اوراق مختارة

نظام صحي بلا قلب... وبطاقة لا تنقذ

post-img

سارة هنداوي (جريدة الديار)

وعد فارغ... والحياة على المحك

في لبنان، بطاقة التأمين لا تنقذك... لكنها قد تقتل الانتظار.

لم يعد الخطر أن تمرض... بل أن تحتاج علاجًا.

أن تقع في يد نظام طبي لا يراك مريضًا بل رقمًا.

أن تصبح حياتك رهينة ورقة تأمين، أو توقيع موظف يتصرّف كقاضٍ في محكمة غير عادلة.

في بلد يُفترض أن يكون فيه "الضمان" هو خط الأمان الأخير، بات التأمين الصحي بابًا جديدًا للإذلال. آلاف اللبنانيين يحملون بطاقات التأمين على أمل الحماية، ليجدوا أنفسهم أمام ورقة بلا قوة. المستشفيات ترفض، شركات التأمين تماطل، والدولة شبه غائبة.

حالة رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، عبد الهادي محفوظ، مثال صادم: رغم امتلاكه بطاقة تأمين من Globe Med، لم يبدأ العلاج إلا بعد تدخل وزيرين لتسهيل الإجراءات.

إذا كان المسؤول يحتاج وساطة للحق الأساسي بالصحة، فماذا تُرك لمواطن عادي؟

شركات التأمين… سلاطين فوق القانون

شركات التأمين تتحكم بالملفات الصحية كما تتحكم البورصة بالدولار:

من يُعالج، ومن يُترك ينتظر، ومن يُحاسب... كل ذلك بلا آلية رقابية واضحة.

وزارة الاقتصاد، المفترض أنها الجهة الرقابية، تكتفي بالبيانات التذكيرية، بينما المواطن على سريره يكتشف أن الحياة تُحكم أحيانًا بالأوراق أكثر من الأطباء.

في لعبة المصالح المالية، الأرواح ليست سوى أرقام تُرفع أو تُخفض على شاشات المديرين. المواطن هو الخاسر الأكبر، والقانون شبه غائب، والرقابة نائمة.

حتى الرئيس جوزيف عون، في بيانه الأخير، شدّد على أهمية الرقابة والإصلاح، مؤكداً أن النظام الصحي يحتاج تدخلًا حقيقيًا لا مجرّد بيانات رسمية، لكن الواقع يقول إن الآليات الرسمية عاجزة عن حماية المواطن العادي.

التأمين يحمي الشركات... لا المرضى

التأمين الصحي تحوّل إلى واجهة تجارية: الأرباح على حساب الاستثناءات، البنود الصغيرة التي تُخفي الرفض خلف لغة قانونية، الحالات الطارئة تُعتبر"خارج العقد".

التأمين الصحي… ليس حماية للمريض، بل غطاء لأرباح الشركات. أي مرض طارئ؟ خارج العقد، خارج الرحمة.

عبد الهادي أكد أن الأدوات الرسمية والضغط السياسي أحيانًا تُفعل حقوق بعض المسؤولين، بينما المواطن العادي يبقى أسير البيروقراطية.

الحكومة مطالبة بالتدخل الفوري لإعادة هيكلة القطاع وضمان التزام شركات التأمين بالقانون، قبل أن تتحول الحياة إلى لعبة حظ.

المستشفيات… المال قبل الحياة

المستشفى لم يعد مكانًا للشفاء، بل مؤسسة مالية تُدار وفق بنود التأمين.

المرضى بلا واسطة يُتركون ينتظرون الموافقة، وغياب الدولة يسمح لهذه الممارسات أن تصبح قانون الواقع.

المواطن يُحاسب على الفقر أكثر من المرض، والمستشفى يتحول إلى ساحة تجارة بالقيم الإنسانية. كل ثانية تأخير، كل رفض، كل ورقة... حياة تُنهب.

شهادة مواطن: "كنت أظن أن بطاقتي تحميني، لكنني انتظرت 8 ساعات قبل أن أُقبل… وكان الوقت كافيًا لأن تتدهور حالتي".

الدولة غائبة… والمواطن يدفع الثمن

الانهيار ليس حادثة فردية، بل قاعدة مألوفة.

الوزراء يتدخلون فقط عندما يُعطل النظام، والناس تعتمد على الصدفة أكثر من القانون.

الدولة تركت البشر لليأس، والطب للبيروقراطية، والصحة للمصادفة، مع غياب الرقابة الفعلية على الشركات وتنسيق حقيقي مع نقابة الأطباء.

كل فرد على سريره، محكوم عليه بالصدفة أو الفقر.

الإعلام يلعب دور الشاهد الحقيقي: يكشف العيوب، يعرّي الانهيار، ويضع المسؤولين أمام الواقع، كما شدد عبد الهادي على أن الكشف عن الخلل أفضل من تغطيته بأي بيانات رسمية.

وفق أرقام وزارة الصحة، أكثر من 40% من الحالات الطارئة تُرفض بسبب الإجراءات الإدارية، ما يضاعف معاناة المواطنين ويحوّل حياة البشر إلى مراهنات على البيروقراطية.

تبعات الفشل: فساد، معاناة، وانعدام العدالة

غياب الرقابة لا يضر فقط بالمريض، بل يفتح الباب للفساد المنتظم:

شركات التأمين ترفض بلا سبب واضح.

المستشفيات تطوّر سياسات "مالية أولًا، علاج لاحقًا".

الوزارات والهيئات الرسمية تكتفي بالبيانات الرسمية بينما المواطن يدفع الثمن.

كل يوم بلا رقابة، حياة جديدة تُخسر، والفجوة الطبقية تتوسع بشكل قاتل.

بطاقة بلا حماية… نظام بلا قلب

إذا كان المسؤول يحتاج تدخل وزيرين لتفعيل تأمينه، فهذا يعني أن المنظومة كلها على شفير الانهيار.

الرقابة شبه غائبة، القوانين تُخالف يوميًا، والمواطن يعتمد على الحظ أكثر من الحق.

المواطن في لبنان يُترك وحيدًا على سرير بلا قلب، وبطاقة لا تحميه... الرؤساء ينامون، الحكومة تغيب، والقوانين تُخترق دون رادع. كل ثانية تأخير... حياة جديدة تُنهب، ومع كل ورقة تُرفض، يزداد شعور اليأس.

والسؤال الذي يوجع: كم شخصًا آخر يجب أن يموت قبل أن تتحرك الدولة؟

كم عدد الأرواح التي ستذهب هباءً قبل أن يفي الرؤساء بوعدهم؟

ومتى سيصبح حق اللبناني بالعيش أولوية حقيقية لا ورقة فارغة؟ 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد