تعيش مدينة طنجة (شمال المغرب) حاليًا على إيقاع سينمائي خالص، بعد أن تحولت إلى قبلة لنجوم الفن السابع المغاربة في الدورة الخامسة والعشرين من «المهرجان الوطني للفيلم»، الذي جرت العادة أن يفرش سنويًا سجادته الحمراء لاستقبال الممثلين والمخرجين وكتاب السيناريو والنقاد والمهنيين، ضمن تظاهرة تُعد الأبرز في أجندة السينما المغربية.
المهرجان، المنظم تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، افتُتح مساء الجمعة الماضي في قصر الفنون والثقافة بحضور وجوه من الوسطين الفني والثقافي، حيث شهد الحفل تقديم لجان التحكيم وإلقاء كلمات رسمية، إلى جانب لحظة وفاء وعرفان تمثلت في تكريم المخرج والممثل والمنتج أحمد المعنوني، أحد الوجوه البارزة في المشهد السينمائي المغربي، الذي بصم على مسار غني وحافل بالأعمال المتميزة التي نالت الجوائز في العديد من المهرجانات الوطنية والدولية.
اختارت إدارة المهرجان أن تعرض خلال حفل الافتتاح شريط «الحال» (1980)، وهو أحد أفلام المعنوني، الذي يؤرخ لتجربة المجموعة الغنائية الشهيرة «ناس الغيوان». ويُعد الفيلم وثيقة فنية وثقافية عن فترة من تاريخ المغرب الفني الحديث، وجرى ترميمه في إطار مشروع السينما العالمية التابع لمؤسسة السينما، ليُعرض لاحقًا ضمن فقرة «كان كلاسيك» في مهرجان «كان» الدولي سنة 2007، بتقديم من المخرج العالمي مارتن سكورسيزي الذي طالما أبدى اعجابه بالمغرب وبالسينما المغربية.
الدورة الجديدة للمهرجان تُعد أول حدث سينمائي وطني كبير يُنظم بعد تعيين الإعلامي رضا بنجلون مديرًا جديدًا للمركز السينمائي المغربي، ما جعلها محط أنظار المتابعين والمهنيين، الذين يرون فيها اختبارًا أوليًا للمدير الجديد، خاصة في ظل التحديات التي تواجه القطاع السينمائي في المغرب.
تشتمل هذه الدورة على أربع مسابقات رسمية تهم الأفلام الروائية الطويلة، والأفلام الوثائقية الطويلة، والأفلام القصيرة (الروائية والوثائقية)، إضافة إلى مسابقة خاصة بأفلام مدارس ومعاهد السينما في المغرب.
ومن المنتظر أن تُوزّع 14 جائزة على الفائزين في فئة الأفلام الروائية الطويلة، و3 جوائز للأفلام الوثائقية الطويلة، ومثلها للأفلام القصيرة، في حين خُصصت جائزتان لأفلام مدارس السينما، وذلك بإشراف لجان تحكيم تضم نخبة من الأسماء المعروفة في مجال الإخراج والتمثيل والنقد السينمائي.
يرأس لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة المخرج حكيم بلعباس، وتضم في عضويتها الممثلة نادية كندة، والمخرجة وكاتبة السيناريو ياسمين بنكيران، والمنتجة مريم لي أبو النعوم، ومدير التصوير التونسي أمين مسعدي، والكاتب عبد القادر الشاوي، والمخرج كمال الأزرق.
أما لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية الطويلة فيرأسها المخرج محمد العبودي، وتضم المنتجة والمخرجة عائشة ماكي كيدي من النيجر، والمنتجة والموزعة سهام الفايضي، والمخرج والموسيقي عدنان بركة، ومخرج الأفلام الوثائقية جواد بابيلي. وترأس لجنة الأفلام القصيرة المخرجة حليمة الورديغي، بمشاركة الباحثة ليلى الرحموني، والمخرج إلياس الفارس، ومدير المسرح الوطني محمد الخامس محمد بنحساين، والمخرج عماد بنعمر.
أما لجنة تحكيم مسابقة أفلام المدارس والمعاهد فتضم المخرج مولاي الطيب بوحنانة رئيسًا، إلى جانب الباحثة والمنتجة بهيجة ليوبي، ومهندسة الصوت سارة قدوري.
يستمر المهرجان إلى غاية 25 تشرين الثاني/ أكتوبر الجاري، في دورة خيم عليها الحنين والوفاء لأسماء غابت عن الحياة، من بينها الممثل محمد الشوبي الذي كُرم في الدورة السابقة، قبل أن يرحل متأثرًا بالمرض الذي لم يمنعه من الحضور لتلقي التكريم. كما تم تخصيص التفاتة مؤثرة للإعلامي والناقد السينمائي علي حسن، عبر ملصق المهرجان الذي يُحيل على فيلمه الشهير «ابن السبيل»، تخليدًا لعطائه في مجال النقد والبرامج السينمائية، وخاصة برنامجه التلفزيوني «سينما الخميس» الذي رافق أجيالًا من عشاق السينما المغربية.
مع مرور ربع قرن على تأسيس المهرجان الوطني للفيلم، لا تزال بعض الملاحظات تلاحقه من قبل المهنيين والإعلاميين. فقد كتبت الصحافية سعيدة شريف تدوينة عن «بركات المدير الجديد للمركز» وانتقدت سوء تدبير حضور الصحافيين، قائلة: «في الوقت الذي تم فيه حجز مقاعد لصحافيين لم تُرسل لهم دعوات، يُهمّش العديد من الصحافيين الذين رافقوا المهرجان على مدى سنوات، دون أن تكلف إدارة المهرجان الجديدة نفسها عناء الرد عليهم، لا بالقبول ولا بالرفض». وتساءلت بأسف: «أبهذا الشكل المخزي تُعامل الصحافة الوطنية التي واكبت المهرجان على مدى 25 دورة؟ وما موقف الصحافيين من هذا السلوك المهين لمهنتهم؟»، وختمت بمثل مغربي دارج: «الفقيه لي نتسناو بركته دخل الجامع بسباطو» (تعني الفقيه الذي ننتظر بركته دخل للمسجد بحذائه)، في إشارة لاذعة إلى المدير الجديد للمركز السينمائي المغربي، الذي كان بدوره صحافيًا في السابق.
من جانبه، وجّه الصحافي والناقد السينمائي عادل السمار انتقادات إلى ملصق المهرجان معتبرًا أنه «غير موفق»، موضحًا أن الأمر لا يتعلق فقط بـ «حامل بصري أو تواصلي»، بل «بواجهة تعبّر عن هوية الحدث وتوجهه الفني»، مضيفًا أن تصميم الملصق يعكس «أحد مظاهر الارتجال والاستسهال» التي تعاني منها السينما المغربية اليوم.
أما الإعلامي والناقد بلال مرميد، فقد اختار أن يوجه رسالة مفتوحة إلى المدير الجديد رضا بنجلون، جاء فيها أن «مرور أربعة أشهر على تعيينه مدة كافية للانطلاق في إصلاح قطاع يحتاج إلى دينامية متجددة»، مضيفًا أن «المهرجان الوطني للفيلم يُفترض أن يشكل أول اختبار حقيقي في كيفية التدبير، لا في الكثرة».
وانتقد مرميد «البرمجة» غير المحدثة للأفلام المشاركة، لأن أغلبها «صُور قبل عامين وعُرض العام الماضي”، متسائلًا: «هل يمكن تخيل مهرجان السيزار في فرنسا يتنافس فيه أفلام أنتجت قبل عامين؟».