اوراق مختارة

كيف تمايزت مواقف رؤساء الجمهورية في لبنان منذ عام 1998 حتى اليوم حيال مسألة «تسليم السلاح»؟

post-img

غنوه فهد (جريدة الأخبار)

تستعدّ الحكومة اللبنانية لعقد جلسة حاسمة في قصر بعبدا يوم الثلاثاء لبحث ملف حصر السلاح بيد الدولة، وسط ضغوط دولية متصاعدة، في وقت لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمعن في خرق اتفاق وقف إطلاق النار ويرفض الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية.

وفي ظل هذا الواقع، يعتبر مؤيدو المقاومة أنّ الحديث عن نزع سلاح حزب الله في هذه الظروف يخدم مصالح العدو، إذ يشكّل السلاح رادعاً أساسياً أمام أي عدوان جديد.

ومنذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية وإقرار اتفاق الطائف عام 1989، برز مبدأ حصر السلاح بيد الدولة كأحد ركائز بناء الدولة واستعادة سيادتها.

وقد شمل هذا المبدأ معظم القوى المسلحة، غير أنّ سلاح حزب الله جرى التعامل معه كـ«سلاح مقاومة» مشروع لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتم إدراجه، صراحة ومواربة، في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة حتى اليوم.

ومع انسحاب إسرائيل عام 2000، ثم صدور القرار الدولي 1559 عام 2004، عاد الجدل حول هذا السلاح، رغم ضعف قدرة الدولة على مواجهة أي تهديد إسرائيلي.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، شكّل الملف تحدياً دائماً لرؤساء الجمهورية المتعاقبين الذين تفاوتت مقارباتهم بين التأييد الضمني للسلاح أو الدعوة لضمه تدريجياً ضمن استراتيجية دفاعية وطنية. فكيف تمايزت مواقف رؤساء الجمهورية في لبنان منذ عام 1998 حتى اليوم حيال مسألة «تسليم السلاح»؟

إميل لحود (1998–2007): تثبيت معادلة المقاومة

جاءت رئاسة إميل لحود في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، اتسمت بتموضع جديد للمقاومة بعد تحرير الجنوب عام 2000، وتصاعد الضغوط الدولية لنزع سلاح حزب الله، خصوصاً مع صدور القرار 1559.

في هذا السياق، اتخذ لحود موقفاً حاسماً تمثّل في تبنّيه الكامل لخيار المقاومة بوصفه خياراً وطنياً سيادياً لا يخضع للتفاوض.

وآمن لحود بأنّ أي مقاربة للأمن القومي لا تكتمل دون الاعتراف بالدور الذي لعبته المقاومة في تحرير الأرض، واعتبر سلاح حزب الله «ضرورة دفاعية» في ظل استمرار الاحتلال والتهديدات الإسرائيلية، وأنّه «لا يتعارض مع اتفاق الطائف بل يشكّل امتداداً له في ظل الاحتلال».

ورغم الضغوط الخارجية، لم يفتح لحود خلال ولايته أي نقاش وطني حول «استراتيجية دفاعية» ولا وضع السلاح تحت إشراف الدولة، إذ كان يعتبر هذا الأمر شأناً داخلياً، ومحاولة إخضاعه لضغوط خارجية بمثابة مسّاً بالسيادة. وهذا ما رسّخ ما بات يُعرف بمعادلة «الجيش والشعب والمقاومة».

ميشال سليمان (2008–2014): محاولة دسترة السلاح

تسلّم ميشال سليمان رئاسة الجمهورية في لحظة مفصلية من تاريخ لبنان، عقب أحداث 7 أيار 2008 والانقسام العميق بين قوى 8 آذار و14 آذار. وجاء انتخابه بتوافق محلي ودولي كجزء من تسوية «اتفاق الدوحة» التي أنهت مرحلة من المواجهات الداخلية العنيفة.

وانطلق سليمان في عهده بمحاولة إعادة تنظيم الحياة السياسية عبر إعادة تفعيل «طاولة الحوار الوطني» التي شكّلت منبراً لمناقشة القضايا الخلافية، وعلى رأسها سلاح حزب الله. كما سعى إلى وضع هذا السلاح ضمن إطار «استراتيجية دفاعية وطنية» تضمن حماية لبنان دون الإخلال بسيادة الدولة.

بلغت هذه المحاولة ذروتها مع «إعلان بعبدا» في حزيران 2012، الذي دعا إلى تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية كأرضية لحماية استقراره الداخلي. مثّل الإعلان رؤية سياسية واضحة تسعى إلى ضبط التداخل بين الأمن والسياسة، وتفكيك ارتباط لبنان بمحاور إقليمية متنازعة.

لكن مع اندلاع الحرب السورية وانخراط حزب الله العسكري فيها، اصطدم مشروع سليمان بمعادلة أمر واقع جديدة فرضتها الظروف الإقليمية ومخاوف امتداد الحرب إلى لبنان.

ميشال عون (2016–2022): داعم للسلاح

جاء ميشال عون إلى قصر بعبدا عام 2016 بعد تسوية سياسية كبرى كان ركنها الأساسي تحالفه المتين مع حزب الله. هذا التحالف لم يكن تكتيكياً فحسب، بل عبّر عنه عون بمواقف علنية داعمة لسلاح المقاومة، معتبراً إياه حاجة وطنية في ظل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، ولا سيما في ظل عجز الدولة عن بناء قدرة دفاعية مكتملة. تبنّى عون بالكامل معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»، مؤكداً أن سلاح حزب الله لا يتناقض مع دور الجيش بل يُكمله، لا سيما في مواجهة الخطر الإسرائيلي والإرهاب.

ولم يبادر عون إلى فتح أي نقاش وطني جديد حول الاستراتيجية الدفاعية أو جدولة نزع السلاح، مفضلاً إبقاء الملف معلقاً بانتظار «ظروف إقليمية مؤاتية»، على حد تعبيره. هذا الموقف شكّل تحوّلاً لافتاً عن مواقفه الصدامية في أواخر الثمانينيات، حين خاض مواجهة مفتوحة مع تنظيمات مسلحة، وكان من أشدّ المدافعين عن حصرية السلاح بيد الجيش.

جوزاف عون (2025 حتى الآن): عهد جديد بمواكبة خارجية

وصل جوزاف عون إلى قصر بعبدا في 9 كانون الثاني 2025، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. وعلى عكس سلفه، وضع جوزاف عون مطالب واضحة بتسليم سلاح جميع القوى المسلحة، بما في ذلك حزب الله، إلى الجيش اللبناني، معتبراً ذلك شرطاً أساسياً لاستعادة سيادة الدولة وضمان استقرارها.

وتمّ تقديم مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نواف سلام كـ«عهد حصر السلاح»، وهو هوية سياسية جديدة تعهّدت ببسط سلطة الدولة واحتكار السلاح. وقد ظهر هذا الخطاب في تصريحات رئيسي الجمهورية والحكومة، غير أنّ التباين بين هذه التصريحات والخروقات الإسرائيلية المستمرة أدخل العهد في حالة تسويف تتناقض مع واقع الحال في لبنان والتهديد الإسرائيلي.

وتأتي جلسة الثلاثاء بالتزامن مع ضغوط أميركية لوضع جدول زمني محدد لسحب السلاح، مع ربط ذلك بالدعم المالي الدولي وإعادة الإعمار.

وقد دخلت الولايات المتحدة بقوة على الخط، ومثّلت مواقف المبعوث الأميركي توماس براك نسخة منهجية مركّبة من الحوافز والعقوبات، ما وصفه بنفسه بـ«الجزرة والعصا» لتعبيد الطريق أمام نزع سلاح حزب الله تدريجياً مقابل تسهيلات خارجية وسياسية. فيما سبقته إلى بيروت المبعوثة مورغان أورتاغوس، التي دفعت باتجاه أكثر حزماً لنزع سلاح حزب الله.

إلى جانب ذلك، شكّل الحديث عن احتمال تغيير براك عاملاً إضافياً للغموض في حسابات بيروت، ما أضفى طبقة جديدة من التعقيد على جلسة الثلاثاء.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد