أوراق إعلامية

اكتملت الوحدة الوطنية «يا مؤمنين»!

post-img

المنذر الدمني/ جريدة الأخبار

محمد دايخ وحسين قاووق يثيران غضب السلطة الدينية مجددًا. بعدما أصدر «المركز الكاثوليكي للإعلام» بيانًا يطالب فيه الجهات المختصة بإيقاف عرض مسلسل «مرحبا دولة 2» على lbci بدعوى «إساءته للدين المسيحي»، تلاه سريعًا اعتراض اسلامي.

إذ تقدّم ثلاثة محامين بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية ضد lbci بدعوى أنّ البرنامج «يمسّ بالدين ويثير الفتن» على خلفية أحد المشاهد، حيث يجسد طارق تميم دور شيخ في مسجد يحاول الصلاة مع المؤمنين. ويتناول المشهد بأسلوب كوميدي ساخر العلاقة النفعية للبعض مع الدين والايمان، والعلاقة بين المؤمن والسلطة الدينية (راجع الكادر).

دائمًا ما كان اسما الثنائي يتردّد في لبنان كفنانين يثيران القلق في المجتمع اللبناني، منذ بدايتهما بالفيديوهات القصيرة التي كانت تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ضمن شخصية «علي العلوية» التي تنتقد بشكل ساخر بيئة المقاومة ما بين الواقع المعيشي الصعب والإيمان المطلق بـ «القيادة الحكيمة». هذا التناقض هو الذي كان يولّد الضحك في شخصية العلوية.

مع أن دايخ وقاووق هما من سكان ضاحية بيروت الجنوبية، إلا أن انتقادهما للبيئة عرّضهما للكثير من النقد من البيئة نفسها، سواء بسبب تجاوز «الحدود» المسموحة للنقد أو بسبب التنميط الذي وقعا فيه أحيانًا.

لكن هل يبرر هذا فرض رقابة ذات أيديولوجيات سياسية أو دينية تمنع وتمسح الأعمال الفنية؟ أم أنّ مهمة التقييم يجب أن تكون للجمهور والنقد الصحافي؟

كوميديا مجانية أم خلق وعي؟

مع تكريس صورة دايخ وقاووق على الساحة اللبنانية كثائرين مستقلّين ينشران على مواقع التواصل، لا بد من طرح أسئلة عدة أبرزها: ما هو أثر هذه المادة؟

ما مدى علاقتها مع جمهورها؟ وماذا تطلب منه؟ ما هي طبيعة المادة الساخرة التي تُقدم؟ ما هو الأثر التي تُحدثه على الجمهور؟ هل يسهم هذا النمط الساخر في توجيه نقد كوميدي يهدف إلى خلق وعي، أم أنه عالق في نمطية كوميدية سياسية قد تقع في فخ التنفيس والشيطنة، خصوصًا ضمن واقع سياسي معقّد كالواقع السياسي في لبنان؟

لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب متابعة مشروع دايخ وقاووق الذي لم يتوقف عند هذه الفيديوهات القصيرة، بل توجّها إلى السينما والمسرح والتلفزيون، ودائمًا ما كانت أعمالهما تثير قلقًا أو ضجةً من نوع ما، وخصوصًا تلك التلفزيونية لأنها الأكثر انتشارًا على الصعيد الجماهيري.

شو الوضع؟

بدايةً مع مسلسل «شو الوضع» مع قناة «الجديد» الذي كان عبارة عن اسكتشات كوميدية ناقدة للوضع السياسي والاجتماعي في البلاد.

لكن مع بداية دخول مشروع دايخ وقاووق إلى القنوات التلفزيونية وارتباطهما بحركة الصناعة والإنتاج، انحازت المادة أكثر إلى السخرية والإضحاك المجاني ضمن تكريس أنماط أكثر من كونها تحمل بُعدًا ناقدًا وتعكس تناقضًا يولّد سؤالًا نحو الوعي أو التفكير في الثوابت.

هذا تجلى أيضًا مع مسلسل «تعا قلو بيزعل» مع lbci، إذ أثارت الحلقة الأولى ضجةً كبيرةً، خصوصًا عندما قدّما مادةً عما يُسمى «اللغة الشيعية». مع غرق العمل في نمطية البيئة، أصبح هدف هذا النقد مشوشًا وغير واضح في المادة المقدمة، خصوصًا مع القراءة السياسية للقنوات الراعية للمسلسل والأدوار السياسية التي تستغلّ السخرية من هذه البيئة تحديدًا.

مع تفاوت العمل على المادة الساخرة ما بين النمطية المستفزة والنقد الموضوعي، قدّم دايخ مسلسل «مرحبا دولة» الذي يعدّ التجربة الأنضج في مشروعه التلفزيوني، فسبّب له الكثير من الدعاوى والتحريض ضده كما ذكرنا في السابق.

«مرحبا دولة 2»: نقد سياسي واجتماعي

يقدّم مسلسل «مرحبا دولة» (تأليف وإخراج محمد دايخ) نقدًا سياسيًا واجتماعيًا للواقع المعيشي في لبنان عبر فصيلة درك في إحدى ضواحي بيروت. عبر هذه الفصيلة التي نرى من اللحظات الأولى أنها غير جديرة لتكون حامية للقانون، نرى أوجه المجتمع المختلفة.

يوجّه المسلسل نقدًا للفساد المؤسساتي والمجتمع البيروتي المتعالي، ولسياسات الـ NGO وأثرها في الحياة الاجتماعية والسياسية للشباب، ولمشكلة الكهرباء، والعنصرية والمعايير المزدوجة مع الغرب، ضمن قالب كوميدي اعتمد أسلوب «كسر الجدار الرابع» (أي وعي الممثلين للكاميرا).

هذا ما جعل العمل أقرب إلى النقد الموضوعي منه إلى فخ النمطية، فقد انتقد ضمن هذا القالب الكوميدي البريختي كل معايير المجتمع والسياسات المختلفة، ولم يركّز على قضايا على حساب قضايا أخرى.

إلا أنّ القضية الأساسية كانت الفساد في مؤسسة الدولة، وهذا ما أثار غضب وزارة الداخلية، فرفعت دعوى قضائية ضد القناة والمسلسل بحجة الإساءة لمؤسسات الدولة.

بعد الضجة التي أثارها المسلسل، عاد بموسمه الثاني (بطولة حسين قاووق ومحمد دايخ وطارق تميم وربيع الزهر وحسين دايخ وترف التقي) في بداية أيار (مايو)، لنعود إلى الفصيلة التي نُقلت هذه المرة إلى قرية في الشمال. تدور الأحداث بعد سقوط النظام السوري.

تدخل موضوع سقوط النظام في صلب أحداث المسلسل، لأنّ القرية كانت مُحتلة من قبل النظام السوري، فيصبح زي عناصر الفصيلة هو ذاته زيّ عناصر النظام السوري السابق، ضمن لعبة ذكية لصنّاع العمل ترمي إلى تفادي ارتداء زي عناصر الأمن العام اللبناني بعد القضية التي رُفعت ضدهم.

يعود المسلسل بالمقدار نفسه من النقد والسخرية. يبدأ بنقد لاذع للمعايير المزدوجة التي انتشرت بعد سقوط النظام السوري، ويدخل إلى القرية التي تعيش صراعًا خفيًا ما بين الإسلام والمسيحية، لنرى سلامًا واهمًا وكاذبًا بينهم يتجلّى في تفاصيل عدة. مع الحلقة الثانية، تدخل شخصية «المبشّر» الذي جاء إلى القرية بهدف تحقيق «الخلاص».

هنا نرى عمق الانقسام بالتساؤل عن هوية المستهدفين: المسيحية أم الإسلام؟ وعبر شخصية الشيخ والخوري، نرى التلاعب السياسي واستغلال الدين في تعزيز الانقسام واكتشاف وهم «الهوية اللبنانية» أمام انتماء الشعب الحقيقي إلى هويته الدينية، وهذا ما أثار غضب «المركز الكاثوليكي للإعلام» وبالتالي سؤالًا أساسيًا في هذا السياق: سؤال يتعلّق بحرية الإبداع وترك الحكم للمتلقّي بالترافق مع حركة نقد فني موضوعيّة مستقلّة تحلّل كل جوانب صناعة العمل الفني وعلاقته بجمهوره والتي يجب أن تدخل في عمق تحليل المادة الساخرة وأهدافها ضمن سياسات الإنتاج.

هذه الأخيرة قد تلعب دورًا مهمًا في توجيه العمل الفني بشكل غير مباشر نحو أهداف سياسية دون الأخرى، وإعادة التفكير في المادة الساخرة الفنية ما بين التسييس والتنفيس والنقد الواعي.

قليل من الفكاهة ينعش قلب الانسان!

أصدر «المركز الكاثوليكي للإعلام» قبل أيام بيانًا اتهم فيه مسلسل «مرحبا دولة 2» بـ«استباحة القيم الأخلاقية». وجاء في البيان: «إنّ «مرحبا دولة» بلغ مرحلة من السخرية والإسفاف والسخافة درجةً لم يعد بالإمكان السكوت عنها، لا سيما لجهة تعرّضه مباشرة أو مواربة للديانة المسيحية، ولشخص السيد المسيح، ولرجال الدين تحت ستار كوميدي، فيما هو لا يشبه الكوميديا بشيء».

تابع: «نطالب السلطات اللبنانية المختصة بالتدخل لدى القيّمين على هذا البرنامج، وتوجيه إنذار شديد اللهجة للتوقف عن بث مشاهد تمثيلية تتضمّن الكثير من الذم والتحقير، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركة المنتجة».

بعد بيان «المركز الكاثوليكي للإعلام»، تقدَّم ثلاثة محامين، وهم محمد جعفيل، باسم حمد، وخليل قباني، بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية ضد قناة lbci، ممثَّلةً بالمدير العام، والممثل طارق تميم بتهمة «المساس بالدين وإثارة الفتن». ورأى المدّعون أنّ أحد مشاهد البرنامج حوّل المسجد إلى «مسرح فكاهي، وسخّف دور العبادة»، كما «حوّل الشيخ إلى مهرّج، وشوّه صورة رجل الدين وإمام المسجد».

من جهته، اكتفى محمد دايخ بتعليق على حسابه على انستغرام قائلًا: «تعادلوا الاسلام والمسيحية... ناطرين الفينال. المتعصّبين من الجهتين حرّكن مسلسل كوميدي وما حرّكتن اسرائيل».

ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها مسلسل «مرحبا دولة» للمضايقات. مع بداية عرض الموسم الأول العام الماضي، قدمت وزارة الداخلية اللبنانية، ممثلة برئيسة «هيئة القضايا» في وزارة العدل، دعوى ضد المسلسل طالبت فيها بوقف عرضه.

كما قالت الوزارة آنذاك إن: «البرنامج يستبيح الحرم الأخلاقية والمناقبية، نتيجة الإساءة التي يقوم بها تجاه الدولة ومؤسساتها». لاحقًا، فراس حاطوم، منتج العمل، أمام «فرع المعلومات» على إثر دعوى ثانية مقدّمة ضد المسلسل.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد