اوراق مختارة

استفتاء على التراب… بلديات لجنوب منكوب

post-img

ليندا مشلب (لبنان الكبير)

في شهر البلديات الأنظار باتجاهين بيروت والجنوب. الأولى مجهولة المصير على مسافة أسبوعين لغياب التوافق واكتمال اللوائح،  والجنوب تجري الاستعدادات فيه على قدم وساق لترتيب صورة تقدم للقاصي والداني الذي يترقب النتيجة لجس نبض الناس، فالدلالات الإنمائية في منطقة منكوبة ومحتلة ومدمرة حالياً لا تعني شيئاً، أما السياسية بعد حرب قلبت المعادلات وجعلت البيئة الشيعية تحت المجهر، فهي بيت القصيد.

٢٩٤ بلدية ‏معني فيها الثنائي الشيعي من الناقورة إلى القصر في الهرمل، يقول مصدر رفيع في الثنائي، إنه استفتاء على التراب في الجنوب أو كما أسماها الرئيس نبيه بري معركة التراب، خصوصاً في المنطقة الحدودية في أقضية النبطية، صور، بنت جبيل ومرجعيون. ٢٥ بلدية من الناقورة، شمع، بني حيان، طير حرفا، رامية، عيتا الشعب، الخيام، العديسة، الطيبة، حولا، بني حيان، ميس الجبل، رب تلاتين، مركبا، بلاط، كفركلا ودبين… كلها قرى على التراب ومدمرة بصورة كاملة وبعضها ممسوح لا وجود لحائط فيه.

ويضيف المصدر: الاتفاق الموقع بين “حزب الله” وحركة “أمل” عام ٢٠١٦ في الانتخابات البلدية السابقة يتحدث عن ترشيحات تركز على اختيار الأنسب والأصلح من بين العائلات والذي يعطي وقته للبلدة أكثر، لكن الوضع آنذاك كان “أريح” بكثير، على الصعيد المادي والاقتصادي والاجتماعي والاستقرار الأمني، والبنى التحتية، وكل هذا غير متوافر الآن وعلى الرغم من ذلك هناك حماسة لدى أهل القرى، ولمسنا هذا الأمر في الاجتماعات بين اللجان الانتخابية والعائلات، الجنوبيون يريدون المشاركة لإيصال رسالة مفادها أن هذه الأرض أرضنا، ومتمسكون بها وهناك بعض الأهالي في القرى المدمرة كلياً، رفض نقل صناديق الاقتراع  إلى بلدات أخرى وأصرّ على التصويت في صناديق توضع فوق الدمار وعلى التراب، ووضع طاولات وكراسٍ  وستار عازل ولو في الهواء الطلق أو تحت خيمة.

ويكشف المصدر أن العمل يجري حالياً على تزكية مجالس بلدية في أكبر عدد من هذه القرى، لا خوفاً من نسب المشاركة أو النتائج إنما لعدم تعريض كوادر “حزب الله” إلى مخاطر أمنية واستهدافات بالمسيّرات من العدو، في حال أرادوا التصويت أو المشاركة إلى جانب الأهالي.

‏اما الخيارات فهي اما أن تحصل انتخابات لتوجيه رسالة أن الناس توجهت إلى بلداتها وليست خائفة وإما تزكية لإظهار التوافق، لكن هذا لا يعني أن هناك أجواء حماس مرتفعة لدى الجنوبيين. وعلم موقع “لبنان الكبير” أن هناك مرونة ملموسة يبديها حزب الله خصوصاً لجهة قراره بعدم تسمية أشخاص حزبيين متفرغين من الكوادر، لا للرئيس ولا للأعضاء حتى لا تحرم البلدية من أي مساعدة من المجتمع الدولي، بعكس العام ٢٠١٦، اذ  كان القرار أن يكونوا من المتفرغين، وكل بنود الاتفاق لا تزال سارية المفعول ولكن بصورة مخففة، ولم يعد هناك من تقاسم لمدة الترؤس، أي أن رئيس البلدية يبقى على مدى الولاية ٦ سنوات (في السابق ٣ سنوات لمرشح حركة أمل و٣ سنوات لمرشح حزب الله)، كذلك خفّف حزب الله من عامل  الفرض على العائلات، لأشخاص يختارهم بنفسه، وقد أعطاهم حالياً حرية الخيار.

المعاينات الميدانية تؤكد أن التعويل على تراجع شعبية حزب الله وجمهوره لا يصح، فالحماس لخيارات الثنائي قوية جداً وفي الصناديق ستصب الأصوات صبّة واحدة، والغبيري وحارة تحريك شكلتا مثالاً على هذا المشهد.  فالبيئة الأساسية والخلفية لم تتزحزح في خياراتها، على العكس التعبئة الموجودة والحماس سيتجليان في انتخابات الجنوب هذه.

ويتم البحث في الإجراءات المتاحة، والمسهلة، فهناك غرف جاهزة ستستحدثها الداخلية  بالتنسيق مع “اليونيفيل” والجيش اللبناني في القرى المدمرة تدميراً كلياً:

راميا ستنقل صناديقها إلى بيت ليف، أو تبنين أو كفرا.

كفركلا إلى النبطية بناء على طلب أهلها لأن معظمهم يسكن حالياً في المدينة.

محيبيب إلى ميس الجبل.

ويجري استنساب الاجراءات للقرى المتبقية في حال لم تفز بلدياتها بالتزكية.

اما عدد البلدات التي سجلت فيها لوائح تزكية فبلغ حتى تاريخ نشر هذا المقال  عشرين بلدية في الجنوب وجبل عامل، ولا يمكن إحصاء العدد النهائي إلا حتى تاريخ ١٣ الجاري موعد إقفال اللوائح والترشيحات، وهناك بلديات على أبواب التزكية ويتوقع أن يصل العدد إلى ٨٠، علماً أن من سلبيات التزكية، تراجع الحماسة ما يؤثر على انخفاض نسب المشاركة.

عدد المرشحين تراجع عن العام ٢٠١٦، وهذا يعكس قلة رغبة عند الأهالي، خصوصاً أن ظروف البلديات صعبة والإمكانات محدودة فلا أموال حتى في الصندوق المستقل، وإذا استمرّت سياسة التضييق فلن تكون الأموال متوافرة وستصاب البلديات بحال من الشلل. والخوف من قرار دولي يتخذ بوقف المشاريع الإنمائية التي تقوم بها “اليونيفيل”، ما سيزيد الأزمة استفحالاً.

ويؤكد مصدر حكومي لموقع "لبنان الكبير" أن موضوع الجنوب صعب جداً ومرتبط بعوامل سياسية وعسكرية معقدة. ولا شيء حالياً اسمه إعادة  الإعمار فلا بوادر له سوى قرض البنك الدولي لإعادة الإعمار ويشمل فقط تأهيل البنى التحتية والخدمات العامة ولن يدخل بالمباني الخاصة ولا المؤسسات الخاصة، وسيقتصر فقط على تصليح شبكات المياه والكهرباء والطرقات والمستشفيات التابعة للدولة في المناطق المتضررة، يعني “من الجمل اذنه”،  البنك الدولي قدر الأضرار بمليار دولار، قدم منها ٢٥٠ مليون دولار والـ ٧٥٠ مليون دولار المتبقية،  سيساعد في استقطاب تمويلها من مصادر أخرى (مؤسسات تمويل ودول مانحة…) تحت اشرافه، يعني غير مضمونة لأنها تخضع لشروط سياسية عالية، وهذا جل ما تمّ تأمينه من أصل ملياري دولار يحتاج اليها الجنوب.

فبماذا ينفع تأهيل البنى التحتية طالما البيوت والمؤسسات الخاصة مدمرة، والبلديات لن تستطيع فعل شيء، والبلديات الكبيرة خالية صناديقها، فكيف الصغيرة وفي منطقة منكوبة؟

ويؤكّد المصدر أن الحكومة حالياً عاجزة عن إعداد خطة إعادة الإعمار الشاملة، ولبنان لا يزال بعيداً كثيراً عنها، والجميع يعرف الأسباب. بعكس الـ٢٠٠٦ عندما أعدّت الحكومة الخطة خلال أسبوعين بعد وقف إطلاق النار. إذاً الانتخابات في الجنوب سياسية بامتياز.

فبالنسبة الى الثنائي والبيئة هي رسالة واستفتاء، وستشكل مفاجأة في رصد النسب، اما بالنسبة الى الخارج ومن يراهن على ضعف البيئة الحاضنة ونفوذ حزب الله، فهي مؤشر يحسب له للانتخابات النيابية المقبلة على المدى البعيد ولصياغة التسويات على المدى الأقرب.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد