هداية محمد التتر (الأخبار)
على طول الخط الساحلي لقطاع غزّة يصطاف الفلسطينيون للتخفيف عن أنفسهم شيئًا من حر الصيف، بينما تتلاصق خيام النازحين على بعد أمتار من الشاطئ، في ما يقصد الصيادون البحر بحثًا عن الرزق، إلا أن الاحتلال "الإسرائيلي" لم يرق له هذا المشهد وأبى إلا أن ينغّص عليهم كلّ ما يمكن أن يخفف من وطأة الحرب المستمرة منذ 21 شهرًا.
خوف وذعر
ومن أمام خيمته المقامة على شاطئ البحر غرب مدينة غزّة، يعبّر أبو محمد صبح (45 عامًا) عن خوفه الشديد على زوجته وأبنائه من أي رصاصة أو شظية يمكن أن تصيبهم نتيجة القذائف التي تطلقها البوارج الحربية "الإسرائيلية".
ويوضح في حديث إلى "الأخبار" "أن قرار الاحتلال بمنع وصول أي فلسطيني إلى شاطئ البحر أصابه وعائلته بالذعر والخوف، ويقول: "دمّر جيش الاحتلال بيتي وأجبرني على النزوح من منطقتي في جباليا النزلة، ما اضطرني لنصب خيمتي على شاطئ البحر لعدم توافر أي مكان آخر".
ويضيف: "لا يوجد شبر في مدينة غزّة من دون خيام، ولذلك اضطررت للبقاء في مكاني على شاطئ البحر، رغم الخطر الذي يحدق بنا"، ويشير إلى أنه قبل أيام اخترقت خيمته رصاصة من الزوارق الحربية "ولولا عناية الله لأصابت طفلي في مقتل".
وكان جيش الاحتلال "الإسرائيلي" قد أصدر ظهر السبت 12 تموز 2025 قرارًا عسكريًا يحظر بموجبه اقتراب المصطافين وإبحار الصيادين في البحر حتّى إشعار آخر، في خطوة تصعيدية خطيرة تستهدف خنق الحياة في قطاع غزّة.
بث الحزن والكآبة
"لا ينفكّ الاحتلال "الإسرائيلي" عن التضييق على حياتنا وحرماننا من العيش بأمن وسلام"، يقول مجدي مرشد (32 عامًا) لـ"الأخبار"، ويضيف: "كان هو المتنفس الوحيد لي وعائلتي من كتلة اللهب التي نعيش فيها، بعدما دمر الاحتلال شقتي في منطقة الشيخ رضوان".
ويوضح أنّه في أحيان أخرى "وفي ظل حالة التجويع التي نعيشها والحزن والألم الذي يعتصر قلبي كلّ دقيقة لعجزي عن توفير ما يسدّ رمق صغاري، كنت أتوجه لوحدي إلى البحر، أبثّ حزني وكآبتي وأهرب من عيون أطفالي المجوّعين، إلا أن الاحتلال "الإسرائيلي" يصر على أن نواجه عجزنا أمام صغارنا، والله المستعان".
ويختم بالقول: "نعيش أسوأ أيام في حياتنا، لا طعام ولا شراب ولا أمان ولا حتّى مكان يخفف عنا ما تعانيه"، ويؤكد أنّ "الاحتلال "الإسرائيلي" يسعى إلى قتلنا، فإن لم يكن موتًا سريعًا بالرصاص والبارود، فليكن موتًا بطيئًا بالحسرة والتجويع".
اختطاف صيادين
وفي تحدّ لقرار الاحتلال ال"إسرائيلي"، حاول بعض الصيادين بالأمس، النزول إلى البحر من أجل الحصول على لقمة عيش أطفالهم في ظل المجاعة التي تضرب سكان قطاع غزّة، إلا أن البوارج الحربية "الإسرائيلية" استهدفت بالرصاص الحي والقذائف الانشطارية مراكب الصيادين الموجودين على شاطئ البحر واقتربت منهم ومن ثمّ اختطفت خمسة من الصيادين.
وعلى بعد أمتار من شاطئ البحر يجلس الصياد عدنان الأقرع (65 عامًا) وبجانبه قارب صغير، ينظر بحسرة إلى المياه التي لا يمكنه التخلي عنها، ويقول لـ"الأخبار": "كنا نخاطر بحياتنا نبحر بقاربنا الصغير لأمتار قليلة، بينما اليوم أصبح الأمر مستحيلًا لا يمكن تجاوزه".
ويوضح الأقرع، الذي يعيل عائلة مكوّنة من 13 فردًا، أنه أصبح عاجزًا اليوم عن توفير ما يسدّ رمق أبنائه بعدما فقد مصدر رزقه "فالبضائع شحيحة، والأسعار فلكية، ولا يوجد لدينا ميزانية فكلّ ما كنا نتحصل عليه من رزق يكفينا ليوم واحد فقط".
ويبيّن أنّ مهنة الصيد تفقد كلّ يوم عددًا من خيرة أبنائها سواء بالقتل أو الإصابة وحتّى بالاعتقال، ويقول: "استشهد ابني محمود العام الماضي وهو يقف على قاربه الصغير ويحمل مجدافه ويبحث عن لقمة تغيث إخوانه الصغار من جوع محقق، ولضيق الحال وعدم توفر مصدر آخر للرزق واصلت المخاطرة من بعده لأطعم باقي إخوانه".
ويضيف: "بالأمس اختطف الاحتلال خمسة صيادين وقبل شهر اختطف اثنين آخرين منهم حسن أبو جياب والذي استهدف منزله بصواريخه الحربية بعد أسبوع من اعتقاله، لتصبح عائلته دون معيل ولا مأوى".
بدوره، يوضح نقيب الصيادين في قطاع غزّة، نزار عياش، أنه ومنذ السابع من تشرين الأول والاحتلال "الإسرائيلي" يمنع الصيادين من الإبحار بشكل نهائي، مشيرًا إلى أنه و"نظرًا للحاجة الماسة إلى الانفاق على ذويهم، اضطرّ الصيادون المخاطرة بحياتهم والنزول إلى البحر، وهو ما عرّض الكثير منهم للقتل".
ويقول عياش لـ"الأخبار" إنّ "ما يزيد على 150 صيادًا استشهدوا وأصيب آخرون في ما اختطف العشرات دون أن نعلم عنهم أي شيء حتّى الآن"، ويلفت إلى أنه وعلى الرغم من تدمير الاحتلال لمراكب الصيادين ومخازنهم وأدواتهم إلا أنّ ذلك لم يثنهم عن العمل بأدوات صيد بدائية وفي مساحة صيد صغيرة جدًا لا تزيد على 300 متر "فنحن نصارع من أجل البقاء في ظل هذه الحرب المستعرة منذ ما يقرب العامين".
ويوضح أن من عاد للإبحار والعمل في صيد الأسماك خلال الحرب لا يتجاوز 30% من الصيادين الذين خاطروا بحياتهم من أجل قوت أطفالهم في ظل الغلاء الفاحش في الأسعار، "إلا أنّ الاحتلال "الإسرائيلي" يأبى إلا أن يُجوّع أطفالنا وصغارنا، فأصدر قرارًا قبل أيام يمنع الغزيين من الوصول إلى البحر وهو ما أدى إلى قطع أرزاق الصيادين".