اوراق مختارة

مضادات الميكروبات على المحك... كيف نحمي فعاليّتها للأجيال المقبلة؟

post-img

شانتال عاصي (صحيفة الديار)

في عصر الطب الحديث، تُعد المضادات الحيوية واحدة من أعظم اكتشافات البشرية، إذ أنقذت حياة ملايين الأشخاص من عدوى كانت قد تهدد الحياة. ومع ذلك، يظل الاستخدام الخاطئ أو المفرط لهذه الأدوية أحد أكبر التحديات الصحية العالمية. فكل جرعة تُستخدم بلا داعٍ أو تُفلت من إشراف طبي، قد تمنح الميكروبات فرصة لتطوير مقاومة، مما يحوّل العدوى البسيطة إلى تهديد صحي حقيقي.

أخصائية علم الأوبئة في منظمة "أطباء بلا حدود" الدكتورة كريستال موصلي توضح لـ "الديار"، ان "ظاهرة مقاومة مضادات الميكروبات، مسلطة الضوء على المخاطر المترتبة عليها، وأسبابها، وسبل الحد من انتشارها. فهم هذا الموضوع ليس رفاهية علمية، بل ضرورة ملحة لحماية صحة الأفراد والمجتمعات على حد سواء".

مقاومة البكتيريا

وتشرح أن "مقاومة مضادات الميكروبات تحدث عندما يفقد المضاد الحيوي قدرته على القضاء على الميكروب أو تثبيط نموّه، نتيجة تطوّر بعض الأنواع واكتسابها مقاومة تجاه مضاد واحد أو أكثر. وعندما يصل الميكروب إلى مستوى كافٍ من المقاومة، قد يؤدي ذلك إلى فشل العلاج كليا، ويبقى الميكروب حيا، بينما يعجز المريض عن التعافي من العدوى".

وتضيف "على عكس العدوى العادية التي تستجيب عادةً للعلاج، فإن العدوى الناتجة من ميكروبات مقاومة، قد تتطلب أدوية بديلة أو أقوى، مع إطالة فترة العلاج وارتفاع خطر استمرار العدوى وانتشارها بسبب محدودية الخيارات المتاحة".

أسباب تطور مقاومة المضادات الحيوية

وتوضح أن "هناك عدة أسباب لتطور مقاومة مضادات الميكروبات، من أبرزها: الإفراط في تناول مضادات الميكروبات أو الإفراط في استخدامها على الصعيد الفردي، التداوي الذاتي دون وصفة طبية أو استخدام بقايا المضادات الحيوية التي استعملها الآخرون، تناول المضادات الحيوية دون الحاجة إليها، وسوء التطعيم، إذ إن عدم أخذ اللقاحات الموصى بها يزيد من خطر الإصابة بالعدوى، وبالتالي استخدام المضادات الحيوية".

كما تشمل الأسباب ، تضيف موصللي ، "عدم تناول مضادات الميكروبات حسب وصفة الطبيب، عدم الالتزام بالجرعة المناسبة أو مدة العلاج التي أوصى بها، عدم اتباع جدول منتظم لتناول الدواء، نسيان بعض الجرعات، أو عدم إكمال المسار العلاجي الكامل. كذلك يشير الخبراء إلى أن شراء المضادات الحيوية من مصادر غير موثوق بها يسهم في تفاقم المشكلة وزيادة مقاومة الميكروبات".

علامات الفشل

وتلفت الى ان "هناك مؤشرات قد تثير الشك في أن المضاد الحيوي لم ينجح في علاج العدوى، وربما يعود السبب إلى مقاومة الميكروب. تشمل أبرز هذه العلامات استمرار الأعراض أو تفاقمها، رغم تناول المضاد الحيوي لفترة كافية بحسب الوصفة الطبية، أو عودة الأعراض بعد تحسّن مؤقت، واستمرار العدوى لفترة طويلة أو الحاجة إلى علاج بديل".

وتضيف "كما يمكن أن تتطور العدوى وتظهر مضاعفات نتيجة المرض، أو الحاجة إلى دخول المستشفى، مقارنة بعدوى عادية تكون بسيطة في الغالب. هذه العلامات تستدعي تقييما طبيا دقيقا، لتحديد إذا كان العلاج يحتاج لتعديل أو استخدام مضاد حيوي آخر".

المخاطر الصحية

وتوضح " أن المضادات الحيوية تحتل مكانة أساسية في الطب الحديث، إذ تتسبّب الميكروبات بالكثير من حالات العدوى الخطرة، وغالبا ما تكون المضادات الحيوية الخيار الوحيد لمعالجتها، مثل التهاب العظم والنقي أو تعفن الدم. ولا يقتصر دورها على العلاج الاستشفائي فقط، بل يُستخدم أيضًا كإجراء وقائي للمرضى الذين يخضعون لعمليات جراحية".

وتشير الى "أن تعذّر استخدام المضادات الحيوية سيعرض حياة ملايين الأشخاص للخطر، حيث يمكن للجروح الصغيرة الملتهبة أن تتحول إلى تهديد كبير، وستصبح الأمراض مثل الالتهاب الرئوي البكتيري أو التهابات المسالك البولية صعبة العلاج. كما أن العمليات الجراحية، بدءًا من القيصرية وحتى جراحة العظم، ستصبح أكثر خطورة، وحتى العدوى البسيطة قد تؤدي إلى مضاعفات أو إعاقات لأنها تصبح أصعب في العلاج".

دور الأطباء والمرضى

وتشدد موصللي على أن على الأطباء "وصف المضاد الحيوي المناسب في الوقت المناسب للعدوى المناسبة، واتباع الإرشادات المتعلقة بإدارة إعطاء مضادات الميكروبات. كما يجب شرح أهمية التطعيمات الموصى بها وتشجيع الالتزام بها كإجراء وقائي، وليس كإجراء روتيني أو استجابة للضغط من المريض".

وتلفت الى ان على "الأطباء ايضا ضرورة التأكد من أن المريض يستخدم الدواء بالجرعة المحددة ولمدة العلاج الضرورية فقط، وشرح المضاد الحيوي الموصوف وأهمية الالتزام به، مع التنبيه بعدم مشاركة الدواء مع الآخرين أو استخدامه لمعالجة أعراض أخرى. كما يتعين اتخاذ جميع إجراءات الوقاية من العدوى داخل المستشفيات والمراكز الطبية، بما يشمل النظافة والتعقيم والبروتوكولات المعتمدة".

أما بالنسبة للمرضى، فتوضح أن المرضى "يجب أن يتناولوا المضادات الحيوية فقط عند وصفها من قبل الطبيب، وبالجرعة المحددة، مع الحرص على عدم تفويت أي جرعة وإكمال المسار العلاجي كاملاً. ويجب عدم اللجوء للتداوي الذاتي أو مشاركة بقايا الدواء مع أي شخص آخر، وعدم الاحتفاظ بالمضادات الحيوية لاستخدامها في المستقبل.

الوقاية

وتشير إلى "أن الوقاية تظل العامل الأهم، ويُعد غسل اليدين بصورة متكررة إجراءً أساسياً، قبل وأثناء وبعد تحضير الطعام، قبل وبعد تناول الطعام، قبل وبعد العناية بشخص مريض أو أي جرح، بعد الدخول إلى الحمام أو تغيير الحفاضات أو تنظيف الأطفال، وبعد تنظيف الأنف أو السعال أو العطس. كما تُعد اللقاحات المتاحة جزءًا مهمًا من الوقاية من العدوى".

هذا، وتلفت إلى "أن استخدام المضاد الحيوي يصبح ضروريا عند وجود عدوى سببها بكتيريا مؤكدة أو مرجحة، وقد تؤدي إلى مضاعفات، بعد تشخيص دقيق من الطبيب يثبت أن العامل المسبب بكتيري وليس فيروسيا. فهي ليست فعالة ضد الفيروسات أو العدوى غير البكتيرية".

الأضرار

وتحذر من "أن تناول المضادات الحيوية بشكل مفرط أو دون استشارة الطبيب، قد يقضي على جزء كبير من البكتيريا النافعة في الأمعاء، ما يؤدي إلى مشاكل في الهضم أو التهابات معوية. كما أن الإفراط في استخدامها يمكن أن يؤدي إلى مقاومة مضادات الميكروبات بكل ما يترتب عليها من عواقب، نظرا لأن البكتيريا النافعة تساهم في تقوية المناعة، فإن القضاء عليها يقلل قدرة الجسم على المقاومة، ويعرض الشخص للإصابة المتكررة أو طول مدة الشفاء".

دور السياسات الصحية والحكومات

وتوضح موصلي أن "الحكومات يمكنها الحد من انتشار مقاومة المضادات الحيوية ،عبر تنظيم استخدامها على المستوى الوطني، مثل حظر بيع المضادات دون وصفة طبية، ودعم برامج إدارة المضادات في المستشفيات. كما يشمل ذلك ضمان الوصول الشامل للرعاية الصحية، تعزيز القدرة على الوصول للمضادات والتشخيصات عالية الجودة، توفير اللقاحات، تطبيق تدابير المياه والصرف الصحي، متابعة أنماط المقاومة عبر أنظمة مراقبة فعالة، زيادة الوعي العام والمهني، ضمان نظافة البيئة، وتنظيم استخدام المضادات الحيوية في الزراعة وتربية الحيوانات".

أخيراً، إنّ مقاومة مضادات الميكروبات ليست مجرد قضية طبية، بل تهديد يلوح في كل مكان حولنا. الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية، الالتزام بالجرعات الصحيحة، الوقاية بالنظافة والتطعيمات، كلها خطوات بسيطة لكنها فعّالة، للحفاظ على قوة هذه الأدوية وحماية حياتنا وحياة من نحب. المسؤولية اليوم مشتركة، ويتطلب الأمر من كل شخص أن يلعب دوره للحفاظ على صحتنا الجماعية. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد