اوراق مختارة

"الثنائي" في الجولة الأولى: تماسُك في كلّ البيئات

post-img

حمزة الخنسا (الأخبار)

فازت لوائح "التنمية والوفاء" المدعومة من حزب الله وحركة أمل كاملة في جميع المناطق التي شاركت فيها ضمن الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرت الأحد في محافظة جبل لبنان. ورغم محدودية الثقل الديموغرافي للطائفة الشيعية في هذه المحافظة مقارنةً بمناطق الجنوب والبقاع، شكّل سلوك الناخبين الشيعة في جبل لبنان مؤشرًا لافتًا على صعيد التفاعل السياسي والتنظيمي الذي اتّسم بالانضباط، وعبّر عن خيارات واضحة في قضاء بعبدا، مقابل نهج توافقي أكثر هدوءًا في قضاء عاليه.

ويعتبر "الثنائي" أنه حقّق الهدف من خلال الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة جبل لبنان، وهو إرسال رسائل استقرار وتنظيم، مفادها أن الحالة الشيعية قادرة على الحفاظ على تماسكها في كلّ البيئات، حتّى في المناطق ذات الطابع المختلط أو المنافس. وإن الثنائي لم يهدف إلى التوسّع أو خوض معارك كبرى، بل إلى تحصين مواقعه وضبط الإيقاع في ظل واقع سياسي متحوّل على المستويين المحلي والوطني، خصوصًا في ظل العدوان "الإسرائيلي" المتواصل، والحملات الإعلامية والسياسية المكثّفة التي يتعرّض لها مع بيئته.

وعليه، شكّل الهدوء السمة الأبرز في تعاطي "الثنائي" مع الاستحقاق الانتخابي. فمثلًا، لم يشغّل حزب الله ماكيناته الانتخابية في بلدات الضاحية بأقصى طاقاتها كما درجت العادة في الاستحقاقات السابقة، ولم يُفعّل في الغبيري مثلًا خطة التعبئة والاستقطاب، ولا خطة النقل الخاصة بإحضار العائلات "الغبيرية" القاطنة في الجنوب والبقاع للمشاركة في الاقتراع، لأن "لا حاجة إلى تكبّد عناء الانتقال" وفق مصادر متابعة، إذ تصرَّف الحزب على قاعدة أن لا معركة في الغبيري. فاللائحة المضادة غير مكتملة ولا جدية، ولم تحظَ حتّى بدعم عائلات المرشحين فيها.

من هنا، أكّد حزب الله حضوره السياسي عبر فوز لوائح "التنمية والوفاء" في بلدات الضاحية الجنوبية وبعبدا والشوف، بالتزكية أو بأغلبية واضحة، بعيدًا عن نِسب المشاركة التي لا تعبّر بالضرورة عن تغيّر في الأمزجة أو التوجّهات السياسية، خصوصًا أن النتائج المسجّلة مع غياب المنافسة قريبة جدًا من نتائج آخر انتخابات جرت عام 2016، وكانت المنافسة فيها ضدّ لوائح قوية ومكتملة. في ما لا يتعلّق العزوف عن المشاركة في الاقتراع بأسباب سياسية أكثر من كونه اطمئنانًا مسبقًا للنتيجة بغياب التنافس.

في قضاء بعبدا، حيث تتركّز الكتلة الشيعية الأساسية ضمن بلدات الغبيري وحارة حريك وبرج البراجنة وجوارها، حافظ "الثنائي" على سيطرته شبه الكاملة على المجالس البلدية، سواء عبر التزكية (برج البراجنة) أو عبر لوائح مكتملة حسمت النتائج بفوارق ساحقة (الغبيري). ولم تُسجَّل معارك جدية في هذه المناطق، بل تمحورت الحملات حول الخدمات وإدارة الأزمات البلدية.

أما في البلدات المختلطة مثل الحدت والشياح وحارة حريك، فقد جرى تنسيق دقيق بين الثنائي والتيار الوطني الحر، ما أفضى إلى تحالفات محلية أتاحت توزيع المقاعد ضمن لوائح توافقية راعت التوازن الطائفي والسياسي. وفي أطراف بعبدا، حيث يوجد انتشار شيعي محدود، شارك الناخبون الشيعة بشكل نسبي في دعم لوائح قريبة من الثنائي، وفق حسابات محلية لا تمسّ بالتحالفات الكبرى. ومقارنة مع انتخابات 2016، لم تُسجّل في بعبدا تغييرات بنيوية تُذكر، بل حافظ الثنائي على حضوره السابق، مع التركيز على ضبط اللوائح الفرعية وتثبيت مواقع نفوذ في المجالس المختلطة، في سياق الحفاظ على بيئة حاضنة للنفوذ السياسي والخدماتي.

وفازت لوائح الثنائي في بلدات عين الغويبة وحجولا ورأس أسطا وبشتليده وفيدار ومشان وعلمات الصوانة ولاسا وأفقا والمغيري والحصون في جبيل وكسروان، إضافة إلى الفوز بالتزكية في مزرعة السياد والمعيصرة والحصين. كما فازت لوائح "التنمية والوفاء" في بلدات الجية وجون والوردانية في الشوف.
وفي قضاء عاليه، حيث الغلبة الديموغرافية للطائفة الدرزية، بقي الحضور الشيعي محدودًا، يتركّز في بعض القرى مثل شانيه وكفرمتى وكيفون وغيرها. هنا، لم يسعَ "الثنائي" إلى خوض معارك مستقلة، بل شارك عبر دعم اللوائح التي تضم حلفاء من القوى والعائلات المحلية النافذة.

عمومًا، ينظر حزب الله بارتياح إلى الجولة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية ويدرس نتائجها على مستوى الرسائل السياسية والشعبية، خصوصًا أنه يتوقّع أن تتكرّر هذه النتائج بشكل أكبر مع استكمال الاستحقاق البلدي في بقية المحافظات تباعًا. ويمكن اعتبار هذه الجولة بمثابة اختبار تمهيدي للانتخابات النيابية المقبلة، حيث تسعى القوى السياسية إلى تقييم أدائها وإستراتيجياتها. وقد أظهرت نتائج "جولة جبل لبنان" أن "الثنائي" لا يزال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية، ما يمنحه دفعة إيجابية نحو الاستحقاق النيابي المقبل، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الاستجابة للتحديات القائمة لضمان استمرار هذا التأثير الإيجابي.​

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد