راجانا حمية (جريدة الأخبار)
في منتصف الشهر الماضي، أقفل مستشفى بلسم (تل الزعتر) أبوابه في مخيم الرشيدية لمدة يومين، قبل أن يعاود في اليوم الثالث جزءاً من نشاطه، عبر إعادة تشغيل القسم الداخلي وقسم الطوارئ، فيما بقيت أقسام أخرى، كقسم العمليات، خارج الخدمة حتى الآن. إقفال هذا المستشفى المركزي، الذي أثار تعطيله صدمة كبيرة بين فلسطينيي مخيمات صور، لم يكن ناجماً فقط عن الصعوبات المالية القائمة، بل بسبب «تعليق» الجيران على خطوط الكهرباء الخاصة بالمستشفى.
هذا التوقف كان متوقعاً منذ زمن، إذ إنّ تعديات الجيران على المستشفى أزمة مزمنة تعود لعشرات السنين. ولأنّ ما كان يُعقد سابقاً من «مصالحات» لم يُفلح في حلّ المشكلة جذرياً، قدّم مدير المستشفى محمود شراري استقالته احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع. ومع تعيين الدكتور زيدان المصري خلفاً له، قرر الأخير الإقفال معلناً دخول المستشفى في حالة طوارئ.
يصف المصري القرار بـ«القاسي»، ولكن «كان لا بد من الخطوة بعد ما جرى أخيراً». بدأت الأزمة مع تعطّل أحد المولّدين الأساسيين (الكبير)، رغم أنّ المستشفى كان قد أجرى له صيانة في تموز، فاضطر إلى الاعتماد على المولّد الصغير واشتراك الكهرباء الخاص، في ظل شبه انعدام للتغذية العامة.
لكن المفاجأة كانت في فاتورة الاشتراك الخاص، التي بلغت 2400 دولار عن يوم واحد. وإذ لم يكن ممكناً التوقف فجأة عن العمل، خصوصاً في القسم الجراحي، قررت الإدارة استكمال العمليات المبرمجة، ولا سيما عمليات الولادة، قبل إعلان الإقفال. غير أن الاستمرار لم يعد ممكناً، بعدما وجد الأطباء أنفسهم مضطرين إلى إجراء عملية على ضوء الهاتف، لغياب الكهرباء وعدم إمكانية الاعتماد طويلاً على بطارية الـ UPS.
هذه التطورات دفعت إدارة المستشفى إلى رفع الصوت والمطالبة بنزع التعديات. فبدأت حملة لكشف الأسلاك التي مدّدها الجيران عشوائياً من بيوتهم نحو مولدات المستشفى وخطوط الاشتراك، وتمّت إزالة القسم الظاهر منها، ولكن الحملة فشلت في كشف التعديات المخفية. وبحسب المصادر: «هناك خطوط مسحوبة بطريقة لا يعرف أحد كيف وأين تمرّ»!
لم يكن ما جرى حادثاً عرضياً، بل انفجاراً لأزمة قديمة. ويلفت المصري إلى أن طبيعة المخيم بما فيه من اكتظاظ وفقر كانت كفيلة بجرّ المستشفى إلى هذه الأزمة.
البداية كانت مع «تمريق» خط كهرباء لأحد الجيران بتغطية من أحد المسؤولين المحليين، قبل أن يتحوّل الأمر إلى فلتان شامل، جعل من المستشفى أقرب إلى محطة اشتراك كهرباء، تغذي السكان بالكهرباء مجاناً. ومع تضاعف التعديات، تعطلت العمليات الجراحية مرات عدة، أو توقفت كلياً خوفاً من انقطاع التيار في منتصف العملية. ويشير المصري إلى أن ما حدث هذه المرة قد يكون الأخطر وربما الأخير.
فالمداولات الأخيرة انتهت بوعد بتأمين ألواح للطاقة الشمسية ومولّد إضافي، مع الإبقاء على الاشتراك الخاص كإجراء احترازي، بالتوازي مع خطة جديدة لصيانة الشبكة. غير أنه لا يخفي شكوكه في أن أي حلول لن تحدث فرقاً إذا عادت التعديات كما كانت، خصوصاً أن التجارب السابقة أثبتت أن كل الحملات لم تصمد طويلاً.
المستشفى الذي افتتح عام 1992 يُعدّ الصرح الطبي المركزي شبه الوحيد في منطقة صور ومحيطها، ويقدّم خدماته للفلسطينيين وللاجئين السوريين، وللبنانيين الذين قصدوه بكثافة بعد الأزمة المالية نظراً إلى رمزية أسعاره وتنوّع خدماته.