اوراق مختارة

أسرار جديدة عن "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل

post-img

عماد فؤاد/ العربي الجديد

أصدر الروائي البريطاني جورج أورويل روايته "مزرعة الحيوان" للمرّة الأولى في 17 أغسطس/آب 1945، أي قبل 80 عامًا. وبهذه المناسبة، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية قبل أيام أن الرواية، التي تحتل مكانة مهمة، إلى جانب روايته الأكثر شهرة "1984"، كُتبت بمساعدة زوجته الأولى، وأن مخطوطها رفضته خمس دور نشر في بريطانيا بإيعاز من الجواسيس الروس، قبل أن تصدرها دار نشر طليعية بعد تلكؤ استمر عامًا.

جاءت هذه التصريحات على لسان ريتشارد بلير، الابن الذي تبنّاه إريك آرثر بلير، المعروف باسمه المستعار جورج أورويل، وزوجه الأولى إيلين أوشونيسي، بسبب عدم قدرتها على الإنجاب. تعرّف أورويل إلى إيلين عام 1935 وتزوّجها بعد عام من لقائهما، لكنها رحلت في العام 1945 على طاولة الجراحة في أثناء عملية لاستئصال الرحم.

في تصريحاته لـ"ذا غارديان"، أكد بلير الابن أن والدته إيلين كانت تعمل في وزارة الأغذية البريطانية، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1943 أصبح والده جورج أورويل محررًا أدبيًا في مجلة Tribune، ولم يكن مطلوبًا منه الحضور إلى المكتب سوى ثلاثة أيام في الأسبوع، ما منحه الوقت الكافي لكتابة مشروعه الروائي الجديد: "مزرعة الحيوان".

دور الرواية القصيرة عن انقلاب فاشل؛ لكن الدولة هنا هي المزرعة، والمتمردون هم الخنازير والأبقار والخيول، التي تحاول استمالة بقية الحيوانات للثورة. يجتمعون على فكرة التمرد وطرد "ديكتاتورهم" المُزارع جونز، صاحب المزرعة، لينتهي بهم الأمر إلى السير على طريق الشمولية. أراد أورويل من خلال هذه القصة السياسية الساخرة تسليط الضوء على الثورة الروسية والتحذير من مخاطر إساءة استخدام السلطة، رافعًا شعاره الذي وضعه على ألسنة أحد حيوانات المزرعة: "إذا كانت الحرية تعني شيئًا، فهي الحق في إخبار الناس بما لا يريدون سماعه".

تبدأ القصة بثورة الحيوانات على السيد جونز صاحب المزرعة، وبعد طرده وتحقيق أهدافها الأولى، تنشئ نظامًا جديدًا قائمًا على مبادئ المساواة والعدل. لكن مع تولّي بعض الحيوانات، خاصة الخنازير، زمام السلطة، ينحرف النظام نحو الاستبداد ذاته الذي ثارت عليه الحيوانات في البداية. ويتغير شعارها الثوري الأول: "جميع الحيوانات متساوية"، إلى شعار آخر: "جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر تساويًا من غيرها".

يروي ابن أورويل للصحيفة البريطانية تفاصيل كتابة الرواية فيقول: "كان شتاء عام 1943 شديد البرودة، وكنا نعيش في شقة سيئة التدفئة شمال غربي لندن. كل ليلة كان أبي يقرأ لأمي مقتطفات من الرواية التي كان يعمل على كتابتها، بينما يتدفّآن تحت بطانيات صوفية سميكة، فهذه كانت الوسيلة الوحيدة للحصول على الدفء في تلك الشقة. وقد شاركت أمي في تعديل القصة، وربما هي التي اختارت أن تكون الحيوانات الأبطال الحقيقيين للرواية بدل البشر، تخفيفًا من حدتها النقدية. بل قدّمت لأبي عدة نسخ منقحة منها".

بحلول فبراير/ شباط 1944، كانت "مزرعة الحيوان" قد اكتملت وأصبحت جاهزة للنشر. غير أن ذلك لم يحدث. فوفقًا لابنه، رُفضت الرواية من خمس دور نشر، وكان هذا طبيعيًا في ذلك الوقت بسبب التردّد العميق في السماح بأي انتقاد لروسيا السوفييتية، التي كانت حليفة لبريطانيا في حربها ضدّ ألمانيا النازية. وتزايد النفوذ السوفييتي داخل المؤسسات البريطانية.

كان الصحافي بيتر سموليت، الجاسوس الروسي ذو الأصل النمساوي والمعروف باسمه الحركي Smolka، قد ترقى ليصبح رئيس العلاقات السوفييتية في وزارة الإعلام البريطانية، ومسؤولًا عن تنظيم الدعاية المؤيدة للاتحاد السوفييتي في وسائل الإعلام البريطانية. ووفقًا لريتشارد بلير: "كانت ضغوط الحكومة السوفييتية قاسية، وكان عملاء الاتحاد السوفييتي متغلغلين بشكل واسع في جميع المؤسسات البريطانية".

لذلك اعتُبرت "مزرعة الحيوان" منذ كانت مخطوطة هجومًا مبطنًا وغير لائق بحليف حيوي في زمن الحرب. حتى إن دار Faber العريقة رفضت نشرها، وعلّق الشاعر الأميركي ت. س. إليوت، مدير الدار ومحررها وقتها، مبررًا الرفض بقوله: "أتشكك في أن هذه هي وجهة النظر الصحيحة التي يمكن من خلالها انتقاد الوضع السياسي في الوقت الراهن".

في النهاية، وافقت دار النشر الطليعية Secker and Warburg على نشر الرواية. ويبرر ريتشارد بلير ذلك بقوله: "هذه الدار كانت معروفة في ذلك الوقت بنشر كتب مثيرة للجدل وذات توجه يساري. ومع ذلك لم تصدر الرواية إلا في أغسطس 1945، لأن الخوف من إثارة غضب السوفييت كان لا يزال كبيرًا".

في السنة الأولى لصدور "مزرعة الحيوان" بيع منها نحو 250 ألف نسخة، أما اليوم، وبعد 80 عامًا على ظهورها الأول، وقد اختيرت ضمن أفضل مئة رواية عالمية في القرن العشرين، فقد بيع منها ما يقارب 11 مليون نسخة، وتُرجمت إلى أكثر من 60 لغة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد