منذ عودته إلى سدّة الرئاسة في يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ دونالد ترامب وإدارته التدخل بشكل صريح ومباشر في المشهد الإعلامي في الولايات المتحدة، مع استغلال سلطته للضغط على معارضيه، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
كانت آخر مظاهر هذه التدخلات قد تجلت مع سماح الهيئة الناظمة للاتصالات في الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، بإتمام صفقة شراء شركة سكاي دانس لمجموعة باراماونت غلوبال، شريطة أن تغير محطة سي بي إس التابعة للأخيرة خطّها التحريري. وغاب عن بيان الهيئة الحديث عن حماية المنافسة وأنشطة المجموعتين، وركّزت على ضرورة أن تغيّر "سكاي دانس" من الوضع في "سي بي إس"، عبر اتخاذ قرارات "من شأنها أن تصحح الانحياز الذي قوّض ثقة (الجمهور) في وسائل الإعلام الوطنية".
انعكس ذلك سريعًا في إعلان "سي بي إس" عن إيقاف برنامج "ذا لايت شو" الذي يقدمه الكوميدي ستيفن كولبيرت المعروف بانتقاداته اللاذعة للرئيس الأميركي. ولم تتوقف مساعي إدارة ترامب عند وسائل الإعلام بل امتدت إلى شركات الإعلانات ومنصات التواصل الاجتماعي. ففي يونيو/ حزيران الماضي، وضعت لجنة التجارة الفيدرالية شرطًا غير معتاد للموافقة على اندماج شركتي أومنيكوم وأي بي جي، الرائدتين في مجال الإعلانات، وهو أن الشركة المندمجة لا يمكنها أن ترفض وضع إعلانات على المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية لأسباب سياسية.
لفتت الصحافية جوليا أنغوين، في مقال نشرته "نيويورك تايمز" أمس الأربعاء، إلى أن ذلك يمثل انحرافًا حادًا عن المسار العام للجنة التجارة الفيدرالية، التي تركز عادةً على حماية المستهلك وقضايا الاحتكار، كما رأت أن الهدف هو تقديم دعم غير مباشر لمنصة إكس المملوكة للملياردير إيلون ماسك.
ذكّرت أنغوين بتعليق عشرات الشركات الكبرى إعلاناتها على منصة إكس في العام 2023، بعدما كشفت منظمتا ميديا ماترز ومركز مكافحة الكراهية الرقمية أن منصة ماسك كانت تحقق أرباحًا من حسابات تنشر الكراهية والمعلومات المضللة، كما بيّنتا أن إعلانات علامات تجارية كبرى كانت تظهر بجانب محتوى مؤيد للأفكار النازية. وهو ما ردّت عليه "إكس" برفع دعاوى قضائية ضد المنظمتين، وكذلك ضد مجموعة تجارية إعلانية ومعلنين كبار بتهمة المقاطعة غير القانونية لأعمالها.
لاحقًا، في مايو/ أيار الماضي، دعمت لجنة التجارة الفيدرالية موقف المنصة المملوكة لإيلون ماسك، بعدما فتحت تحقيقًا مع 12 منظمة ومجموعة إعلانية، من بينها "ميديا ماترز"، لتحديد ما إذا كانوا متواطئين أو متورطين في مؤامرة لتشجيع المعلنين على مقاطعة "إكس" ومنصات أخرى.
لكن الكثير من الخبراء اعتبروا أن قرارات اللجنة تتعارض مع حق الشركات في اختيار أين ستضع إعلاناتها. كما لفت أستاذ القانون في جامعة فوردهام أوليفييه سيلفاين إلى أن شروط اللجنة للموافقة على اندماج "أومنيكوم" و"أي بي جي" "تتعارض بشكل صارخ مع الحق الدستوري للمعلنين في عدم ربط علاماتهم التجارية بمحتوى أو آراء يعرفون أن المستهلكين يجدونها مثيرة للاعتراض".
منذ العام 2015، سعى المحافظون في الولايات المتحدة إلى فرض قوانين تمنع الشركات التي تعتمد المقاطعة لأسباب سياسية من الحصول على عقود حكومية، كان ذلك في البداية لحماية المنتجات الإسرائيلية ثم امتد ليشمل شركات السلاح والنفط. لكنّها المرة الأولى التي "تستخدم فيها قوة وكالة فدرالية كاملة لإجبار المعلنين على دعم وسائل الإعلام المحافظة"، بحسب "نيويورك تايمز".
رأت أنغوين أن مساعي إدارة ترامب لفرض شروطها على صناعة الإعلانات، تهدف بالنهاية إلى السيطرة على وسائل الإعلام التي تعتمد بشكل رئيسي على عائدات الإعلانات، خاصةً على الإنترنت والمنصات الاجتماعية. وهو مسار بدء من خلال منح حيز واسع لوسائل الإعلام اليمينية في تغطية أخبار الرئيس، مقابل معاقبة وكالات مثل "أسوشييتد برس"، وقطع تمويل هيئة البث العام، ورفع دعاوى تشهير ضد محطات يرى ترامب أن تغطيتها مضلّلة.
كما حذّرت من أن الشركات قد تجد نفسها مضطرة لوضع إعلانات في منصات يمينية حتى تثبت أنها لا تقاطعها لأسباب سياسية. سيعني ذلك مزيدًا من عائدات الإعلانات لوسائل الإعلام المحافظة ولمنصة تروث سوشال المملوكة لترامب، مقابل إضعاف وسائل الإعلام المعارضة، بحسب أنغوين.