صحيفة المدن
أفادت مصادر ماليّة لـ"المدن" بأنّ المسودّة الأخيرة من قانون الفجوة الماليّة خضعت لتحسينات وتعديلات "كبيرة وهامّة" خلال الأيّام القليلة الماضية، بما يقرّب المسودّة بشكل إيجابي من الملاحظات التي قدّمها صندوق النقد الدولي، إنما من دون الأخذ بجميع الشروط التي طلبها الصندوق.
وبحسب المصادر نفسها، انخرط فريق العمل الحكومي خلال الأيام الماضية في حوار مباشر مع إدارة الصندوق في واشنطن، بهدف الوصول إلى صيغة يمكن أن تلقى قبولاً "مبدئياً" من جانبه، أو على الأقل "لا تثير اعتراضاً حاداً من قبله". ووفقاً للمعلومات، من المُرجّح، إذا سارت الأمور بشكلٍ إيجابيّ اليوم، أن يتم الإعلان عن المسودّة الأخيرة من القانون مساء اليوم أو صباح الغد، تمهيداً لمناقشتها في مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل. وأعربت المصادر عن اعتقادها بأنّ المسودّة الراهنة لم تعد تثير "فيتو" من قبل الصندوق، وهو ما يسمح بالمضي قدماً بإقرارها في مجلس الوزراء الأسبوع المقبل.
وحصلت "المدن" على معلومات تفيد بأن التعديلات الأخيرة طالت بشكلٍ أساسيّ الفقرات المتعلّقة بعمليّة التقييم والتدقيق في ميزانيّات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، والتي تفرض فهم درجة "التدهور التي أصابت جودة وطبيعة أصول" كل مصرف على حدة، وبما يشمل تأثير العمليّات غير النظاميّة كالهندسات الماليّة. وشملت الصيغة الأخيرة تحديداً أدق لآليّة هذا التدقيق، والمعايير التي سيستند إليها، فضلاً عن طريقة تقييم الأصول وفرز العمليّات التي يعتبرها القانون "غير نظاميّة". كما بيّنت التعديلات كيفيّة احتساب تأثير هذا التدقيق على عمليّة توزيع الخسائر، وبحسب تدرّج واضح في المستقبل.
وتعتبر مصادر حكوميّة أنّ مسودّة القانون تنص بشكلٍ واضح على تراتبيّة عادلة للحقوق والمطالب، وفق المبدأ العام الذي يكرّره فريق صندوق النقد، بما يعني تحميل أصحاب المصارف عبء إعادة الرسملة، وإجبار المصارف غير القادرة على تحقيق متطلبات إعادة الرسملة على الخضوع لعمليّات دمج واستحواذ. غير أنّ نقطة الخلاف -مع الصندوق- كمنت في اعتماد المسودّة صيغة تفرض تنظيف ميزانيّة مصرف لبنان والقطاع المصرفي من "الشوائب"، كحال الأموال المجهولة المصدر، أو الأموال المحوّلة من ليرة إلى دولار بسعر الصرف الرسمي، قبل احتساب وضعيّة كل مصرف على حدة. ورأت المصادر أن بعض مقترحات الصندوق لا ينبغي الأخذ بها دون مناقشة، كحال الملاحظة التي طلبت بيع احتياطات الذهب لمعالجة الخسائر.
وبحسب المعلومات، لعبت الدبلوماسيّة الفرنسيّة دوراً كبيراً في تقريب وجهات النظر، والضغط للإسراع في إنجاز المسودّة الأخيرة. كما قدّمت باريس وعوداً بتسهيل الحصول على موافقة الصندوق على مشروع القانون لاحقاً، وإن احتاج إلى تعديلات بسيطة في بعض البنود التفصيليّة. وبحسب المصادر، تبدي باريس اهتماماً كبيراً بإقرار مشروع القانون في الحكومة اللبنانيّة، قبل نهاية السنة، نظراً لكونه أحد الشروط التي ينبغي تحقيقها قبل عقد مؤتمر المانحين لدعم لبنان في الربع الأوّل من العام 2026.
وتشير مصادر حكوميّة إلى أنّ فريق العمل الذي تولّى تعديل المسودّة أصرّ على متابعة المناقشات مع حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، حتّى اللحظات الأخيرة، بهدف ضمان قبوله بهذه المسودّة. وأشارت المصادر إلى أنّ الحاكم، حتّى هذه اللحظة، لا يبدي اعتراضات جديّة على المقاربات العامّة التي سيتم اعتمادها في مشروع القانون. أمّا ورقة ملاحظات مصرف لبنان، التي جرى تسريبها يوم أمس الخميس، فكانت رداً على ملاحظات صندوق النقد الدولي، ولا علاقة لها بالمسودّة المطروحة حالياً.
ومن المعلوم أنّ اللوبي المصرفي، الخاضع لتأثير الجناح المتطرّف داخل القطاع، كان قد كثّف خلال الأيام الماضية حملاته ضد مسودّة قانون الفجوة الماليّة المطروحة. وكان واضحاً أنّ هذا الجناح استشعر خطراً على مصالحه، لانطواء المسودّة على بنود معيّنة تطال العمليّات غير المشروعة، كحال الغرامة التي ستُفرض على الأموال المهرّبة من القطاع خلال الأزمة، والتدقيق في عمليّات الهندسات الماليّة وأرباحها.