حسين كوراني/ خاص موقع أوراق
انتهت المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية، في محافظتي لبنان الشمالي وعكار، بنسبة اقتراع بلغت 43,29%، الشمال سجّل نسبة 37,25% وعكار سجّلت 49,33%. ما يعكس التحولات في المزاج الشعبي الذي كان من المفترض أن يكون حضوره في هذه الانتخابات بالنسبة إلى القوى السياسية محطة لمعرفة أحجامها، تمهيدًا للمعركة الأكبر في الاستحقاق النيابي القادم.
التيار يكّرس حضوره في عكار
نجح التيار الوطني الحر في البلدات المسيحية، في محافظة عكار، في تعزيز حضوره عبر تحالفات مع شخصيات سياسية وعائلية، مسجلًا فوزًا في بلدات مثل: رحبة، بينو، بزبينا، تلعباس الغربي، شدرا، منجز، الجديدة، الزواريب، كرم عصفور ــ بيت غطاس.. في المحصّلة أثبت التيار حضوره في البلدات المسيحية، ما دفع بالنائب جبران باسيل إلى زيارة بلدة رحبة يرافقه النائب أسعد درغام، وأكّد: "أننا دعمنا التوافق، في كل مكان، ونجحنا في أمكنة كثيرة منها القبيات، أما من رأوا أنهم أمام فرصة للانقضاض على التيار وإلغائه فلم يتسنّ لهم ذلك، ونحن موجودون في أكثر من 45 بلدية في عكار".
في بلدة القبيات، وهي كبرى البلدات المسيحية في عكار، حافظت القوى السياسية على التوافق، ما حال دون أي تغيير في نتائج الانتخابات؛ إذ فاز نجل رئيس البلدية السابق ميشال عبدو على رأس لائحة التوافق. أما في عندقت، البلدة المارونية في عكار، فقد فازت لائحة "كرمال عندقت" برئاسة طاني حنا بفارق كبير، بعد معركة شائعات وتراشق بين التياريين.
يرى الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أنه، بشكل عام، في المناطق المسيحية، سواء في عكار أم الأقضية المسيحية، فقد شهدت منافسة كبيرة بين "القوات اللبنانية" و"الكتائب" ومجد حرب نجل النائب السابق بطرس حرب وحركة "الاستقلال" من جهة، والتيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب القومي السوري الاجتماعي من جهة ثانية.
بشرّي تخيب آمال "الحكيم"
على الرغم من محاولة قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع تعزيز حضور حزبه في بلدة بشرّي، قبل الانتخابات البلدية في الشمال وعكار، من خلال زيارته وتواصله مع الناخبين، أظهرت نسب الاقتراع المتدنية (35% في المدينة و31.93% في القضاء) فشل "القوات" في تحويل الانتخابات إلى استفتاء على شعبيتها. وكانت زيارة رئيس حزب القوات إلى القضاء، والتي لم يقم بمثلها في الانتخابات النيابية، مؤشّرًا إلى خشية قواتية حقيقية من الخرق، كما كانت نسبة التصويت للقوات بين 60 و 65% في قضاء يُفترض أن يكون قواتيًا خالصًا، ما يسقط السردية القواتية بأن تأييد الحزب ساحق في كل لبنان، ما دامت نسبة التأييد في معقل جعجع لا تتعدى ثلثين مقابل ثلث لخصومها.
على أيّ حال، وعلى الرغم من كل التجييش القواتي؛ أكثر من 40% من أهالي مدينة بشرّي صوّتوا ضدها، حيث كادت المواجهة في المدينة أن تنتهي بخسارة مدوّية. إذ إن الفارق بين آخر الرابحين في لائحة القوات، مارلين كيروز (2920 صوتًا)، وأول الخاسرين في اللائحة المنافسة، يوسف طوق (2349 صوتًا)، بلغ 571 صوتًا، ما جعل فوز القوات هزيلًا جدًا، علمًا أن ستريدا جعجع ركّزت، في الأيام الماضية، على مقارعة خصومها بالتخوين والادّعاء بأنهم ينتمون إلى "محور الممانعة"، مع أن المرشحين فيها هم من الناشطين في القوات أو ممن كانوا يدورون في فلكها حتى الأمس القريب.
إذًا، مجرد تشكيل لائحة كاملة مضادة في بشرّي وإصرار أعضائها على مواصلة المنافسة حتى النهاية؛ على الرغم مما تعرض له بعضهم من ضغوط ناعمة وخشنة، هو في حد ذاته "جرس إنذار" تلقفه الحكيم سريعًا وانتقل الى مدينته للإشراف على العملية الانتخابية من جهة، وكسر بعض الجليد من جهة ثانية، وتوظيف هيبته؛ حيث يجب من جهة ثالثة، محاولًا بذلك تجنيب بيئته صدمة ثانية تشبه صدمة الانتخابات النيابية الأخيرة.. مكررًا ما حدث قبل ثلاث سنوات عندما خسر مقعدًا نيابيًا ثمينًا لمصلحة وليم طوق في خطوة فجائية.
فوز ساحق للمردة والتيار في زغرتا
أمّا قضاء زغرتا؛ فقد شهد معركة انتخابية حامية ركزت على الفوز برئاسة اتحاد البلديات، حيث تحالف التيار الوطني الحر وتيار المردة في مواجهة تحالف "القوات اللبنانية"، حركة الاستقلال برئاسة ميشال معوض والكتائب والنائب السابق جواد بولس. النائب معوّض، وهو المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، فشل في تشكيل لائحة انتخابية في مدينة زغرتا، فلجأ إلى دعم لائحة من المجتمع المدني، في محاولة للتغطية على خسارته في معقله. إذ حقق المردة وحلفاؤه فوزًا كاسحًا في الانتخابات البلدية في بلدة زغرتا، بنتيجة 21-0، كما تفوّق تحالفه مع التيار الوطني الحر على خصومه في معظم بلدات القضاء، باستثناء بلدة بسلوقيت التي فاز فيها تحالف حركة الاستقلال. وبذلك ضمن المردة السيطرة على 15 بلدية، ما يؤهله تلقائيًا لرئاسة اتحاد بلديات زغرتا.
في هذا السياق، يشدّد شمس الدين أنّ: "تيار المردة" أثبت حضوره الكبير في زغرتا، وأثبتت القوى المسيحية الأساسية أنها حاضرة في قراها. أما الخبير الانتخابي كمال فغالي يشير إلى التفوق البارز الذي سجّله تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية؛ حيث ربح المدينة وسيربح الاتحاد.
الكورة
في قضاء الكورة، والذي كان يعد منطقة آمنة لـ "القوات"، واجه الحزب تحديات كبيرة على الرغم من تحالفاته الاستراتيجية مع النائب السابق سليم سعادة والمردة في بعض القرى. لكن العقبة الأكبر كانت تحالف التيار الوطني الحر والحزب القومي والحزب الشيوعي والنائب أديب عبد المسيح الذي شكل تهديدًا حقيقيًا لـ "القوات"، على الرغم من محاولاتها لاختراق هذه التحالفات، خصوصًا في بلدة بزيزا، حيث أسهم الدعم المردي للائحة القوات في قلب المعادلة وخسارة القومي.
الانتخابات شهدت تنافسًا حادًا، في القرى المختلطة سنيًا ومارونيًا مثل دده والنخلة واجدعبرين، حيث لعبت "القوات" على الانقسامات العائلية والفئوية. وفي كفريا، جرى تجاوز الانقسام التاريخي بين عائلتي الشلق والسمروت، بتشكيل تحالفات عائلية بدعم من الحزب القومي والتيار الوطني الحر. في دار بعشتار(أكبر بلدة مارونية)، خسرت "القوات" أمام تحالف القومي والتيار والمستقلين وعبد المسيح. في أميون وكفرحزير، تحالفت "القوات" مع سليم سعادة ضد القومي والتيار والشيوعي وعبد المسيح، ما أدى إلى معركة حامية رجّحت فرضية خرق اللوائح لبعضها.
البترون
في البترون، نجح جبران باسيل في إقصاء خصومه، على الرغم من التحالف الثلاثي ضد لائحته، حيث فضّل إعداد لائحة توافقية تضم "القوات" و"الكتائب"، وسط قبول ضمني من الخصوم. فاز مرسيلينو الحرك في النهاية، بعدما قام بالتحضير للاحتفال بفوزه. وفي تنورين، فازت اللائحة المدعومة من التحالف الثلاثي، بينما في شبطين شهدت معركة شديدة بين لائحتين، وفازت اللائحة المدعومة من نجل جورج سعادة.
في عبرين، خاض التيار والمردة معركة قوية ضد التحالف الثلاثي، وكانت الأرجحية لمصلحتهما بعد فرز جزء من الأصوات. في بقسميا، فاز التحالف الثلاثي ضد تركيبة عائلية مدعومة من الكتائب والتيار والشيوعي. في بلدة اده، على الرغم من مواجهات القوات والكتائب ضد لائحة نجم خطار المدعومة من التيار، فازت لائحة خطار بالكامل.
يتوقف فغالي عند القرى الشيعية، في الكورة والبترون، مشيرًا إلى أنّ هناك مؤشرًا سياسيًا أقوى من جبل لبنان، نظرًا إلى الإجماع الذي شهدته اللوائح، الأمر الذي يجعلنا نكرّر ما نقوله دائمًا بأن لوائح "التنمية والوفاء" لن تواجه أي لائحة معادية للمقاومة في أي مكان تترشح فيه.
في المحصلة، أثبت نتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في المناطق المسيحية في عكار والشمال، أن التيار الوطني الحر وتيار المردة والحزب القومي ما يزالون يتمتعون بالحضور والشعبية السابقة ذاتها، بل استطاعوا أن ينسجوا تحالفات مع العائلات أكسبتهم العديد من البلديات. في المقابل؛ بيّنت هذه الانتخابات تراجع نفوذ "القوات" في بعض البلدات، وخاصة في عقر دارها بشري.