اوراق مختارة

المؤقّت والعشوائي أساس كل العهود: «نكتة» الربط الكهربائي مع قبرص

post-img

محمد وهبة (جريدة الأخبار)

ورد أمس في الوكالة الوطنية للإعلام خبر مفاده أن وزير الطاقة والمياه جو الصدّي التقى سفيرة قبرص ماريا حجي تيودوسيو، في إطار متابعته لمفاعيل زيارة رئيس الجمهورية جوزف عون إلى قبرص واقتراحها مدّ كابل بحري لتزويد ‎لبنان بالكهرباء.

هذا الخبر يأتي بعد أكثر من ستة أشهر على تأليف الحكومة التي لم تناقش أيّ أمر يتعلق بالاقتصاد والتنمية، ومن أبرزها الكهرباء. رغم ذلك، تتصدّر المشهدَ أخبارٌ كهذه وتصبح في مرتبة «الأولويات» التي تكاد تكون على شفير «الإنجاز». يكاد هذا الخبر يكون «نكتة» سمجة لا لزوم لها عند أيّ نقاش في «مأساة» الكهرباء.

يدور وزير الطاقة جو الصدّي في دوائر غير واضحة المعالم. زار العراق مع وزير المال ياسين جابر بعدما اتفقا على «وضع حدّ للاستدانة» التي تمنع لبنان من شراء الفيول من العراق.

ثم زار في حزيران الماضي أبو ظبي، والكويت، وفي أيار زار قطر... خلاصة هذه الزيارات كانت وعوداً «كاذبة» من أبو ظبي لمنح لبنان معملاً لإنتاج الكهرباء فائضاً عن حاجتها، وفشلاً في استقطاب الاستثمارات في مجال الإنتاج الكهربائي أو محطات التغويز. النجاح الوحيد حصل في مجال «تسوّل» بعض كميات الفيول المجاني من قطر.

وفي هذا الوقت بدأ الصدّي يشنّ، بالتنسيق مع وزير المال ياسين جابر، هجوماً على اتفاق الفيول بين لبنان والعراق، باعتبار أنه رتّب ديناً على لبنان. والآن، يلتقط الصور إلى جانب السفيرة القبرصية في لبنان في إطار متابعة مشروع «كابل بحري لتزويد لبنان بالكهرباء».

بدا للحظة، أن الصدّي لديه خطّة لإنتاج الكهرباء مجاناً، وأنه يعمل على مشاريع ضخمة مع دول الخليج، وصولاً إلى ربط لبنان بأوروبا عبر قبرص، ولا سيما أنه قال في مقابلة تلفزيونية إنه يعمل على «وضع القطاع على السكّة». لكنّ الوقائع، تظهر أن هناك فجوة هائلة بين التنظير والتنفيذ، وهي «سوسة» أصابت قوى السلطة منذ عقود، وهي تجعل من السهل الخلط بين الوضع الآنيّ، والتخطيط للمستقبل؛

يجب الإقرار أولاً، بأن زيادة القدرة الإنتاجية أو شراء الكهرباء أو زيادة إنتاج المعامل، سواء بشكل مباشر أو عبر قروض أو حتى بواسطة الشراكة مع القطاع الخاص التي يُروّج بأنها مجانية، لها كلفة مباشرة أو مؤجّلة مقابل المردود.

وبالتالي، بناء المعامل بتمويل من الدولة أو بقرض أو بالشراكة مع القطاع الخاص، أو شراء الفيول من العراق، أو من قطر أو من أبو ظبي، أو أيّ خيارات أخرى، هي مدفوعة الثمن.

فعلى سبيل المثال، إن تشغيل المعامل بطاقة قصوى يحتاج إلى كميات فيول إضافية لإنتاج المزيد من الكهرباء التي تنتج مردوداً من البيع يحتاج إلى دورة مالية قد تمتدّ لنحو أربعة أشهر.

لذا، إن وقف العقد العراقي الذي يمنح لبنان فترة سماح بالسداد تصل إلى سنة كاملة، يثير الكثير من التساؤل. وبدلاً من الحديث عن أن العقد يرتّب ديناً على لبنان مع تسهيلات بالدفع، تدرس الدولة وقف العقد مقابل إبقاء مستويات الإنتاج ما بين 6 ساعات و8 ساعات، علماً أن «القدرة الحالية للمعامل يمكن أن تنتج بطاقتها القصوى ما بين 12 ساعة و14 ساعة كهرباء يومياً، فلماذا يتم تشغيل المعامل بما لا يتجاوز نصف طاقتها القصوى؟» يسأل الوزير السابق وليد فياض.

ويضيف، أن التعامل مع هذا الأمر لا يلغي ضرورة العمل على الحل الأطول أمداً، لكنّ الوضع الآنيّ يمكن أن يكون أفضل بكثير، ولا سيما أن «كلفة الإنتاج في المعامل القائمة تراوِح بين 11 سنتاً و14 سنتاً، بينما تباع الكهرباء للمشتركين بنحو 27 سنتاً. ثمة تبرير لهذا الفرق الكبير بأن الهدر الفني وسرقة التيار الكهربائي يمثّلان نحو 40% من الطاقة المنتجة.

رغم ذلك، فإن الهدر الفني وغير الفني لا يغطّي الفرق الكبير في السعر بين الكلفة والمبيع، ما يعني أن مؤسسة الكهرباء تربح، وبالتالي يمكن شراء الفيول وتشغيل المعامل».

على أيّ حال، لا يمكن تقديم مسألة تشغيل المعامل آنياً، باعتبارها علاجاً مستداماً، ولا يمكن أيضاً الاعتماد على «أحلام» مثل الكابل القبرصي لتكون مشروعاً أساسياً للمستقبل.

والواقع أن كفاءة العمل السياسي في لبنان متدنّية إلى درجة تحويل كل ما هو مؤقّت إلى دائم. وهذا حصل سابقاً حين وافقت السلطة على خطّة جبران باسيل للكهرباء، باعتبار أنه يمكن شراء الطاقة من المعامل العائمة بانتظار توسيع القدرة الإنتاجية.

ثم انتهى الأمر، بمعزل عن تبادل الاتهامات بشأن الأسباب، بأن لبنان دفع مليار دولار لشراء الكهرباء من معامل على بواخر تركية لمدّة عشر سنوات ولم يبن المعامل.

قبلها، كانت المعامل تموت على البطيء لأن خيار الاستثمار في شبكة الكهرباء كان يتقدّمه الإدمان على تجارة المازوت الذي يشغّل مولّدات كهرباء الأحياء، والإدمان على شراء الوقود الأغلى للمعامل. كان بعض أركان السلطة مدمنين على التربّح غير الشرعي من تجارة المازوت والفيول التي جرى تقديمها بوصفها حلّاً مؤقتاً. لذا، السؤال المجدي اليوم، يتعلق بمدى كون الربط الكهربائي مع قبرص هو خطّة جديّة للكهرباء.

السلطة في لبنان لم تتغيّر. فهي ما زالت مدمنة على الحلول المؤقتة والتربّح غير الشرعي من خلال تقديم الحلول الثانوية والتكميلية باعتبارها أولويات.

الربط عبر قبرص يُقدّم على هذا النحو اليوم رغم أنه لا يقدّم ولا يؤخّر في الوضع الآنيّ، ووزنه في الخطّة المستقبلية من «وزن الذبابة».

أصلاً، يعود هذا الملف إلى سنوات مضت حين تأسّست رابطة ناقلي الكهرباء في حوض المتوسط «Med-TSO» في عام 2012، والتي يدرس أعضاؤها الربط الكهربائي بين جنوب البحر المتوسط وشمال البحر المتوسط عن طريق قبرص، وهذا يشمل لبنان ومصر والكيان الصهيوني أيضاً.

الإفادة من هذا الربط بالنسبة إلى لبنان، أنه سيكون قادراً على بيع ما يتوافر لديه من فائض كهرباء، أو سيكون قادراً على شراء ما يحتاج إليه إذا وقع في عجز. طبعاً الشراء من هذه الشبكة، أي من أوروبا بشكل أساسي عبر الكابل القبرصي، سيكون مكلفاً جداً لناحية كلفة الإنتاج المرتفعة حالياً في أوروبا، وكلفة النقل أيضاً.

ومشروع كهذا قد لا تكون إفادة لبنان منه، سوى في أنه يقدّم بديلاً تكميلياً على شبكة الكهرباء وفق الخطّة الأساسية التي يُفترض أن تزيد القدرة الإنتاجية الأساسية من المعامل المحليّة.

لا يتوقّع فياض أن تسهم هذه الوسيلة بأكثر من 10% من الحاجات المحلية، فضلاً عن أن الأمر مرتبط بعقبات تقنية غير سهلة في مشروع يمكن أن يبدأ العمل به فعلياً في عام 2040.

إذاً، أيهما أجدى: الربط الكهربائي عبر قبرص، أم الربط الكهربائي السداسي عبر سوريا؟ في السابق كانت الإجابة سهلة جداً: سوريا هي الممر الطبيعي ونافذة لبنان العربية. في عام 2005 اشترى لبنان عبر الربط مع السداسي مع سوريا نحو 450 ميغاواط، وفي عام 2006 اشترى 730 ميغاواط، وفي عام 2007 نحو 915 ميغاواط، ولغاية عشر سنوات كان يشتري الكهرباء من سوريا بمتوسط يراوِح بين 60 ميغاواط و200 ميغاواط منها قسم كبير خلال ساعات الليل. كان هذا الربط يعوّض النقص في خطط توسيع القدرة الإنتاجية المحلية، ولم يتمكن رغم كل العلاقات القوية مع سوريا آنذاك، من أن يصبح خطّاً أساسياً يمكن التعويل عليه، إلا كخيار تكميلي يمكن تكراره اليوم إذا توافرت الظروف.

حكومة تشبه سابقاتها

بعض الوزراء ممن هم محسوبون على التيار السياسي نفسه المحسوب عليه وزير الطاقة جو الصدّي، يقولون إن هذه الحكومة لا تختلف عن الحكومات السابقة. يجزم هؤلاء بأن تحالفات المحاصصة السياسية ما زالت على حالها في إطار من الترويكا التي يكون فيها لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وزن أكبر من ذلك المُعطى لرئيس الحكومة. وإلى جانب ذلك، يتململ هؤلاء الوزراء من غياب أي سياسة اقتصادية واجتماعية للحكومة، إذ لم يُعرض على مجلس الوزراء أي خطّة اقتصادية (ما زال وزير الاقتصاد عامر البساط يجول على الوزراء للاستماع إليهم!)، ولم تُعرض أيّ رؤية ذات علاقة بالقطاعات الخدماتية والتنمية مثل الكهرباء والاتصالات والنقل والصحة، والصناعة... كأنّ الجميع نيام. صحيح أن هناك تعقيدات متصلة بالعمل السياسي، إنما هذا لا يعني أن تغيب الحكومة لمدّة ستة أشهر. حتى في القطاع المالي، كل ما أقرّته الحكومة هو مشروع لمعالجة أوضاع المصارف مفصول عن مشروع معالجة الخسائر في القطاع المالي، وهو الأهم، إذ إن حجم الفجوة كان يعطّل القرار في السنوات الخمس الأخيرة لأنها تزيد عن 70 مليار دولار، أو ما يوازي نحو 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد