اوراق مختارة

«تهريبة» نيابية لتعديل نظام التقاعد: رفع المحسومات التقاعدية إلى 8%

post-img

فؤاد بزي (جريدة الأخبار)

رويداً رويداً تقضم السلطة السياسية مكتسبات موظفي القطاع العام. ففي آخر الإبداعات التشريعية، دسّت مجموعة من النواب في قانون «تنظيم الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصة والموازنة المدرسية»، مادة تقضي برفع نسبة المحسومات التقاعدية من رواتب موظفي القطاع العام إلى 8% بدلاً من 6%. ولم يحصل الأمر بشكل مبرّر ومدروس، بل إن كل موادّ هذا القانون كانت تتعلق بالمدارس الخاصة باستثناء المادة المدسوسة التي تأتي بلا أي دراسة علمية عن حاجة صندوق التقاعد إلى تعديل كهذا وما أثره المالي على التوازن في نظام التقاعد ومدى تآلف هذه الخطوة مع شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الرامية إلى إجراء تعديلات جذرية على نظام التقاعد في القطاع العام وتقليصه إلى أدنى الحدود. وأكثر ما هو لافت، أن المحسومات التقاعدية للقطاع الخاص، أعيدت بقانون آخر إلى 6%، بينما بقيت محسومات العاملين في القطاع العام على التعديل الأخير، أي 8%.

في 12 حزيران الماضي، أقرّ مجلس النواب القانون الرقم 12 والذي تضمّن من بين مواده الثماني التي تعدّل في تنظيم أوضاع الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية، مادة وحيدة مغايرة قضت برفع نسبة المحسومات التقاعدية لكل موظفي القطاع العام من 6% إلى 8%. فقد نصّت المادة الثالثة من القانون الرقم 12، على تعديل «البند 2 من المادة السادسة من المرسوم الاشتراعي الرقم 47 تاريخ 26/8/1983 ليصبح على الشكل التالي: ثمانية بالمئة من الراتب». وهذا المرسوم الاشتراعي يتعلق بـ«نظام التقاعد والصرف من الخدمة» ويحدّد الموظفون الخاضعون لشرعة التقاعد وأحكام انطباق القانون عليهم والميزات التي يحصلون عليها والمكاسب وسواها.

واللافت، أن التعديل الوارد في المادة الثالثة، لم يكن موجوداً في مسوّدة المشروع التي قدّمها النائب الياس أبو صعب والتي كانت تحصر كل بنود الاقتراح بتعديل وضع صندوق التعويضات الخاص بأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة من خلال رفع مساهمة المدرسة الخاصة في تغذية صندوق التعويضات بنسبة 8% من مجموع الرواتب والـمساعدات. فلماذا دُسّت المادة المتعلقة بنظام موظفي القطاع العام في نظام يتعلق بأفراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة؟

كان واضحاً أن عملية الدسّ لم تكن مبرّرة بمقدار ما كانت «تهريبة». فلم يُذكر في الأسباب الموجبة أي مبرّرات تدلّ على أي دراسة علمية متصلة بنظام التقاعد في القطاع العام. ولم يكن أحد ليعلم بهذه التهريبة لولا طلب وزير المال ياسين جابر من الإدارات العامة البدء باحتساب نسبة المحسومات التقاعدية وفقاً للقاعدة الجديدة، أي 8%، اعتباراً من أول تموز الماضي، بحسب ما جاء في تعميمه الذي حمل الرقم 3808. وهذا يعني أن المحسومات ستطاول رواتب الموظفين المقبلة في نهاية شهر تشرين الثاني.

إزاء هذه المستجدات، تحرّكت روابط الموظفين على استحياء، كعادتها، وأعلنت تنفيذ إضراب يوم الخميس المقبل ليوم واحد فقط. خطوة تبدو أقرب إلى خطوات «التدجين» التي اعتادت قوى السلطة ممارستها ضدّ العمال. ففي المضمون، لا يُعدّ تعديلاً كهذا مجرّد رفع لنسبة ما. بحسب النائب بلال عبدالله فإن المادة الثالثة «دُحشت» في القانون، مؤكّداً أنّه «تقدّم باقتراح قانون لإعادة نسبة المحسومات التقاعدية إلى ما كانت عليه قبل التعديل، أي 6%». إلا أنّ مصادر على اطّلاع بما يحصل في أروقة وزارة المال، قالت لـ«الأخبار» إن تمرير رفع نسبة المحسومات التقاعدية من 6% إلى 8% ليس أمراً يندرج تحت صفة «سقط سهواً»، بل هو «نهج لجمع المال من كلّ المصادر الممكنة حتى من رواتب الموظفين، وتنفيذاً لتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد رغم توصيات معارضة في دوائر وزارة المال أبلغت الوزير أنه لا ضرورة لزيادة نسبة المحسومات التقاعدية».

ففي الدولة لا يوجد صندوق لأموال التقاعد، بل جارور. وتصرف المالية من هذا الجارور كيفما تشاء، وتوزّع أموال المحسومات التقاعدية على أبواب صرف أخرى في الدولة غير تمويل المعاشات التقاعدية. لذا، وفي ظل عدم وجود صندوق للمتقاعدين، «لن يجدي نفعاً رفع نسبة المحسومات التقاعدية، إذ لن تساهم في زيادة التقديمات للمتقاعدين»، تقول المصادر. فالدولة تحتسب المحسومات التقاعدية كإيرادات في الموازنة، وهي ليست كذلك، بل هي ذمم مالية يجب استثمارها وإعادتها إلى أصحابها، أي إلى المتقاعدين.

وهنا يلفت النقابي محمد قاسم إلى «وجود 5 مراسيم اشتراعية تهدف إلى إنشاء الصندوق المستقلّ للتقاعد، وتوظيف أموال المحسومات التقاعدية لخدمة المتقاعدين». لكنّ «الحكومات المتعاقبة تتنصّل منها، وتحوّل أموال المحسومات التقاعدية إلى الخزينة العامة وتصرفها بأشكال مغايرة لهدفها الأساسي، وفي أبواب مختلفة، وعندما تسأل الحكومة عن الأموال الخاصة بالمتقاعدين يكون الجواب بأن النظام التقاعدي سيّئ ويجب تعديله وتخفيض نسبة المعاش». لذا، يستغرب قاسم أن لا يكون بند إسقاط نسبة 2% الإضافية من الرواتب بنداً أساسياً على جدول أعمال الروابط. ولفت إلى أنّ «المعاش التقاعدي في تراجع مستمر من 110% لأساتذة التعليم الثانوي، و100% لبقية القطاعات إلى 85%». والمشروع الجديد لمجلس الخدمة المدنية يتوافق مع توجيهات البنك الدولي وصندوق النقد لإدخال تخفيضات جديدة على المعاش لتصبح نسبته 70% من راتب الموظف.

فوضى التشريع

فظائع فوضى التشريع لا تعرف حدوداً، فالقوانين التي تنظّم وضع صندوق التعويضات لأساتذة المدارس الخاصة متضاربة، وتصدر وفقاً لهوى الجهات المالية والسياسية المسيطرة على المدارس الخاصة. الآن، يوجد قانونان متعارضان ينظّمان نسبة المحسومات التقاعدية من أجور أساتذة المدارس الخاصة. الأول، هو القانون الرقم 12، والذي رفع نسبة المحسومات التقاعدية إلى 8% وحمّلها للمدارس. ولدى صدوره، اعترضت المدارس الخاصة، وأضربت المدارس الكاثوليكية، فخضع النواب وأُصدر قانون آخر. وهو القانون الثاني، الرقم 5، والذي صدر في الجريدة الرسمية قبل صدور النسخة الأولى من القانون التي حملت الرقم 12. وفيه أعيدت نسبة المحسومات التقاعدية التي تدفعها المدرسة إلى 6%. وبحسب المحامي باتريك رزق الله، «يوجد الآن قانونان نافذان يرعيان أوضاع صندوق التعويضات الخاص بأساتذة التعليم الخاص». وبسبب الاعتراض الكبير من المدارس الخاصة على القانون الأول، أي القانون الرقم 12، فضّلت نقابة المعلمين السير بالقانون الثاني، الرقم 5، وتطبيق مندرجاته.

2.5 دولار تعويض الزوجة والأولاد

أقرّ نظام التعويضات والمساعدات أي المرسوم الرقم 3950/1960 قيمة التعويض العائلي على أساس 20% من الحدّ الأدنى للأجور عن الزوج أو الزوجة، و11% من الحدّ الأدنى للأجور عن كلّ ولد مُعال، على أن لا يتجاوز مقدار التعويض عن الأولاد نسبة 55%، أي 5 أولاد. ولكن ومنذ عام 1999، جمّدت الحكومات المتعاقبة الحد الأدنى للأجور الذي يُحتسب على أساسه التعويض العائلي عند مبلغ قيمته 300 ألف ليرة، ما يعني أنّ مجمل التعويض العائلي لموظف متزوج وله 5 أولاد يساوي اليوم 225 ألف ليرة، أي دولارين ونصف دولار.

هذا على مستوى موظفي القطاع العام الموعودين اليوم باقتطاعات جديدة من رواتبهم. أما في القطاع الخاص، فصُحّحت بشكل جزئي التعويضات العائلية، وأصبحت مليوناً و200 ألف ليرة عن الزوج أو الزوجة، و660 ألف ليرة عن كلّ ولد. وبحسب النقابي محمد قاسم «يجب العمل لاستعادة الحق على أساس 75% من الحدّ الأدنى الجديد، أي 28 مليون ليرة، ويمكن مؤقتاً القبول بما وافق عليه الاتحاد العمالي العام للأسف».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد