اوراق مختارة

المتمّمات الغذائيّة بلا رقابة... والأعراض قد تكون قاتلة!

post-img

ندى عبد الرزاق (صحيفة الديار)

مما لا شك فيه، انه في ظل الانتشار المتزايد للمكملات الغذائية والمستحضرات الرياضية، يظهر السؤال الملح حول مدى أمان هذه المنتجات وفاعليتها الحقيقية. اذ تدعي الشركات المنتجة أحيانا أن مكملاتها قادرة على تحسين الصحة أو الأداء البدني، إلا أن الواقع العلمي يكشف فجوة واسعة بين هذه الادعاءات والمخاطر المحتملة، لا سيما عندما تكون المنتجات مجهولة المصدر أو مغشوشة.

ومن هذا المنطلق، تتجلى هذه المخاطر ليس فقط في التأثيرات الجسدية المباشرة، مثل اضطرابات الكبد والكلى أو ضعف المناعة، بل تمتد أيضا لتشمل أبعادا هرمونية وجنسية ونفسية، تصل إلى حد الخداع الذاتي الذي يعيق العلاج السليم، أو تنظيم التغذية الصحيحة.

لذلك، يستدعي هذا الوضع قراءة نقدية دقيقة، تربط بين المزاعم التسويقية والمخاطر الواقعية، مع تحليل أبعاد التأثير في الفرد والمجتمع، وإبراز الفجوة بين الرغبة في النتائج السريعة والممارسات الصحية الموثوقة.

اشكال غش "ما بقى تقطع"!

بناء على ما تقدم، نتناول هذا الملف نظرا لما ينطوي عليه من مخاطر صحية جسيمة، إذ تشير الحوادث الأخيرة إلى مدى الانتشار غير المنضبط للمتممات الغذائية المجهولة المصدر. فبعد توقيف السلطات الأمنية لشخص سوري الجنسية في شتورا، حيث قام بخلط الحليب مع الكاكاو والنشا، وبيعه عبر وسائل التواصل الاجتماعي على أنها متممات غذائية. وفي غضون أقل من 24 ساعة، قامت الجمارك بتفتيش مستودع في صيدا وضبط كميات من المتممات المهربة.

لذا، أصبح واضحا أن هذه المنتجات تمثل تهديدا حقيقيا للصحة العامة. من هنا، دفعتنا هذه الوقائع وغيرها إلى فتح هذا التحقيق، للكشف عن الآثار الجانبية المحتملة والمخاطر الكبيرة، التي قد تتراوح بين اضطرابات صحية مؤقتة ، وصولًا إلى إصابات جسيمة.

مهلكات مميتة!

يحذر الطبيب النسائي المتخصص في الزرع وطفل الأنابيب والعقم والتنظير، الدكتور خليل رمضان، "من المكملات الرياضية التي تحتوي على الستيرويدات البنائية"، واصفا إياها بأنها "منشطات هرمونية اصطناعية، تُستخدم لزيادة الكتلة العضلية وتحسين الأداء الجسدي، لكنها تحمل آثارا وخيمة على صحة المرأة. وتكبح هذه المنشطات وظيفة المبيض بشكل عام، وقد تؤدي إلى انقطاع الدورة الشهرية، أو حتى إلى ضمور المبيض في بعض الحالات، ما يسلط الضوء على مخاطر شائعة يغفلها الكثيرون عند البحث عن الأداء الرياضي الأمثل".

ويشير إلى أن "بعض الرياضيين يعتمدون على تركيبات غذائية غنية بالبروتين، مثل منتجات الـ High Protein أو الفورمولا المرتفعة بالبروتينات، الأمر الذي قد يخلّ بتوازن الهرمونات المعروف بـ "Hormonal Balance". ويؤكد أن هذه الممارسة، الشائعة بين وجبات الرياضيين، تكشف جانبا آخر من المخاطر الخفية للمكملات غير المضبوطة، حيث يمكن أن تؤثر في وظائف الجسم الحيوية بعيدا عن مراقبة طبية دقيقة".

ويقول لـ "الديار": "بعض ممارسي الرياضة يعتمدون على الكرياتين والبروتين على شكل بودرة"، موضحا أنه "حتى الآن لا توجد دراسات علمية ، تثبت تأثير هذين المكملين مباشرة على الإنجاب". ومع ذلك، يحذر من "احتمال تلوث هذه المكملات بهرمونات أخرى أو مواد ممنوعة، ما قد يؤذي بشكل غير مباشر القدرة الإنجابية، لا سيما إنتاج الحيوانات المنوية لدى الرجال".

امراض بالجملة والحيطة اهم خطوة!

بدورها، تؤكد اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ "الديار" أن "المتممات الغذائية المغشوشة أو مجهولة المصدر، لا سيما تلك التي تُسوَّق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتدخل إلى الأسواق من دون أي رقابة رسمية، مثل بعض المنتجات القادمة من تركيا أو غيرها، تشكّل خطرا حقيقيا على الصحة العامة، إذ قد تتسبب بأضرار جسيمة تظهر آثارها على المدى القصير، وتتفاقم تداعياتها على المدى الطويل".

عواقب كارثية

وتشير الى "ان الأضرار الصحية المحتملة لهذه المساحيق، لا تقتصر على جانب واحد، بل تمتد لتطال وظائف حيوية في الجسم. فالاستخدام العشوائي لمنتجات تحتوي على عناصر غير معلومة المصدر، قد يؤدي إلى حالات تسمم كبدي أو كلوي، فضلًا عن التسبب باضطرابات هضمية حادة. كما قد تُسهم هذه المنتجات في زيادة غير مبررة في الوزن أو احتباس السوائل داخل الجسم، إضافة إلى إضعاف الجهاز المناعي".

مخاوف صحية متشعبة!

وتضيف: "لا تقف التداعيات عند حدود الأذى الجسدي، لأن غياب الفعالية الفعلية لهذه المتممات يجعل الجسم عاجزا عن الاستفادة منها، ما يسفر عن هدر الوقت الثمين، ولا سيما في الحالات الصحية التي تتطلب علاجا مباشرا أو دعما غذائيا مدروسا".

وترجّح: "أن الاعتماد على هذه الاصناف قد يقود إلى خلل غذائي خطير، إذ يلجأ بعض الأشخاص إليها كبديل عن الغذاء السليم، ما يدفعهم إلى إهمال المصادر الغذائية الطبيعية، ويؤدي بالتالي إلى نقص في الفيتامينات والمعادن الأساسية". وحذرت من "احتمال حدوث ردود فعل تحسسية لدى بعض الأفراد، نتيجة احتواء هذه المستحضرات على نشا أو مكونات مضافة مجهولة المصدر. في المقابل، لا تقتصر خطورتها على الآثار الآنية، بل قد تمتد نتائجها إلى المستقبل البعيد، حيث يمكن أن تُلحق أضرارا بوظائف الهرمونات أو بالجهاز العصبي، في ظل غياب أي ضمانات علمية أو رقابية حول تركيبتها وتأثيراتها الفعلية".

تشوش وظيفي

وتتابع منبّهة من "أبعاد أقل تداولا ولكنها لا تقل خطورة، كالتبعات السلبية على الصعيد الجنسي، وتتمثل باضطرابات هرمونية واضحة، ولا سيما في حال احتوائها على منشطات مضافة أو هرمونات مغشوشة. وقد ينعكس هذا الخلل ضعفا جنسيا، أو يصل في بعض الحالات إلى العقم، نتيجة تأثير هذه المواد في إنتاج الهرمونات الذكرية أو الأنثوية".

وتلفت الى "ان آثار هذه المتممات تمتد الى ابعد من الجسد فحسب، لتطال الصحة العقلية والنفسية، إذ قد تتسبب بحالات توتر وقلق واكتئاب، إضافة إلى اختلال في النوم والمزاج". وتشير إلى ما تصفه بـ "الخداع النفسي والطبي"، حيث تمنح هذه المنتجات مستخدميها شعورا زائفا بالأمان أو بـ "الصحة الجيدة"، ما يدفعهم إلى الامتناع عن طلب العلاج المناسب، أو عن تنظيم نظامهم الغذائي على أسس علمية".

وتعتبر أن: "هذا الوهم يصيب خصوصا المرضى أو الرياضيين، الذين يعتقدون أنهم يحققون نتائج ملموسة، في حين أن الواقع الصحي قد يكون مغايرا تماما، الأمر الذي يؤخر التدخل الطبي الصحيح ويضاعف حجم المخاطر".

مشكلات شرسة

وتواصل قانصو دق ناقوس الخطر، مؤكدة أن "المخاطر قد تصل إلى حدود الإصابة بالأمراض السرطانية، إذ إن بعض المواد الملوّنة أو التي خضعت لمعالجة حرارية سيئة، ولا سيما في البودرات غير المرخّصة، قد تحتوي على عناصر مسرطِنة أو على معادن ثقيلة خطرة، مثل الزرنيخ والرصاص، ما يشكّل تهديدا مباشرا للصحة على المدى البعيد".

وتجزم أن "أي متمم غذائي غير مرخّص أو مغشوش يتم استهلاكه بشكل متكرر، يشكّل "قنبلة موقوتة" داخل الجسم، إذ قد لا تظهر أعراضه بشكل فوري، غير أن تأثيراته تتراكم بصمت مع مرور الوقت، ما يرفع خطر الإصابة بأمراض مناعية أو سرطانية، إضافة إلى العقم أو التلف المزمن في الكبد والكلى".

وتدعو في الختام الى "ضرورة توخّي الحذر، والتحقق من وجود ترخيص رسمي أو شهادة تحليل معتمدة قبل شراء أي متمم غذائي، وعدم اللجوء إلى هذه المنتجات إلا من مصادر موثوقة، كالصيدليات أو الشركات المعروفة والخاضعة للرقابة".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد