اوراق مختارة

كيف أثرت التجارة الاكترونية في تجّار لبنان؟

post-img

مارينا عندس (صحيفة الديار)

لطالما كانت التّجارة في لبنان هي الركن الأساسي "لجوهرة" الوضع الاقتصادي في البلد. فعلى مرّ السّنين، أثبت لبنان قدرته على التّجارة الداخلية والخارية نتيجة انفتاحه الثقافي واللغوي، وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، بحيث يربط بين اوروبا وآسيا وأفريقيا.

ورغم تطوّر وضع التّجار في لبنان، فإنّ هذا الواقع يعكس مزيجًا بين المرونة من جهة، والتّحديات الأخرى من جهة أخرى، منها اقتصادية وأخرى أمنية وتقنية. ونحنُ هنا لنتحدّث عن النقطة الثالثة: التحديات الالكترونية.

التّحوّل نحو التّجارة الإكترونية

شهدت التجارة الاكترونية "أو ما يُعرف بالتجارة عبر الانترنت" تطورًا ملحوظًا في جيلنا هذا، بعد أن اكتسحت شبكات الانترنت معظم القطاعات، سيّما قطاع التّجارة منذ أيام كورونا حتّى ساعتنا هذه. لذلك، بعض التّجار استغلّوا الوضع واستثمروا في البيع على المنصّات المحلية والعالمية وقاموا بتوسيع رقعتهم وبيع الأغراض والمستلزمات الأساسية منها والرفاهية لأكبر عددٍ ممكنٍ من الزبائن، من دون تكاليف الايجارات وغيرها. فقط من خلال دفع الجمرك و "الديلفري" والتوصيلات. لكنّ القسم الأكبر كان ما يجري. منهم من أغلق المحلات وجلس في منزله من دون أي مكسبٍ، ومنهم من حاول مرارًا وتكرارًا من دون أيّ جدوى. فما الذي حصل بالضبط؟

تراجع المبيعات في المتاجر التقليدية

كثرٌ من الزبائن اتّجهوا نحو التجارة الاكترونية، بحيث يمكنهم أن يتسوّقوا ما يحلو لهم بوقتٍ قليلٍ، بكبسة زرٍ كل ما عليهم فعله ارسال موقع المنزل. وبهذه الطريقة، يخسر التاجر التقليدي زبائنه خصوصًا جيل الشباب. والمعضلة، أنّه يتنافس مع منافسين غير شرعيين ولا حسيبٍ ولا رقيبٍ.

تقول سيّدة أربعينية، إنّها "غالبًا ما كانت تتبضّع من تجّار جونية لشراء بعض الألواح والزخرفة والتلوين للأطفال. لكنّها هي نفسها وقعت في فخ شرائها "اونلاين". وتسأل: إذا أنا نفسي بتّ أشتري البضاعة اونلاين لأنها أقل تكلفة، فهل سأعتب على الزبون؟"

في دراسة Ipsos بعنوان Spotlight Lebanon – Online Shopper Behaviour & Attitudes عام 2024، تبيّن أن حوالى 2 من كل 5 أشخاص في لبنان أصبحوا "متسوّقين عبر الإنترنت".  التقرير يقول إنّ "العاملين الرئيسيين وراء التسوّق الإلكتروني هم: الراحة (67 %) والعروض الجذّابة (52 %).

تقرير آخر لـ Ipsos بعنوان Shopper Behaviour & Attitudes أيضًا عام 2024 يشير إلى أن "9 من كل 10 متسوّقين في لبنان ما زالوا يفضّلون التجربة في المتجر الفعلي، و4 من كل 5 يُفضّلون إنفاقهم على منتجات مادية بدلاً من تجارب".

موقع Statista يُقدّر أنّ "الإيرادات في سوق التجارة الإلكترونية في لبنان ستبلغ حوالى 1.01 مليار دولار أميركي أواخر عام 2025، مع نسبة انتشار (penetration) للتسوّق الإلكتروني بنسبة حوالى 26.0 % في نفس العام".

الحلول البديلة سيّدة الموقف

على الرّغم من أنّ التجارة الإلكترونية في لبنان مثّلت فرصًا للنمو والتوسع، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي دفعت الكثيرين إلى البحث عن حلول بديلة، فإنها في الوقت ذاته شكّلت تحديًا كبيرًا للتجار التقليديين الذين وجدوا أنفسهم أمام منافسة غير متكافئة وسوق متغيّر بسرعة. فبينما تنمو المنصات الإلكترونية، تتراجع الحركة في المتاجر الفعلية، ويتزايد الضغط على التجار المحليين الذين يفتقرون إلى البنية التحتية الرقمية، والدعم المالي، والتشريعات التي تنظّم هذا التحوّل.

أبو نبيل تاجر أحذية في بيروت، ورث محله عن والده، وكان معروف بجودة بضاعته وعلاقته الطيبة مع الزبائن. ازدهر عمله لسنواتٍ، ولكن بعد عام 2018 بدأ يلاحظ تغيرًا في سلوك الزبائن.

كانوا يجرّبون الأحذية ويصورونها ثم يغادرون دون شراء. اكتشف لاحقًا أنهم يشترون من الإنترنت بأسعار أرخص. ومع جائحة كورونا في 2020، تراجع عمله بشكلٍ كبيرٍ، بينما ازدهرت التجارة الإلكترونية. حاول مجاراة السوق بفتح صفحة على إنستغرام وموقع إلكتروني، لكنه لم ينجح بسبب ضعف الخبرة وقلة الموارد. وعام 2024، وبعد أكثر من 40 عامًا في السوق، أغلق محله نهائيًا.

ويقول: "أسفت على ما حصل لي، وحزنت ليس لأنني أغلقت باب رزقي فحسب، بل لأنني عجزت عن مواكبة العصر".

إنّ مستقبل التجارة في لبنان لن يُبنى فقط على سرعة التحوّل الرقمي، بل أيضًا على قدرة الدولة على توفير بيئة عادلة ومنظّمة، وعلى مرونة التجار أنفسهم في مواكبة هذا التغيير واستغلاله بما يخدم مصالحهم ويُعيد التوازن للسوق.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد