اوراق مختارة

هدية الوزير لأصحاب العمل في عيد العمال: 28 مليون ليرة حدّاً أدنى للأجور مذلّ

post-img

محمد قاسم (جريدة الأخبار) 

جشع أصحاب العمل وخضوع وزارة العمل وانسحاب ممثّلي العمّال، كل ذلك زاد عمال بلادي فقراً وحاجة، وكشفهم اقتصادياً واجتماعياً وغذائياً وصحياً وخدماتياً.

فمن المعيب على المشاركين في اجتماع لجنة المؤشر الذي عُقد الأسبوع الماضي برئاسة وزير العمل، وأفضى إلى حصر زيادة الأجور بالحدّ الأدنى ورفعه إلى 28 مليون ليرة فقط وتكريس بدعة وقف العمل بالزيادة على الشطور، ما يخالف مهام لجنة المؤشر وكلّ قوانين ومراسيم تصحيح الأجور السابقة.

فمن مهام هذه اللجنة، بحسب المادة الثانية من المرسوم الذي أنشأها في عام 1981، درس تطوّر الأسعار وأسباب ارتفاعها، رصد قضية الغلاء وإعداد مؤشّر دوري لتقلبات الأسعار، درس الأرقام القياسية لغلاء المعيشة في إدارة الإحصاء المركزي، ودرس سياسة الأجور وتقديم الاقتراحات والتوصيات الآيلة إلى مكافحة الغلاء والحدّ من ارتفاع الأسعار.

وقد جاءت مقررات لجنة المؤشّر، كما أعلنها وزير العمل، بعد تنازلات كبرى قدّمها رئيس الاتحاد العمالي العام بالموافقة على خفض نسب الغلاء والتضخّم، والتراجع عن مطلب رفع الحدّ الأدنى من ألف دولار إلى 312 دولاراً. اللافت أنه في السنوات الخمس الماضية سُجّل تدهور مريع للقدرة الشرائية بعدما تضخّمت الأسعار أكثر من 60 ضعفاً، ما أدّى إلى ارتفاعات جنونية في الأسعار والسلع الأساسية والاستهلاكية وفي الخدمات العامة والخاصة.

أيضاً، أتت هذه المقررات في وقت تؤكد فيه كل الدراسات ومكاتب الأبحاث وإدارة الإحصاء المركزي، أن فاتورة المواد الغذائية الشهرية وحدها من دون باقي عناصر سلّة الاستهلاك للعامل وزوجته وولدين، تتجاوز 25 مليون ليرة شهرياً، أي 90% من الحدّ الأدنى للأجور المُقترح من لجنة المؤشر العتيدة.

هذا الأمر يثير سؤالاً: ألا يعلم معالي وزير العمل وأرباب العمل، أن السلّة الغذائية هي واحدٌ من ستة أبواب للإنفاق التي تُعتمد في احتساب سلة الاستهلاك والتي على أساسها يُحدّد الحدّ الأدنى للأجور؟

فإذا كانت فاتورة الغذاء وحدها تتجاوز 25 مليون ليرة ونسبة تثقيلها لا يتجاوز 35% (يفترض تعديل التثقيلات بعد الانهيار) من أساس الأجر، فأين إذاً أكلاف باقي أبواب الإنفاق الأخرى المتمثّلة بالإيجارات السكنية (التي ارتفعت أكلافها أضعافاً خلال العام الماضي)، والتعليم والأقساط المدرسية (التي باتت تُفرض بعشرات ملايين الليرات اللبنانية وألوف الدولارات الأميركية)، وأكلاف الطبابة والاستشفاء التي تُدفع بالدولار (بينما تتمّ تغطية فروقاتها على تسعيرة للدولار أدنى بأضعاف القيمة الفعلية لسعر الصرف)، وأكلاف المواد الاستهلاكية والمنزلية كالكهرباء والهاتف والاشتراكات والمياه (بفواتيرها المزدوجة: الرسمية بالليرة والاشتراكات بالدولار )، وأين أكلاف النقل والملابس والغاز المنزلي والبنزين والتدفئة وأعمال الصيانة المنزلية، من دون احتساب باقي أبواب الإنفاق التي تشملها سلّة الاستهلاك ونسب تثقيلها.

وماذا أيضاً عن الرسوم والضرائب التي تتضمنها الموازنة التي أقرّتها الحكومة بمرسوم مخالف للدستور، وهي تفرض بموادها على العمال والموظفين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين رسوماً وضرائب تراوِح بين 26 و60 ضعفاً وتصل أحياناً إلى 100 ضعف، وذلك على معظم الخدمات والمعاملات.

كيف يمكن لوزير العمل أن يتبنّى رقم 28 مليون ليرة كحدّ أدنى للأجور، وهو يعلم أن كلفة المعيشة لعائلة عامل أو أجير أو موظف أو متقاعد من أربعة أفراد تتجاوز 80 مليون ليرة شهرياً.

كما أنه كطبيب صاحب سمعة طيبة، ويعرف جيداً أن معاينة واحدة عند طبيب اختصاصي قد تتجاوز 10 ملايين ليرة، بينما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أو تعاونية موظفي الدولة، لا تغطي أكثر مما بين 10% و15% منها، وكذلك حال الدواء وغيرها من باقي الخدمات؟

إزاء هذا الاستهتار المتعمّد، وأمام حجم الكارثة بإقرار هذا الرقم المذلّ للعمال وللاتحاد العمالي العام، ورغم تنازلات كبرى قدّمها رئيس هذا الاتحاد، بمعنى أن انسحابه من جلسة لجنة المؤشر ليس كافياً لمواجهة سياسة إفقار وتجويع وقهر لعمال لبنان ومستخدميه، لم يعد الموقف الاعتراضي قادراً على إسقاط هذا الاقتراح المذلّ قبل إدراجه على جدول أعمال مجلس الوزراء.

لذلك، ولمنع تمرير مشروع كهذا لا بدّ للاتحاد العمالي العام من دعوة طارئة وفورية لقيادته وللاتحادات المنضوية تحت قيادته، ودعوة الهيئات النقابية ذات المصلحة المشتركة لتدارس الموضوع وإعلان موقف وتحرّك فوري لإسقاط هذا المشروع، ومنع إقراره في مجلس الوزراء.

يجب أن يُدعى العمال والمُستخدمون على الأراضي اللبنانية إلى تنفيذ إضرابات عامة وشاملة، بالإضافة إلى اعتصامات وتظاهر متزامن مع انعقاد جلسات مجلس الوزراء، حتى تصويب الأرقام بما يحقّق الحدّ الأدنى للأجور الكفيل بتأمين أبسط مقوّمات الحياة الكريمة، بالإضافة إلى أمر أساسي يكمن في إعادة العمل بالزيادة على الشطور وفق مؤشّر الغلاء والتضخّم كي لا يتم تكريس تصحيح الأجور بزيادة الحد الأدنى فقط وحرمان العمال والمستخدمين القدامى من الحصول على زيادات على شطور رواتبهم. فالعمال والمُستخدمون ليسوا عبيداً عند أحد، بل هم أحرار منتجون، وبناة الوطن، وركيزة الاقتصاد، وعلى أرباب العمل والحكومة معاملتهم على هذا الأساس.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد