فؤاد بزي (جريدة الأخبار)
طرح وزير المال ياسين جابر، فكرة تتعلق بتمويل القطاع الخاص من خلال الاستفادة من مزيج بين الصناديق العربية وشركة كفالات.
فقد تبيّن أنّ لدى هذه الصناديق رغبة في تقديم قروض للقطاع الخاص، إلا أنه لا يمكن تقديمها للراغبين من خلال المصارف، لذا يعتقد جابر بأن الأمر ممكن من خلال تمويل من الصناديق ولعب شركة كفالات دور إدارة القروض.
عرض جابر الفكرة في لقاء حواري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي يوم الجمعة الماضي.
ورغم أن اللقاء كان مخصّصاً للحديث عن مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يظهر أي جديد في هذا الأمر، باستثناء ما تكرّر قوله في الأيام التي تلت مشاركة وفد موسّع من لبنان في اجتماعات الربيع التي يقيمها صندوق النقد والبنك الدوليان بشكل دوري، أي إن لبنان سمع كلاماً إيجابياً وإنه خطا نحو بدء التفاوض خطوة إضافية تمثّلت في إقرار قانون يلغي السرية المصرفية وفي إقرار مجلس الوزراء مشروع قانون لمعالجة أوضاع المصارف.
هكذا، ظهرت أهمية اللقاء في فكرة الإقراض للقطاع الخاص، كون المصارف مفلسة الآن وليست لديها قدرة على منح الشركات والمؤسسات قروضاً لتمويل مشاريع جديدة أو توسيع مشاريع قائمة، إذ إن فكرة كهذه، قد تؤدّي إلى ضخّ الدم، بشكل نسبي، في شرايين الاقتصاد رغم أنها تنطوي على مخاطر أيضاً.
فالشركات والمؤسسة الخاصة لديها عطش كبير للحصول على التمويل في ظل إفلاس المصارف، إلا أنه يجب ألّا تكون هذه الخطوة منعزلة عن الإطار المناسب الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان.
ففي السنوات التي سبقت الأزمة، كان مصرف لبنان يوجّه التمويل نحو قطاعات التجزئة التي لا تخلق قيمة مضافة في الاقتصاد ولا تؤدّي بأي شكل من الأشكال إلى زيادة التصدير الذي يؤمّن الدولارات للبلد، بل كانت بالعكس تستنزف الدولارات المتدفّقة إلى لبنان وتعيد تحويلها إلى الخارج لأنها تموّل سلعاً مستوردة. لذا، أهمية هذه الفكرة مرتبطة بالتوجيه والإطار.
إذاً، الصناديق مستعدّة لتأدية دور المموّل للقطاع الخاص، إنما لم تتضح الشروط والغايات التي تثار الفكرة على أساسها رغم أهمية الآلية المطروحة، أي الإقراض عبر شركة «كفالات».
فهذه الشركة كانت تعمل كوسيط بين المصارف والتمويل المدعوم من مصرف لبنان، لكنها الآن ستُستخدم لتكون وسيطاً بين مموّل عربي كان يركّز في عمله على إقراض الحكومات وتنفيذ المشاريع التي تحمل طابعاً سياسياً - تنموياً، بينما الآن ليس واضحاً ما إذا كانت لهذه الصناديق غايات في القطاع الخاص اللبناني. ويصبح السؤال هو في أيّ قطاعات وبأيّ أهداف؟
وبحسب ما فُهم من كلام جابر، ستلعب «كفالات» دور مستقبل الطلبات ودراستها وتقييمها، لكنها لن تقدّم إجابة حاسمة عليها، بل سترفع توصياتها إلى الصندوق الذي يملك الحسم في منح القرض أو حجبه.
هذه الطريقة بالتمويل يُحتمل أن تكون أفضل من الشكل المصرفي للإقراض. فالصندوق لا يبغي الربح مثل المصرف، بمعنى آخر، الفوائد على هذا النوع من القروض أقل، ومدّة تسديد القرض أطول. لكن من يحدّد شروط الإقراض والقطاعات المُستهدفة بالتمويل؟
الصناديق، على اختلافها، ليست جمعيات خيرية، بل تعمل لتأمين مصلحة الدول من أصحابها. فعلى سبيل المثال، ماذا لو كان أحد الصناديق يريد الاستفادة من إنتاج قطاع معيّن في لبنان، مثل إنتاج البطاطا، لتأمين هذه السلعة لبلده بشكل أرخص من السوق العالمية؟
نظرياً، هذا تشجيع للإنتاج المحلّي وضخّ للأموال في الدورة الاقتصادية مع ما تحمله من فرص تشغيلية لقطاعات مختلفة ستعمل إلى جانب القطاع المُستهدف بالتمويل.
لكن شرط ديمومة هذا النوع من التنمية وجود إطار اقتصادي واضح في لبنان، وإلّا ستصبح القطاعات المُستهدفة بالتمويل تحت رحمة الأسواق والحكومات الأجنبية.
وأيّ انقطاع في التمويل الأجنبي للقطاعات الإنتاجية المموّلة من قروض الصناديق سيؤدّي إلى ضربها، ووقوعها تحت وطأة ديون سيصعب سدادها في حال عدم تصريف هذا الإنتاج في السوق الأجنبية. لذا، من الأجدى وجود خطة حكومية واضحة، ومتفق عليها لتحقيق المصلحة العليا للقطاعات الإنتاجية في لبنان بالاستفادة من قروض الصناديق.
فالصناديق التمويلية تنفّذ أجندات سياسية تعكس أهداف الحكومة صاحبة الصندوق، على سبيل المثال «USAID»، أو وكالة التنمية الأميركية هي صندوق تمويلي ينفّذ سياسات الحكومة الأميركية.
وتهدف بمشاريعها إلى خدمة أهداف حكومية اقتصادية وأمنية واجتماعية. لذا، تقدّم هذه الصناديق قروضاً بشروط ميسّرة، مثل فترات سداد مرنة وأسعار فوائد منخفضة، وتعمل بنموذج يتيح الشراكة في الأرباح.
تستهدف الصناديق التمويلية غالباً الأفراد الذين يواجهون صعوبات في الحصول على التمويل من مصادر أخرى، فتكون إجراءات الحصول على القروض أسهل وأقل تعقيداً من مثيلاتها في المصارف. كما أن الصناديق قد تتحمّل مخاطر عليا، ما يمكّنها من دعم المشروعات ذات الأفكار الجديدة.
في المقابل، تميل المصارف التجارية إلى تحقيق الربح من خلال تقديم مجموعة واسعة من المنتجات المالية، بما في ذلك الإقراض للأفراد والشركات الكبيرة.
فتقوم المصارف بتقديم قروض بأسعار فائدة تستند إلى تقييم شامل لملاءة المقترض. وتتبنّى معايير صارمة للموافقة على الإقراض، ما يتطلّب مستندات وإجراءات تحقيق دقيقة.
وتركّز المصارف التجارية بشكل أساسي على تحقيق الأرباح وتوسيع قاعدة العملاء. على عكس الصناديق، لا تركّز المصارف عادةً على السياسات التنموية، بل تأخذ في اعتبارها تحقيق العوائد المالية.
من هي «كفالات»؟
هي شركة مساهمة لبنانية مالية ذات منفعة عامة. قبل الانهيار النقدي والمصرفي كانت تهدف إلى مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم «SMEs» في لبنان للحصول على تمويل مصرفي.
لا تقدّم «كفالات» قروضاً مباشرة، بل تمنح كفالتها للقروض الممنوحة من قبل المصارف العاملة في لبنان، استناداً إلى خطط العمل ودراسات الجدوى المُقدّمة من طالبي القروض.
وبحسب بيانها التأسيسي، تسعى الشركة إلى تشجيع المستثمرين على إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة في قطاعات متعدّدة، دعم التنمية المجتمعية، خلق فرص عمل وزيادة الناتج الوطني. كما تهدف إلى تعزيز الطبقة الوسطى وتحقيق الإنماء الاقتصادي المتوازن.
وكانت الشركة تمنح كفالتها لتنفيذ مشاريع جديدة أو زيادة إنتاجية المؤسسات. قبل الانهيار، كان يراوِح مبلغ القرض المكفول بين 8 ملايين و300 مليون ليرة لبنانية، وساهمت الحكومة في حينه بدعم الفوائد، ما سهّل الحصول على التمويل.