رضا صوايا (صحيفة الأخبار)
في جمهورية الفوضى والمحسوبيات والقرارات العشوائية، يبدو أنه مكتوب ألّا ينجو أحد من الأذى؛ لا البشر ولا الحجر ولا المواقع الطبيعية... ولا حتى الحيوانات المهددة بالانقراض. ومن الأمثلة على ذلك، مغارة الفقمة في عمشيت الواقعة تحت الخطر منذ سنوات. فرغم المراجعات والشكاوى، وآخرها الكتاب الصادر عن وزيرة البيئة تمارا الزين منذ يومين إلى النيابة العامة التمييزية، وتطلب فيه من الأجهزة الأمنية المعنية وقف كل الأعمال الجارية في العقار 345 في عمشيت، إلّا أن بناء الـ«فيلا» لا يزال مستمراً.
تعد مغارة الفقمة بحسب كتاب وزارة البيئة «موئلاً طبيعياً ذا أهمية بيئية استثنائية»، إذ إنها «موئل فقمة الراهب المتوسطية المهددة بالانقراض». ويوضح الناشط البيئي، فريد أبي يونس، أن «التعدي على الموقع يحمل تبعات دولية بعد توقيع لبنان اتفاقية برشلونة لحماية الأنواع البحرية المهددة بالانقراض».
تعود رخصة البناء في العقار المذكور إلى عام 2020، وهو منذ ذلك الحين موضع نزاع قضائي - وزاري. وأوضج رئيس جمعية «الأرض - لبنان»، بول أبي راشد، أن جمعيته «لجأت إلى النيابة العامة البيئية منذ عامين لغياب دراسة أثر بيئي للمشروع»، كما تقدمت بـ«مراجعة لدى مجلس شورى الدولة، طلبت بموجبها وقف تنفيذ وإبطال رخصة البناء الرقم 19/2020 الصادرة في 2/12/2020، وقرار وزير البيئة ناصر ياسين الرقم 2494/ب الصادر في 24/10/2022، الذي سمح بالعمل في الموقع من دون دراسة تقييم أثر بيئي، مكتفياً بطلب خطة إدارة بيئية، وهو ما يُعدُّ هرطقة قانونية».
ويرى أبي يونس أن «ياسين أعطى لأصحاب العقار فرصة لخدمة مصالحهم. فدراسة تقييم الأثر البيئي هي دراسة مسبقة إما تسمح أو تمنع المشروع، وفي هذه الحالة تمنع المشروع لأن هناك حيوانات مهددة بالانقراض تسكن في المغارة. لكن ما فعله الوزير هو الاكتفاء بطلب استعمال آليات صغيرة للحفر، ووضع أجهزة استشعار للتثبت في حال تعرضت المغارة للاهتزاز!».
هذه الاتهامات يُدعّمها الكتابُ الصادر عن وزيرة البيئة، ويحمل في طياته اتهاماً مبطناً لياسين، إذ نص على أن «مراجعة الملف إدارياً بيّنت أن المشروع يجب أن يخضع لدراسة تقييم أثر بيئي شامل، وليس لخطة إدارة بيئية كما طلبت وزارة البيئة في العهد السابق، وهو ما يعد خطأً إجرائياً، يتعارض مع ما ينص عليه مرسوم تقييم الأثر البيئي الرقم 8633/2012». «خطأ» الوزير السابق لا يتوقف هنا، إذ يشير كتاب الزين إلى أن «وزارة البيئة في حينها وافقت على متابعة أعمال البناء وفقاً للخطة البيئية التي تقدم بها صاحب المشروع، من دون انتظار التعديلات التي أوصت بها لجنة مراجعة الخطة في الوزارة».
وعن اعتبار أصحاب الأرض رفض مجلس شورى الدولة المراجعة المقدمة من «الأرض - لبنان»، تفويضاً لهم بالاستمرار، يجيب أبي راشد بأن «المجلس لم يرفض الدعوى بالمضمون، بل اعتبر أن المراجعة قُدّمت خارج المهلة القانونية، أي رفضها لأسباب شكلية فقط».
وزارة الأشغال العامة والنقل أيضاً دخلت على الخط، فوفقاً لأبي راشد، «منح وزير الأشغال منذ حوالى أسبوع لأصحاب المشروع إذن مباشرة أعمال».
كل ذلك يؤكد ما ذهبت إليه مصادر مطلعة، بأن «الضغوط السياسية كبيرة في هذا الملف، لكون زوج شقيقة صاحبة العقار هو المدير العام لإحدى المحطات التلفزيونية الكبرى في لبنان، ومحامي صاحبة العقار هو الوكيل القانوني للمحطة».
بدوره، يقول رئيس بلدية عمشيت جوزيف الخوري إن «الرخصة مُنحت منذ 5 سنوات، وعادت وتوقفت لمدة عامين. لكن أخيراً صدرت موافقة بمباشرة الأعمال من جديد من قبل المحافظ ومجلس شورى الدولة». ويضيف أنه حذر أصحاب المشروع من أنه «في حال مخالفة الشروط، مثل إدخال جرافات كبيرة إلى الموقع، أو الحفر لأكثر من مترين، فإنني سأوقفهم، وقد التزموا بهذا الأمر».
ويعتبر الخوري أن «لا صلاحية له لإيقاف قرار صادر عن وزير البيئة السابق والمحافظ ومجلس شورى الدولة»، لافتاً إلى أنه سيطلب بعد صدور كتاب الزين إرسال لجنة للكشف على الموقع. وبعد إشارته إلى أن هناك مسؤولين عدة أعلى تراتبية منه معنيين بالموضوع، تساءل الخوري: «النزاع عمره 5 سنوات، فلماذا لم يتم تصنيف هذا الموقع بيئياً رغم المعرفة بأهميته وفرادته؟».