اوراق مختارة

الـ«ميغا سنتر» كضرورة

post-img

جريدة الأخبار

في كل استحقاق انتخابي تتكرّر المشهدية عينها، إذ يغادر جزءٌ كبير من الناخبين مكان سكنهم، ويقطعون عشرات الكيلومترات للوصول إلى مكان قيدهم ليُمارسوا حقّهم في الاقتراع. إن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن الطابع السياسي يطغى على الطابع الديمقراطي في الانتخابات، ويكشف عن خلل قائم في النظام الانتخابي الذي لم يُواكب التغيّرات الديموغرافية التي جرت قديماً.

مع انقضاء المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية والاختيارية يوم الأحد، أظهرت الأجواء العامة من جديد، خصوصاً نسب الاقتراع التي بلغت 44.59%، ضرورة منح الناخب حق الاقتراع في مكان سكنه بدلاً من مكان قيده، وذلك لجملة من الأسباب التي تتمثّل ببعد مسافة مركز الاقتراع عن مكان السكن، والتكاليف المترتّبة لإجراء عملية الاقتراع كالمواصلات والطعام، إضافةً إلى عدم دراية نسبة كبيرة من القاطنين في المدن بأحوال قراهم لانقطاعهم عن زيارتها، أو لاهتمامهم بمشاكل المدينة وتبعاتها المتوجّبة عليهم على مستوى الرسوم والضرائب، كما تبرز معضلة أخرى تكمن في عدم استفادتهم من الخدمات التي تُقدّم في قراهم، كالخدمات الصحية والاجتماعية والإصلاحات والمبادرات. والأهم، أنهم يدفعون الضرائب في أماكن سكنهم لا قيدهم، غير أنهم لا يملكون حق اختيار ممثّليهم عن المنطقة التي يقيمون فيها.

وقد نصّت المادة 84 من قانون الانتخاب رقم 2017/44 على اعتماد البطاقة الإلكترونية الممغنطة في العملية الانتخابية، ولكنّ مجلس النواب اتّخذ في جلسته التشريعية في التاسع عشر من تشرين الأول عام 2021 قراراً بتعليق هذه المادة. وفي العاشر من آذار عام 2022 وافق مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، على مشروع قانون يرمي إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية بشكل يسمح باعتماد البطاقة الممغنطة وآلية مراكز الاقتراع الكبرى «ميغا سنتر» في الانتخابات النيابية المقبلة لعام 2026.

ما هو الـ«ميغا سنتر»؟

يقضي الـ«ميغا سنتر» بإنشاء مراكز اقتراع اللوائح والمرشحين وفق مكان القيد، ما يمكّن الناخب من الاقتراع لمكان قيده في مكان سكنه. ويوضح الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، في حديث مع «الأخبار»، أن العمل بالـ«ميغا سنتر» يتمّ من خلال أمرين: «إما إطلاق بطاقة إلكترونية ممغنطة، يجري الانتخاب عبر تمريرها على السكانر. أو تسجيل الناخب مسبقاً لطلب الانتخاب في الـ«ميغا سنتر»، فيتمّ بهذا شطبه من مكان قيده منعاً من الانتخاب مرتين في المكانين»، مشيراً إلى أن «العائق أمام إطلاق البطاقة الإلكترونية الممغنطة هو الكلفة المالية الكبيرة». ويعتبر شمس الدين أن الـ«ميغا سنتر يرفع من نسبة الاقتراع ويبعد الناخب عن الضغوط ويوفّر عليه التكاليف».

من جهته يشير وزير الداخلية والبلديات الأسبق زياد بارود لـ«الأخبار» إلى أن «تطبيق الـ«ميغا سنتر» يوفّر على الدولة نفقات إنشاء مراكز وأقلام اقتراع كثيرة، كما يحدّ من عديد رؤساء المراكز والأقلام والقوى الأمنية المولجة بتأمين الحماية للمراكز، إضافةً إلى أمور لوجستية كنقل صناديق الاقتراع وتوفير الأوراق والأختام والمغلّفات وسواها»، مضيفاً: «الانتخابات النيابية القادمة في عام 2026 قد تشهد تطبيقاً للـ"ميغا سنتر" نظراً إلى وجود هامش وقت مريح».

إلى ذلك يلفت بارود إلى «مساهمة الميغا سنتر في الكفّ عن دفع الرشوة غير المباشرة من قبل المرشحين واللوائح من خلال تأمين المواصلات ووجبات الطعام»، ويؤكد أن البطاقة الإلكترونية الممغنطة التي أُقرّ اعتمادها في المادة 84 من قانون الانتخابات هي «وسيلة من وسائل الميغا سنتر، ويمكن الاستعاضة عنها بوسائل أخرى أكثر فاعلية، كالباركود المُستخدم سابقاً خلال جائحة كورونا، نظراً إلى التطورات التكنولوجية العديدة التي حدثت خلال الأعوام الأخيرة».

صحيحٌ أن العمل بالـ«ميغا سنتر» يريح الناخب من «مشوار الانتخابات» وأعبائه، إلا أنه لا يعطيه حق الاقتراع لمكان سكنه، لهذا يتحدّث بارود عن «أهمية إقرار قانون اللامركزية الذي يتيح للناخب اختيار التصويت في البلدة التي تثبت إقامته فيها 6 سنوات متواصلة، ويسدّد فيها الضرائب».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد