جريدة الأخبار
في الأول من آب من كل عام، يتجدد عيد الجيش اللبناني، ومعه يتجدد رهان اللبنانيين على مؤسستهم العسكرية، التي ما انفكت، منذ تأسيسها، تشكّل صمّام أمان للوطن، في مواجهة الأخطار المتتالية من الداخل والخارج.
منذ ما يقارب ثمانية عقود، ما تزال المؤسسة الأمنية تؤدي دورها الوطني في حماية وحدة البلاد وأمنها، رغم ما تواجهها من تحديات أمنية وسياسية وميدانية، ولا سيما في الجنوب، على تماس مباشر مع العدو الإسرائيلي. وفي الأول من آب من كل عام، يستعيد اللبنانيون ذكرى تأسيس هذه المؤسسة.
من الانتداب إلى الدولة: ولادة الجيش اللبناني
بعد الاستقلال في 22 تشرين الثاني 1943، بدأت الحكومة اللبنانية مفاوضات مع فرنسا لاستلام الجيش اللبناني من سلطات الانتداب. ومع إصرار لبنان الرسمي، وافقت الدولة الفرنسية، وصدر القرار الرقم 15 عن هيئة الأركان المشتركة الفرنسية _ البريطانية، والذي نصّ على تسليم الجيش إلى الدولة اللبنانية في الأول من آب 1945 عند منتصف الليل. وأقيم احتفال رسمي صباح ذلك اليوم أمام مبنى القيادة قرب المتحف الوطني، بحضور رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري، وقائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب.
ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت المؤسسة العسكرية في عهدة الدولة اللبنانية، وتطورت مهماتها وتنظيمها، وانتقلت قيادة الجيش في عام 1968 إلى مقرها الحالي في اليرزة، نظراً إلى توسع الأدوار والمهمات.
على الجبهة الجنوبية: حضور دائم
على الحدود الجنوبية، يشكّل الجيش خط الدفاع الأول في مواجهة اعتداءات العدو الإسرائيلي. ورغم القيود السياسية واللوجستية، يؤدي الجنود مهماتهم اليومية في مراقبة الخط الأزرق، والتدخل عند أي خرق. وتتكامل هذه الجهود مع دور قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل»، في إطار القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بعد عدوان تموز 2006.
لكنّ تنفيذ القرار المذكور يصطدم بعوائق عدّة، أبرزها استمرار خروقات العدو اليومية للسيادة اللبنانية، جواً وبراً وبحراً، إضافة إلى العجز الدولي عن لجم تلك الانتهاكات، فيما تبقى مهمة نزع فتيل أي تصعيد على عاتق الجيش وقيادته الميدانية.
هيكلية وتشكيلات الجيش اللبناني
يتألف الجيش اللبناني من قيادة مركزية تضم قائد الجيش ورئيس الأركان، إلى جانب المديريات والمصالح المتخصصة.
قائد الجيش
يعيّن قائد الجيش من بين الضباط العامين، المجازين بالأركان الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني. يحمل قائد الجيش رتبة عماد ويسمى «العماد قائد الجيش» ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع.
مهمات قائد الجيش
يتولى قائد الجيش إعداد الجيش للمهمات الموكولة إليه، ورفع مستواه القتالي، وقيادة العمليات العسكرية، وذلك يقتضي:
تنفيذ التطويع الاختياري والإجباري
تنظيم القطع والوحدات وتحديد مهماتها وإدارتها
تنفيذ عمليات التأهب والتعبئة عند إعلانها
تحضير الخطط وأوامر القتال ووضع البرامج اللوجستية لها
استدراك حاجات الجيش والمحافظة على مستوى التجهيزات والأعتدة عند تسلمها من الإدارة العامة
قيادة العمليات العسكرية
رئيس الأركان
يعين رئيس الأركان من بين الضباط العامين المجازين في الأركان من الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط، وذلك بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني، بعد استطلاع رأي قائد الجيش. ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهماته وصلاحياته طوال مدة غيابه.
مهمات رئيس الأركان
يتولى رئيس الأركان معاونة قائد الجيش اللبناني في تحمل مسؤولياته وتنفيذ مهماته عن طريق ضبط عمل الأركان والتنسيق في ما بينها، والوقوف على المستوى القتالي للجيش، وذلك يقتضي:
السهر على تنفيذ القرارات المتخذة.
الإشراف على جهوز الجيش عتاداً ورجالاً.
اقتراح الطرق والوسائل التي تساعد على تطوير عمل الأركان، وتحسين مستوى الخدمات للوحدات المقاتلة.
الإشراف على التدريب وإدارة شؤون القوى الاحتياطية.
ألوية ووحدات الجيش اللبناني
يتفرّع الجيش إلى وحدات ميدانية ومراكز تدريب وألوية وأفواج:
لواء الحرس الجمهوري: يتولى حماية رئيس الجمهورية وأسرته ومقراته، وتأمين مراسم التشريفات الرسمية، والدفاع الفعّال عن القصر الجمهوري.
ألوية المشاة المؤللة: تضطلع بمهمات الدفاع عن الأرض والتصدّي للعدو، وتنفيذ العمليات الهجومية والاستحواذ على المواقع.
الوحدات الخاصة: مثل فوج المغاوير وفوج المجوقل وفوج مغاوير البحر ومدرسة القوات الخاصة.
الوحدات المتخصصة: وتشمل مديرية التوجيه، مديرية القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية، ومديرية الشؤون الجغرافية.
القوات البحرية: أنشئت عام 1950، وتتمركز حالياً في بيروت. تتولى حماية المياه الإقليمية، مكافحة التهريب والهجرة غير الشرعية، دعم الوحدات البرية، والتنسيق مع الجهات الأمنية والمدنية.
أفواج التدخل
تتولى المهمات التالية:
القيام بعمليات هجومية مستقلة أو ضمن إطار عملية تنفذها وحدة كبرى، ويمكن في جميع الحالات تعزيز فوج تدخل أو دعمه بقوى أو نيران إضافية .
تجاوز القوى الصديقة المهاجمة القيام بعمليات استغلال النجاح ومطاردة القوى العدوة.
التدخل السريع لتأمين الاتصال بوحدة صديقة محاصرة.
القيام بعمليات دفاعية مستقلة أو ضمن إطار عملية تنفذها وحدة كبرى.
التدخل السريع لسد ثغرة في جهاز دفاعي تم اختراقه.
القيام بهجوم معاكس لوقف وتدمير القوى العدوة المهاجمة.
الإغارة بسرعة على أهداف معينة وتدميرها أو السيطرة عليها ومسكها لمدة زمنية محددة.
إقامة الكمائن وتسيير الدوريات على أنواعها.
المشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة.
القوات الجوية
أنشئت القوات الجوية في الجيش اللبناني عام 1949 في قاعدة رياق الجوية بقيادة المقدم أنذاك إميل بستاني، وقد اتخذت تسميات عدة منها: سلاح الجو، ثم سلاح الدفاع الجوي وأخيراً القوات الجوية. وتمركزت قيادة القوات الجوية في قاعدة رياق الجوية، قبل أن تنتقل عام 1969 إلى وزارة الدفاع الوطني، ومنذ سنة 1989 أصبحت تتمركز في مبنى بيضا عين الرمانة.
تتولى القوات الجوية المهمات التالية:
إعداد الطيارين والفنيين
تنفيذ عمليات قتالية ومساندة جوية وأرضية
تنفيذ مهمات نقل وعمليات مجوقلة
تنفيذ عمليات إنقاذ وبحث
استكشاف ومراقبة جوية
تصوير جوي
مساعدة بعض مؤسسات الدولة على تنفيذ أعمالها كرش المزروعات وتركيب الهوائيات
القوات البحرية
أنشئت القوات البحرية في الجيش اللبناني عام 1950، وتمركزت في الحوض الأول في مرفأ بيروت. في عام 1972، انتقلت إلى جونية بعد تسلّم مباني قاعدة جونية البحرية. وفي عام 1991، تمركزت قيادة القوات البحرية في قاعدة بيروت البحرية.
تتولى القوات البحرية المهمات التالية:
حماية خطوط المواصلات البحرية إلى المرافئ اللبنانية وتطبيق القانون وفرض سلطــة الدولـــة فــي البحر، وتنظيم حركـــة الملاحــة التجارية وضبطها، وحماية مصالح الدولة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، ومؤازرة الأسطول التجاري اللبناني والصيادين وحمايتهم.
الدفاع عن المياه الإقليميـة وعن الساحل ضدّ أي اعتداء عسكري من البحر.
مكافحـة الإرهـــاب، والهجرة غير الشرعية، والتهريب، وتجارة المخدرات.
تأمين الدعم البحري والإنذار المبكر لوحدات الجيش اللبناني والمشاركة في العمليات العسكرية المشتركة.
مؤازرة الأجهزة الأمنية (الجمارك، الأمن الداخلي، الأمن العام...) في مهماتها البحرية.
مساعدة الوزارات والوكالات البحرية في نشاطاتها ومهماتها البحرية (مكافحة الحرائق والتلوث، عمليات البحث والإنقاذ).
حماية الثروات والمصالح الوطنية على الشاطئ، وفي المياه الإقليمية اللبنانية.
المواجهة مع التنظيمات المسلحة
خاض الجيش أيضاً مواجهات عنيفة مع تنظيمات مسلحة على الأراضي اللبنانية:
معركة نهر البارد (2007): ضد تنظيم «فتح الإسلام»، ودامت المعركة ثلاثة أشهر، سقط خلالها مئات الشهداء والجرحى، وتمّ القضاء على التنظيم.
اشتباكات عرسال (2014): بعد اجتياح مسلحين سوريين للبلدة، تمكن الجيش من فكّ الحصار عن مراكزه، وطرد المهاجمين، رغم احتجاز رهائن من العسكريين.
عملية جرود رأس بعلبك (2015): هجومية ناجحة تمكّن خلالها الجيش من السيطرة على مرتفعات إستراتيجية.
معركة «فجر الجرود» (2017): ضد تنظيم «داعش» و خلايا إرهابية أخرى في جرود عرسال والقاع، ونجح الجيش في القضاء على عشرات المسلحين، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة.
عون: لا تهاون في الوفاء
في كلمة إلى العسكريين بمناسبة عيد الجيش اللبناني، قال الرئيس العماد جوزاف عون: «أيها العسكريون، يا رفاق السلاح، قبل نحو أربعين عاماً، أقسمتُ مثلكم قسماً صارَ لي حياةً... وبفضلكم دوماً سأشرّفُ قسمي الثاني». وأضاف: «أدركُ أنّ شعباً يستحقُ الحياة، لا يتركُ شهداءَه يسقطون مرتين... فكلُ شهيدٍ قاتلَ وقاومَ وسقطَ من أجلِ لبنان... هو ذخرٌ لنا، في مسيرتِنا نحو بناءِ وطنٍ مستقلٍ مستقٍر، مزدهرٍ وعصريّ». وشدد عون على ضرورة وقف الموت والدمار والانتحار، مؤكداً أنّ الوفاء للشهداء يقتضي منع الحروب العبثية التي تخدم مصالح الآخرين على حساب الوطن.
بري: الجيش اللبناني صانع القيامة
رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجّه بدوره تحية إلى المؤسسة العسكرية قائلاً: «ثمانون عيداً من عمر هذه المؤسسة الوطنية الجامعة وهي تعمُد أعيادنا بالوفاء، وتصون السيادة بعظيم التضحيات، وتحمي الوحدة بشرف الانتماء». وأضاف: «الجيش اللبناني هو الرهان ومحط آمال اللبنانيين في الأمن والأمان والدفاع عن الأرض والإنسان وصنع قيامة لبنان».
مستقبل الجيش في وطن مأزوم
في ظل أزمات سياسية واقتصادية خانقة، يواجه الجيش اللبناني تحديات هائلة، أبرزها الحفاظ على تماسكه المعنوي والمؤسساتي، وسط انهيار العملة الوطنية وضعف التمويل وارتفاع الضغوط الاجتماعية على أفراده. ومع ذلك، يبقى الجيش صمام الأمان، والجهة الوحيدة التي تحظى بثقة غالبية اللبنانيين، لما قدّمه ويقدّمه من تضحيات وجهوزية، دفاعاً عن وحدة البلاد وأمنها وسلمها الأهلي.