(جريدة الأخبار)
في الجزء الثالث والأخير من الوثائق المتعلقة بالتدقيق في حسابات «الاعتماد المصرفي» والتي أظهرت وجود تلاعب في الحسابات وقيود على بعض العمليات المنفّذة على حسابات للزبائن لم يعلموا بها، فضلاً عن استعمال الناتج من هذه الأموال لتغذية حسابات استُخدمت في زيادة رأس المال بشكل مشبوه، فإن التدقيق تطرّق بوضوح إلى وجود آلية منهجية اتُّبعت في محاولة لإخفاء الأثر المالي للعمليات، كما أشار إلى أنه تمّت إساءة استخدام التعميم 151 المتعلّق بعمليات شراء العملة وبيعها مع مصرف لبنان. وقد استُخدمت بعض الحسابات في سبيل خلق قنوات تجميع للأموال من أبرزها حساب شركة «خير» تمهيداً لنقلها إلى حسابات أخرى
يكشف التقرير عن سلسلة معقّدة من العمليات المالية المرتبطة بحساب محمد علي الندوسي، والتي اتّسمت بعدم الشفافية وتعدد الأطراف المستفيدة. لم يكن حساب محمد علي الندوسي، يُدار كحساب فردي عادي، بل استُخدم كأداة لتسييل مبالغ كبيرة وتوزيعها عبر شبكة من الشركات والأشخاص المرتبطين مباشرة بإدارة البنك. هذه العمليات، اتّسمت بالتكرار وبتوزيع الأموال على مؤسسات عدّة وأفراد عديدين، وهي تعكس أسلوباً منهجياً في تدوير الأموال وإخفاء مسارها الحقيقي.
في كانون الأول 2018، تمّ سحب 1.5 مليون دولار من حساب الندوسي على شكل شيك لمصلحة Estate Solution SAL، فيما جرى في الوقت نفسه تسجيل عملية دفترية بقيمة 5.2 ملايين دولار حُوّلت إلى الليرة اللبنانية وأُدرجت كأرباح في دفاتر المصرف، من دون توضيح الهدف أو الجهة النهائية المستفيدة. هذه العمليات أظهرت منذ بدايتها استخدام الحساب كغطاء لتدوير أموال داخلية وتسجيل أرباح دفترية.
وفي حزيران 2021، ظهرت عمليات جديدة مرتبطة بالحساب، شملت إصدار شيك بـ 3.55 ملايين دولار لمصلحة Real Estate Solutions SAL، بالإضافة إلى دفعة بقيمة 250 ألف دولار كمقدّم إيجار. هذا الاستخدام يثبت استمرار اعتماد الإدارة على الحساب نفسه في تمرير أموال مرتبطة بمشاريع عقارية أو تسويات داخلية.
كما استُخدم الحساب بشكل متكرّر في إصدار شيكات لمصلحة First Fin Services LTD المملوكة لـرالف إدوار صيّاد، حيث سُجلت تحويلات متكررة بقيمة 500 ألف دولار في عامَي 2018 و2019، تم تدويرها عبر حسابات الشركة ثم إيداعها في مؤسسات مالية مختلفة مثل BLF وBemo Bank، لمصلحة حسابات منها حساب سيمون صفير وشركة Al-Medawar 660 SAL.
إضافة إلى ذلك، في تموز 2018، سُحب 1.65 مليون دولار من حساب الندوسي، قُسمت على ثلاثة شيكات أودعت في Bankmed وCredit Libanais، ما يعكس النمط نفسه من تفتيت المبالغ لتوزيعها على حسابات متعددة.
أيضاً أظهر التدقيق وجود مخالفات مرتبطة باستغلال التعميم 151 الصادر عن مصرف لبنان. فخلال مراجعة المراسلات الإلكترونية، تبيّن أنّ نديم فريد زيدان، المسؤول عن عمليات الصرف الأجنبي، تلقّى رسالة من نايلة فريد زيدان تتضمّن لائحة بأرقام حسابات طُلب استخدامها كمبررات لحجم العمليات المنفّذة، لتجاوز السقوف الموضوعة من قبل المصرف المركزي. غير أنّ المراجعة اللاحقة لم تكشف أي مبالغ مطابقة لهذه العمليات في التواريخ المذكورة، ما يعني أنّ الحسابات استُخدمت بشكل وهمي لتضليل الجهات الرقابية.
تشير هذه الممارسات إلى أنّ الإدارة عمدت إلى استخدام حسابات العملاء من دون علمهم كغطاء لتسجيل حجم عمليات أعلى من المسموح به، وبالتالي تحقيق أرباح غير مشروعة. وبذلك، تمّ تجاوز البروتوكولات والإجراءات التنظيمية المعمول بها، بما يشكّل إساءة واضحة للتعميم 151.
المراجعة الشاملة لعيّنة من الحسابات أكّدت وجود تلاعب وتضليل متعمّد في التقارير المقدّمة، بهدف تضخيم النتائج المالية وتحقيق مكاسب غير قانونية على حساب المودعين والأنظمة الرقابية.
شركة خير: قناة تجميع
في النصف الثاني من عام 2020، استُخدم حساب Kheyr SAL كقناة لتجميع مبالغ من أطراف مرتبطة بإدارة بنك الاعتماد (Equi Capital، جاك عودة، نديم فريد زيدان، وروني إدوار صياد شقيق رالف صياد)، ثم تحويل أجزاء كبيرة منها إلى الليرة على سعر صرف يبلغ 3,900 ليرة/ دولار، لسحبها نقداً أو لشراء شيكات بالدولار، مع تنفيذ عمليات شراء عملات كبيرة بالاستفادة من الفرق بين سعرَي الصرف 3,900 و1,520 ليرة للدولار.
بلغت قيمة الأرصدة المجمّعة في هذا الحساب 32.2 مليون دولار حُوِّلت إلى الحساب الشخصي لسليم يوسف خليل ثم استُخدمت لإصدار شيك بقيمة 27.9 مليون دولار لمصلحة طارق جوزف خليفة، وأعيد مبلغ 4.3 ملايين دولار إلى حساب خليل. ولاحقاً استُخدم مبلغ 29.7 مليون دولار لاحقاً لزيادة رسملة البنك.
الوثائق تشير أيضاً إلى أن 75% من العمليات كانت عبارة عن تحويلات / قروض لأطراف مرتبطة أو مساهمين / مودعين، و25% ناتجة من عمليات صرف عملات، وأن عدداً من التحويلات حصل من دون تواقيع / تعليمات من صاحب الحساب، مع وجود قسائم إيداع موثّقة، مقابل غياب إيصالات سحب، ما يعزّز الاشتباه بأن المالك المستفيد فعلياً من الحساب هو المصرف نفسه.
أيضاً تم تنفيذ سلسلة من التحويلات إلى حساب خير من جهات عدة مرتبطة أو أشخاص ذوي علاقة مباشرة، وجاءت على الشكل الآتي:
1. 13 مليون دولار من حساب Equi Capital Offshore SAL بتاريخ 4 آب 2020.
2. 1 مليون دولار من حساب جاك عودة بتاريخ 9 أيلول 2020.
3. 400 ألف دولار من حساب نديم فريد زيدان بتاريخ 22 تشرين الأول 2020.
4. 300 ألف دولار من حساب روني إدوار صياد بتاريخ 26 تشرين الأول 2020.
5. 1.5 مليون دولار من حساب جاك عودة مرة أخرى بتاريخ 26 تشرين الأول 2020.
6. 1 مليون دولار من حساب روني إدوار صياد مرة أخرى بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020.
7. 2 مليون دولار من جاك عودة مرة ثالثة بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020.
وإلى جانب التحويلات المباشرة بالدولار، نُفذت مجموعة من عمليات الصرف (FX operations) والتحويلات بالليرة، أبرزها:
1. في 9 أيلول 2020:
- عملية صرف نتج منها 6.35 مليارات ليرة. (تعادل 1.63 مليون دولار على سعر صرف 3,900 ليرة/دولار)، أرسلت إلى حساب «خير».
- مصدر هذه الأموال هي 3 تحويلات أُرسلت إلى روني إدوار صياد وهي:
▪ 541 ألف دولار من First Fin Services إلى روني صياد.
▪ 788 ألف دولار من First Finance Services إلى روني صياد.
▪ 138.7 ألف دولار إضافية أودعها روني صيّاد نفسه.
هذه المبالغ أرسلت لاحقاً إلى حساب نديم فريد زيدان، بناءً على تعليمات من نايلة فريد زيدان.
2. في 10 أيلول 2020:
- عملية صرف نتج منها تحويل 350 ألف دولار بسعر 3,900، من نديم زيدان إلى حساب «خير».
3. في 10 أيلول 2020:
- إيداع شيك بقيمة 900 ألف دولار من رالف إدوار صياد، صُرف على 3,900 ليرة للدولار، ونتج منه 3.51 مليارات ليرة.
4. في 10 تشرين الثاني 2020:
- صرف 6 ملايين دولار بسعر 3,900، نتج منها 23.4 مليار ليرة.
5. في 11 تشرين الثاني 2020:
- صرف 14 مليون دولار بسعر 3,900، نتج منها 54.6 مليار ليرة.
وخلال الفصل الرابع من سنة 2020 حُول مبلغ 18.7 مليون دولار من شركة Equi Capital ونديم زيدان وروني صياد وجاك عودة إلى حسابات شركة «خير». بعض هذه الأموال حُولت إلى ليرة على سعر 3900 ليرة للدولار، ثم سُحبت نقداً واستُخدمت لشراء شيكات بالدولار.
وعندما أصبح المبلغ في حساب «خير» 32.2 مليون دولار، حُول إلى حساب سليم يوسف خليل، وصُرف على شكل شيك ليودع في مصرف LGB. وفي 8 كانون الأول 2020 حُولت 4.3 ملايين دولار إلى حساب سليم يوسف خليل في بنك الاعتماد المصرفي.
وبحسب التقرير، فإن ما تبقى من المبلغ في حساب سليم يوسف خليل في مصرف LGB، حُوّل لاحقاً على شكل شيك مصرفي بالدولار لمصلحة حساب طارق جوزيف خليفة في نفس المصرف، ثمّ حُوّل على حساب سليم يوسف خليل في بنك الاعتماد المصرفي في 29 كانون الثاني 2021 ومنه إلى حساب شركة live Green، وهي واحدة من الشركة التي استخدمتها إدارة المصرف في عملياتها وحجبت قيود العمليات المنفذة في حساباتها (على الأرجح من دون علم صاحب الحساب). وبحسب التقرير أيضاً، هذه الأموال استُخدمت لاحقاً في زيادة رسملة البنك.
ولتغطية السحوبات الزائدة (Overdrafts) من حساب «خير»، جرى تسجيل عمليات عدة باعتبار أنها «إيداعات»، بينما في الواقع تمّ خصمها من دفاتر عامة، على الشكل الآتي:
● 14 مليون دولار بتاريخ 21 تموز 2020.
● 15 مليون دولار بتاريخ 24 تموز 2020.
● 10 ملايين دولار بتاريخ 28 تموز 2020.
● 10 ملايين دولار بتاريخ 4 آب 2020.
● 24 مليون دولار بتاريخ 7 و10 آب 2020.
● 43.1 مليون دولار بتاريخ 26 آب 2020.
هذه العمليات أدت إلى خسائر صافية في دفاتر البنك، تمت تغطيتها لاحقاً عبر عمليات صرف (LBP/USD FX operations).
تحويلات مشبوهة إلى أرمينيا
يعرض التقرير في قسم خاص القروض الممنوحة لعملاء في أرمينيا عبر شركات خاصة (SPVs) وغيرها من الكيانات الوسيطة. وقد أظهرت المراجعة أنّ الملفات الائتمانية كانت مُعدة بشكل كافٍ وتحتوي على الضمانات والتقييمات المطلوبة. لكن التدقيق العملي كان محدوداً بسبب غياب إمكانية الوصول إلى حسابات العملاء في أرمينيا. إجمالاً، بلغت القروض الممنوحة 47.64 مليون دولار، لكن لم يتم استرداد أي مبالغ منها. وهذه القروض تم تحويلها إلى أرمينيا عبر شركات عدّة أبرزها:
- E-Print LLC: حصلت بين 2012 و2013 على 9.5 ملايين دولار عبر بنك ID Bank – CJSC.
- KRPARK LLC: تسلّمت بين 2013 و2015 ما يقرب من 3.6 ملايين دولار عبر بنك ID Bank – CJSC.
- Sovrano LLC: حصلت في 2015 على 4.1 ملايين دولار عبر بنك ID Bank – CJSC.
- Free Invest S.A: تلقّت بين 2015 و2016 ما مجموعه 13.4 مليون دولار عبر JP Morgan – New York.
- Delta Credit LLC: حصلت في 2016 على 6.1 ملايين دولار عبر JP Morgan – New York.
- PIC – Private International Company SA: في 2016 و2017، حوّلت إليها مبالغ وصلت إلى 12.6 مليون دولار، عبر JP Morgan – New York.
- AHCA CJSC: حصلت عام 2017 على نحو 2.3 مليون دولار.
جميع المعلومات المتعلقة بملف أرمينيا – بخلاف ملفات القروض – مصدرها أطراف لها صلة مباشرة بالموضوع، ما يثير الشكوك بشأن حياديتها. وتشمل موظفين حاليين وسابقين في بنك الاعتماد، والمحامي بول جان مرعب حرب، الذي لعب دوراً في إعداد الملف وكان عضواً في مجلس الإدارة، بالإضافة إلى محامين آخرين وأطراف لها مصالح تعاقدية في القضية.
وتمّت الإشارة في وثائق لاحقة إلى وجود شكوك حول المستفيد الفعلي من شركة PIC، حيث أفاد المحامي جوزف جورج زغيب في إفادة موثّقة بأنّ المستفيد الفعلي هو بنك الاعتماد نفسه.