافة الموت.

الإعلام البريطاني وإعادة تأطير مأساة غزة

اختصاصية التغذية العلاجية سوزان معروف، التي تابعت حالة الطفل، أكدت أنه يعاني من سوء تغذية حاد أدى إلى ضمور عضلي ومشكلات في الدماغ، وهي مضاعفات مباشرة لنقص الغذاء، خصوصاً المكملات التي كانت تمنع وفاته. وقالت: "في يناير/كانون الثاني، كان في حالة مستقرة مع حصوله على المكملات، لكن مع إغلاق المعابر، تدهورت حالته تدريجياً، حتى وصلت إلى مرحلة خطرة". هذا التشخيص الطبي المباشر ينقض الرواية الإسرائيلية التي استندت إلى تلاعب انتقائي بحالة صحية سابقة، لتبرير استمرار الحصار والتجويع الجماعي للأطفال.

تشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي إلى أن ربع سكان غزة يعيشون ظروفاً تشبه المجاعة، فيما أكدت وزارة الصحة وفاة 147 فلسطينياً، بينهم 88 طفلاً، بسبب الجوع وسوء التغذية حتى نهاية يوليو/تموز الحالي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد