نجلة حمود (جريدة الأخبار)
احتشد رفاق ومحبّو المناضل اللبناني جورج عبد الله من مختلف البلدات العكّارية لاستقباله في مسقط رأسه القبيات، التي عاد إليها بعد عقود من الأسر في فرنسا.
وبدلاً من أن يكون الاستقبال عفوياً ووجدانياً بالنسبة لعائلته ومحبّيه، خضع لشروط إدارية محلّية مُشدّدة فرضتها لجنة المتابعة المؤلّفة من بعض أعضاء البلدية والمخاتير، شملت منع الكوفيات والأعلام والتصريحات السياسية، والتضييق على الصحافيين، وسط إجراءات عكست الانقسام الحادّ داخل أكبر بلدات عكار المارونية.
غابت الصور واللافتات والزينة والاحتفالات، حتى أنه كان يصعب على الحاضرين العثور على القاعة التي نُظِّم فيها الاستقبال، فيما توافد الزوّار والأصدقاء إلى منزل العائلة لتهنئتها. بذلك، بدا مشهد القبيات أمس مختلفاً تماماً عمّا كان عليه عام 2013، حينما صدر قرار الإفراج عن جورج، قبل استئنافه والإبقاء عليه مسجوناً.
بعد 41 عاماً، أتت عودة جورج من الأسر في السجون الفرنسية لتؤكّد عمق الانقسامات السياسية والطائفية التي تحكم المشهد اللبناني، حتى في لحظات يُفترض أن تجمع الجميع على رمزية النضال والتضحية.
وما زادت الأمور سوءاً هي الشروط الأمنية المشدّدة المفروضة من قبل عناصر أمن الدولة، والتي حالت دون التمكّن من الاحتفال بوصول جورج، كما يجب، ودون تمكّن محبّيه من عناقه والترحيب به، الأمر الذي كان سبباً في امتعاض عدد من الشبان، قبل أن يعمد الأمن إلى ضبط الوضع.
الاستقبال الذي تميّز بالخجل والتفاوت في المواقف، اقتصر رسمياً على حضور النائب جيمي جبور، وسط غياب لافت للفاعليات السياسية والدينية، حتى من أبناء البلدة، بما في ذلك رئيس البلدية الحالي ميشال عبدو، في حين حضر فقط رئيس البلدية السابق عبدو عبدو الذي ألقى كلمة ترحيبية باسم أهالي القبيات.
وفي مقابل الغياب الرسمي، سجّل حضور كثيف ولافت لوفود الحزب الشيوعي، إذ شكّل رفاق جورج من الحزب عنصر التوازن في المشهد، وغطّوا الفراغ السياسي والشعبي في الاستقبال، وفي مقدّمتهم أمينهم العام حنا غريب والمسؤول السياسي حسن خليل ومسؤول الحزب الشيوعي في عكار كامل منصور، وعدد كبير من المناضلين اليساريين الذين توافدوا من مختلف المناطق اللبنانية، حاملين وفاءهم لقضية عبد الله ورمزيته النضالية.
الانقسام المحلّي في البلدة برز بشكل واضح، إذ أعرب عدد من أبناء القبيات عن رفضهم تسييس المناسبة، معتبرين أنّ جورج هو «ابن البلدة» وليس «مناضلاً في القضية الفلسطينية»، التي قال البعض إنها «لا تعنينا»، مؤكّدين «ضرورة تحييد القبيات عن الصراعات السياسية والاصطفافات الخارجية». وضمن هذا السياق، مُنعت وسائل الإعلام من إجراء مقابلات مباشرة مع جورج، واقتصر الأمر على الكلمة المُعدّة سلفاً ضمن البرنامج المتّفق عليه.
في المقابل، دعا كلود زيتوني، ابن بلدة القبيات الممتعض من الإجراءات المتّخذة، إلى «ترك الناس لتعبّر عن وجدانها»، مؤكّداً «أنّ الشكل لا يلغي الأساس وأنّ ما يقومون به اليوم لا يلغي حقيقة أنّ جورج مناضل مقاوم، لم يساوم ولم يستسلم، ونحن جميعاً يجب أن نكون فخورين بهذا المناضل».
في كلمته داخل المركز الثقافي، حرص جورج على تأكيد «أهمية الوحدة الوطنية»، مشدّداً على أنّ «القبيات قلعه في وجه «الصوملة»، فنحن مع وحدة لبنان بطوائفه ومذاهبه وكل عشائره». وقال: «كنا وسنبقى دائماً نشكّل درعاً واقعياً في وحدة هذا البلد»، داعياً الشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه ومذاهبة إلى أن «يقف في وجه الردّة الصهيونية العالمية ويقف في وجه أعداء لبنان».
وشدّد على أنّ «لبنان يبنى بوحدته الوطنية، ونحن مع جيش لبناني قوي ومقتدر قادر على صدّ المعتدين من أي جهة أتوا»، خاتماً بالقول إنّ «القبيات هي رمز لهذه الوحدة، وتراثها يؤكّد هذا في كل مراحل لبنان».