لم تفلح «الصلوات» التي أطلقها كل من رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير «الأمن القومي» الإسرائيلي إيتمار بن غفير، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في إنقاذ حياة الناشط اليميني المتطرف والداعم لإسرائيل، تشارلي كيرك، الذي أُعلن عن خبر وفاته الأربعاء، بعد ساعتين من إصابته برصاصة في الرقبة. ورغم انتشار مقاطع فيديو تُظهر اعتقال رجل كبير في العمر، يُشتبه بأنه يقف خلف عملية القنص، بدا أن الآمال في القبض السريع على منفذ العملية في ولاية يوتا الأميركية قد تبخرت، عقب إعلان شرطة الولاية، في بيان في اليوم نفسه، إطلاق سراح رجلين كان يشتبه أنهما يقفان خلف الهجوم، وتأكيدها أنه «لا توجد حاليًا أي صلة بين أي من هذين الشخصين وإطلاق النار، فيما التحقيق والبحث عن مطلق النار مستمران».
سرعان ما نعى نتنياهو، في منشور عبر «أكس»، كيرك، قائلًا: «قُتل تشارلي كيرك لأنه قال الحقيقة ودافع عن الحرية. كان صديقًا قديمًا لإسرائيل، وحارب الأكاذيب ووقف بشموخ من أجل الحضارة اليهودية - المسيحية. لقد تحدثت معه قبل أسبوعين فقط ودعوتُه لزيارة إسرائيل. ومن المؤسف أن تلك الزيارة لن تتم. فقدنا إنسانًا رائعًا». من جهته، أعرب ترامب، في تدوينة على منصته «تروث سوشيال»، عن حزنه العميق على رحيل كيرك، واصفًا إياه بـ«الرجل العظيم، بل الأسطوري». كما اتهم «خطاب اليسار الراديكالي» بالمساهمة في اغتيال حليفه الوثيق والمؤثّر اليميني، واصفًا الأخير بأنه «شهيد الحقيقة والحرية».
في مقطع الفيديو الذي نشره على الشبكة، أردف ترامب: «منذ سنوات، واليسار الراديكالي يشبّه أميركيين رائعين من أمثال تشارلي بالنازيين وبأسوأ المجرمين والقتلة الجماعيين في العالم»، معتبرًا أن هذا النوع من الخطاب «مسؤول بشكل مباشر عن الإرهاب الذي نشهده اليوم في بلدنا، وهذا الأمر يجب أن يتوقف فورًا»، ومتعهدًا بتعقب «كل من أسهم في هذه الجريمة الشنيعة وفي أيّ عنف سياسي آخر، بما في ذلك المنظّمات التي تمولّهم وتدعمهم»، على حدّ تعبيره.
بدوره، رأى بن غفير أن «التواطؤ بين اليسار العالمي والإسلام المتطرف هو الخطر الأعظم الذي يهدد الإنسانية اليوم... رأى تشارلي كيرك الخطر وحذّر منه. لكن رصاصات القاتل الحقير أصابته».
كانت المقاطع المصورة التي تُوثق لحظة إصابة كيرك، خلال حديثه تحت خيمة بيضاء أمام آلاف الحاضرين ضمن فعالية جامعية في ولاية تويا (غربي الولايات المتحدة)، قد انتشرت بسرعة هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصلت نسبة مشاهدتها، عقب الإعلان عن وفاة الرجل، إلى أكثر من 11 مليون مشاهدة، ما دفع ببعض المشرعين الجمهوريين إلى دعوة شركات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك «أكس» و«فيسبوك»، إلى حذف مقاطع الفيديو.
بالإضافة إلى فيديوهات الإصابة، يُظهر مقطع التقطه تانر ماكسويل الذي حضر الحدث، وشاركه مع صحيفة «نيويورك تايمز»، شخصًا يركض عبر سطح أحد مباني الجامعة، فيما أظهر مقطع آخر رجلًا يستلقي على السطح نفسه قبل عملية إطلاق النار، ما دفع البعض إلى وصف العملية بـ«الاحترافية».
أكثر من مجرد «ناشط»
بالنظر إلى سيرة كيرك الذاتية ومواقفه، يُمكن فهم الأسباب الكامنة خلف حزن ترامب وحكومة نتنياهو المتطرفة عليه، جنبًا إلى جنب إعلان الرئيس الأميركي الحداد العام وتنكيس الأعلام في البيت الأبيض وسائر المؤسسات الأميركية لمدة أسبوع كامل؛ إذ نشر عدد من الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثلًا، جملة من مواقف كيرك «المستفزة»، من مثل انتقاده للحركات الداعمة للسود في البلاد، وتصوير الرجال البيض على أنهم ضحية للاعتدءات «غير المتناسبة». كما استذكر البعض تأييده لحق امتلاك الأسلحة في الولايات المتحدة، وإشارته، في غير محطة، إلى أن «وقوع عدد قليل من الوفيات الناجمة عن الأسلحة النارية كل عام، هو ثمن مقبول مقابل الحق في امتلاك الأسلحة النارية».
في الفترة الماضية، أمضى كيرك وقته في الدفاع عن الحرب الإسرائيلية في غزة، متسائلًا، في إحدى المناسبات، عمّا إذا كانت فلسطين «موجودة أم لا». وفي أيار من هذا العام، أثناء مناظرة مع طالب مؤيد للفلسطينيين في «جامعة كامبريدج»، برر استمرار الحرب لمدة عامين، قائلًا: «عندما تعلن الحرب على إسرائيل، توقع عاصفة نارية ردًا على ذلك». كما هاجم الديانة الإسلامية، مهينًا رموزها غير مرة.
إلى ذلك، ورغم أنه لم يكن معروفًا خارج الولايات المتحدة على نطاق واسع، فقد كان كيرك وجهًا صاعدًا مشهورًا في صفوف اليمين الأميركي، إلى درجة أن صحيفة «ذي أتلانتيك» وصفته في تقرير لها في تشرين الثاني الماضي بأنه «صانع الملوك الجديد في اليمين الأميركي».
في عمر الـ18 فقط، شارك كيرك في تأسيس مجموعة «Turning point USA» وهي مجموعة مناصرة محافظة غير ربحية، تحولت لاحقًا إلى أكبر حركة شبابية محافظة في البلاد، وأصبح هو، بدوره، لاعبًا رئيسيًا في أوساط المؤثرين المؤيدين لترامب، إلى أن بعض المراقبين وصفوه بأنه «وجه حركة (ماغا)». كما كان لديه 5.5 ملايين متابع على منصة «أكس»، واستضاف «برنامج تشارلي كيرك»، وهو بودكاست وبرنامج إذاعي يصل إلى أكثر من 500 ألف مستمع كل شهر.
بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، وفي سلسلة من المقابلات التي أجرتها الصحيفة معه ونشرتها في شباط، قال كيرك إنه زار البيت الأبيض «أكثر من مئة مرة»، خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وبعد انتخابات عام 2024 مباشرة، أصبح جزءًا من مجموعة حميمة من المستشارين الذين يقومون بفحص المرشحين المحتملين للبيت الأبيض لـ«التأكد من ولائهم».