فؤاد بزي (جريدة الأخبار)
أثار الاجتماع الأخير للجنة المؤشر في وزارة العمل بلبلة كبيرة في الأوساط العمّالية، بعدما خلص إلى زيادة هزيلة على الحدّ الأدنى للأجور قيمتها 10 ملايين ليرة، وأسقط بند إعطاء العمال بدل غلاء المعيشة تماماً، ما يضيّق الشريحة المستفيدة من تعديل قيمة الحدّ الأدنى ويخرّب الهرمية التراتبية في رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص.
ففي حال موافقة الحكومة على توصية لجنة المؤشر، سيصبح الحدّ الأدنى للأجور 28 مليون ليرة شهرياً، أي 312 دولاراً، ولن يحصل العمال على أي فلس إضافي، رغم أن الأسعار زادت بالدولار في السنة الماضية وحدها بنسبة 45%، أي إن سعر السلعة أو الخدمة الذي كان يبلغ دولاراً واحداً، أصبح يحتاج إلى 1.45 دولاراً لشرائها.
وما إن انتهى اجتماع لجنة المؤشر الأسبوع الماضي، حتى بدأت ردود الفعل تصدر عن النقابات العمّالية، ولا سيما غير الممثّلة في لجنة المؤشر. حتى الأحزاب الممثّلة في مكوّنات اللجنة، مثل حزب الله وحركة أمل، رفضت في بيانات منفصلة مقرّرات اللجنة.
فمن جهتها، قالت وحدة النقابات والعمال المركزية في حزب الله، إن نتائج اجتماع لجنة المؤشر تعدّ «تثبيتاً للعدوان المستمر على حقوق العمال في لبنان». وهاجمت الوحدة، بشدّة، أصحاب العمل، معتبرة أن «قلّة منهم هم أعداء لحقوق العامل والمستهلك»، مطالبة الحكومة بـ«الاقتناع بأنّ المرحلة هي مرحلة إنصاف العمال سواء بالحدّ الأدنى، أو بغلاء المعيشة».
ولفتت إلى ضرورة الاعتماد على أرقام الإحصاء المركزي لتحديد نسب الغلاء. ولكنها لم تكتفِ بذلك، بل ألمحت إلى دور ما لوزير العمل وللحكومة مجتمعة، في الاعتداء المتواصل على حقوق العمال، عبر الإشارة إلى أن «أصحاب العمل والحكومة عليهم أن يقتنعوا أنّ المرحلة اليوم هي مرحلة إنصاف العمال». وأضافت: «نقول لأصحاب العمل وللحكومة مجتمعة: لا تمعنوا في إغضاب قوة العمل النادرة والعاملة والمؤتمنة».
أما حركة أمل، فحمّلت الحكومة والهيئات الاقتصادية المسؤولية الكاملة عن الإخفاق الذريع في معالجة الأزمة المعيشية، بحسب بيان صادر عن المكتب العمالي المركزي في الحركة.
وعبّرت عن استياء شديد من نتائج لجنة المؤشر. وحذرت من تحرّكات احتجاجية واسعة النطاق، يصعب السيطرة عليها في ظل الوضع الراهن. ويأتي بيان أمل رغم أنه من المعروف أن رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر محسوب على هذا المكتب العمالي للحركة ويحصل على توجهياته في التعامل مع حقوق العمال من هناك.
وفي الاجتماع الأخير للجنة المؤشر، تكتّل أرباب العمل، المعروف باسم «الهيئات الاقتصادية»، لهضم حقوق العمال. ورفضوا أيّ طرح لزيادة الحدّ الأدنى للأجور من دون المقايضة على إعفائهم من تسديد تعويضات نهاية الخدمة لمصلحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفقاً لوزير العمل محمد حيدر.
إذ، أصرّ أصحاب العمل على عدم تنفيذ أيّ زيادة ولو كانت ضئيلة على الحدّ الأدنى للأجور قبل الوصول إلى تسوية ترضيهم مع فرع نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي. كلام الوزير يعني أن المسألة باتت واضحة، فعلى العمال أن يخضعوا لما يسعى إليه أصحاب العمل لجهة شطب تسويات تعويضات نهاية الخدمة التي ستأكل مدخرات العمل على مدى العقود الماضية، وإلا لن يحصلوا على أي زيادة على شطور الأجر، حتى ولو كانت زيادة هزيلة. لكن هناك سؤال أساسي: هل سيحصل الضمان على مبالغ إضافية من الزيادة على الحدّ الأدنى للأجور، أم أنها زيادة هزيلة أيضاً، وهزيلة جداً؟
وفي المقابل، لم يقبل هؤلاء إعطاء العمال سوى زيادة قدرها 4 ملايين و475 ألف ليرة على الحدّ الأدنى المعمول به حالياً، وقدره 18 مليون ليرة، لتصبح قيمته 22 مليوناً و475 ألف ليرة، بحسب ما يقول حيدر.
بمعنى آخر، كان أصحاب العمل يريدون التهرّب من دفع مستحقات العمال للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإعطاءهم زيادة قدرها 50 دولاراً على الحدّ الأدنى فقط.
هنا، يؤكّد حيدر أنّه تمكّن من انتزاع زيادة أكبر للعمال من دون تقديم أيّ ضمانات لأصحاب العمل، إذ رفع قيمة الحدّ الأدنى التي أُرسلت إلى مجلس الوزراء لإقرارها من 250 دولاراً شهرياً إلى 320 دولاراً، وستضاعف قيمة المنح المدرسية، والتي كان أصحاب العمل يرفضون النقاش فيها، 2.5 مرّة.
«لا يلبي هذا الرقم طموحي أو طموح العمال»، يؤكّد حيدر. ولكنّه «أفضل من لا شيء، وأفضل من إستراتيجية الاتحاد العمالي العام التفاوضية، والقائمة على إما نأخذ كلّ شيء أو لا نأخذ شيئاً».
لذا، يصف مقرّرات لجنة المؤشر بـ«مرحلة أولى من حل يتطلّب مراحل عدّة، وسيتابع النقاش بين مختلف مكونات لجنة المؤشر خلال الأشهر المقبلة وصولاً إلى شهر كانون الأول للوصول إلى حدّ أدنى جديد للأجور، على أن تعقد لجنة المؤشر اجتماعاً كلّ شهرين».
في مقابل النقاشات التي تدور داخل لجنة المؤشر، رأى رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله، وغير الممثلين في اللجنة، أنّ «الوجهة هي المواجهة إن لم نصل لتعديل القوة الشرائية للعمال، فالحدّ الأدنى للأجور أقل من قيمة إيجار منزل، بالتالي سيلجأ الناس للشارع».
وأكّد «ضرورة توسعة لجنة المؤشر ليدخل إليها اتحاد النقابات وغيره من الاتحادات الممثلة للعمال، فضلاً عن القطاع العام الغائب تماماً عن لجنة المؤشر، إذ لا يمكن أن يختصر تمثيل العمال بالاتحاد العمالي العام فقط، فيما أرباب العمل ممثلون بكلّ الهيئات الممثلة للتجار والصناعيين وغيرهم». وهذا ما أكّده الاتحاد لوزير العمل.
أما ما جرى في لجنة المؤشر، فمرفوض تماماً، وفقاً لعبد الله، فهم يوسّعون أعمالهم كالفطر. بالتالي، الحدّ الأدنى للأجور يجب ألا يقلّ عن ألف دولار شهرياً، وتهديد أصحاب العمل بالإقفال في حال الاستجابة لطلبات العمال مرفوض.
بالنسبة إلى عبد الله، أصحاب العمل دولَروا كلّ شيء باستثناء الأجور. ولزيادة أرباحهم، يستغلون اليد العاملة غير اللبنانية من عمال سوريين وفلسطينيين وآسيويين. وبعض أرباب العمل يدفّعون العمال ثمن إجازات العمل.