لينا فخر الدين (الأخبار)
انشغلت الأوساط القضائية في الساعات الماضية بما حمله وفد ليبي رسمي إلى لبنان بشأن قضيّة الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وسط تسريبات بأن في جعبة الوفد ما قد يُحدِث تحوّلًا في مسار القضية. واكتسبت الزيارة أهميةً خاصة نظرًا إلى رمزية الوفد الذي يمثّل الحكومة والقضاء الليبيَّيْن، وهو الأرفع مستوى الذي يزور لبنان منذ اختفاء الصدر عام 1978، وقد التقى مقرّر لجنة المتابعة الرسمية للقضية القاضي حسن الشامي، والمحقّق العدلي القاضي زاهر حمادة، وسلّمهما ملف التحقيقات التي أجرتها طرابلس الغرب مع مسؤولين ورموز في نظام معمر القذافي.
وسُلّم ملفّ التحقيقات إلى المرجعيات الرسميّة اللبنانيّة استنادًا إلى وعودٍ ليبيّة قُطعت منذ عام 2016، وإلى مذكّرة التفاهم الموقّعة بين لبنان وليبيا في 11 آذار 2014. غير أنّ الجانب الليبي لم يلتزم بتنفيذ المذكّرة ولا بتلك الوعود، لأسبابٍ سياسيّة، إذ نكث في تعهّداته بتسهيل التحقيقات وتزويد القضاء اللبناني بالمعلومات المتوافرة لديه، رغم أنّ مسرح الجريمة والتحقيقات هو الأراضي الليبية نفسها، ورغم أنّ مقدّمة مذكّرة التفاهم تعترف صراحةً بأنّ "نظام القذافي السابق ارتكب جريمة إخفاء الإمام ورفيقيه في ليبيا".
وتشير المعطيات إلى أنّ تحريك المياه الراكدة في هذه القضيّة جاء عقب التصعيد الذي انتهجته لجنة المتابعة الرسميّة، ولا سيّما بعد لقائها الأخير مع وفدٍ ليبي في إسطنبول قبل أشهر، بعدما راوحت المفاوضات المستمرّة في تركيا مكانها طويلًا، في ظلّ تشتّت المرجعية الليبية المُخوّلة بالتفاوض، وبعدما عمدت حكومة طرابلس الغرب إلى إجراء تغييرات متكرّرة ومفاجئة في أعضاء الوفد الرسمي، ما كان يعيد العملية التفاوضية إلى نقطة الصفر في معظم الأحيان.
وإذا كان تصعيد اللجنة أفضى إلى زيارة الوفد للبنان، فإنّه، وفقًا للمصادر، لا يبدو أنّ هناك تغييرًا جوهريًا في مسار القضيّة، إذ إنّ الملف الذي حمله الوفد "ليس جديدًا، وسبق للجنة أن اطّلعت على مضمونه خلال زياراتها السابقة إلى ليبيا". وهو ما عكسه أيضًا البيان الصادر عن اللجنة عقب اللقاء بين الطرفين، إذ أشار إلى أنّ "الجانبين اتّفقا على تحديد قناة للتواصل والتعاون بهدف تفعيل العمل بمذكّرة التفاهم الموقّعة بين البلدين بشأن هذه القضيّة، لاستكمال التحقيقات وتبادل المعلومات والاقتراحات وفق ما تنص عليه المذكّرة".
وتؤكّد المصادر أن الملف الذي يعكف حمادة والشامي، ومعهما أعضاء اللجنة، على دراسته من دون أن يفرغوا منه بعد، لا يتضمّن أي نتيجة حاسمة بشأن مصير الإمام الصدر ورفيقيه، ولا رواية تفصيلية لما جرى معهم بعد وصولهم إلى ليبيا، ولا حتّى معطيات مُثبتة بالأدلة أو بشهادات موثوقة. ومع ذلك، تعوّل اللجنة على أن تكون زيارة الوفد خطوة أولى نحو تعاون فعلي بين الجانبين، ولا سيما بعد توقيع محضرٍ مستقلّ ينص على إنشاء قناة تواصل سريعة ومباشرة بين مكتب النائب العام الليبي ممثّلًا بنائبه، ومقرّر لجنة المتابعة الرسمية اللبنانية.
هذه الأجواء يؤكّدها القاضي الشامي، الذي لم يشأ وصف الملف الذي تسلّمه بأنه "غير جدّي، لكنّه يحتاج إلى مزيد من التحقيقات والاستجوابات والمتابعات لاستكمال بعض النقاط غير الواضحة"، رافضًا الكشف لـ"الأخبار" عن مضمونه، كونه "سريًا، ولم نُنهِ قراءته بالكامل بعد".
كما نفى ما يُشاع عن أنّ الملف الذي تسلّمه لبنان يشكّل "إنجازًا كبيرًا" في مسار كشف لغز اختفاء الإمام ورفيقيه، موضحًا أنّ "هناك تعاونًا قد يُفضي إلى نتيجة، لكنّ الحديث عن وجوب تقبّل النتيجة مهما كانت يوحي وكأنّنا بلغنا خاتمة التحقيق ونرفض الاعتراف بها، أو أنّ هناك معطيات مؤكّدة نحاول طمسها، وهذا غير صحيح". وأضاف: "منذ عام 2012 أجرينا فحوصات DNA لعشرات الجثث وبقايا الجثث، من دون أي نتيجة، وما زلنا نتمسّك بمبدأ الحياة". وأشار إلى أنّ "الوضع يشبه تمامًا قضية المطرانين المخطوفين في حلب، إذ لم يُكشف مصيرهما حتّى الآن، فهل يمكن القول إنهما قُتلا؟ بالتأكيد لا".
وشدّد الشامي على أنّ "عملنا في المتابعة والتحقيق لا يستند إلى العاطفة، بل إلى المعطيات. صحيح أنّنا نشعر بالتقصير وبأننا لم ننجح بعد في الوصول إلى الإمام ورفيقيه، لكننا قمنا بكلّ ما في وسعنا لتحقيق ذلك". وأضاف: "الواقع أن لا الرواية الليبية الرسمية، ولا الإيطالية، ولا اللبنانية، ولا حتّى روايات بعض رموز نظام القذافي، هي روايات متكاملة أو حاسمة أو مؤكّدة أو حتّى متشابهة".