اوراق مختارة

سمسار «السلام» توم باراك.. متحرّش وفاسد!

post-img

علي سرور/ جريدة الأخبار

يتحكّم المبعوث الأميركي إلى لبنان، توم باراك، بكل شاردة وواردة بالشؤون الوطنية. يُصدر أحكامًا بالفشل للسلطة المحليّة التي ترعاها بلاده تارة، ويشتم الصحافيين «الحيوانات» طورًا. لكن ما هي خلفية الكاوبوي الأميركي فعلًا، هل لديه من المصفوفة الأخلاقية والقيم ما يدعم رؤيته الفوقية لشعوب المنطقة «القبائلية»، بحد وصفه؟ أم يتناغم ظاهره اللاأخلاقي مع طينته الحقيقية؟

في عالم السياسة والمال، حيث تتشابك المصالح الشخصية مع النفوذ الدولي، يبرز أحيانًا، خصوصًا في أروقة الإدارة اليمينية الأميركية، أشخاص يمثلون رموزًا للتداخل بين القوة والثروة وبالتالي الفساد المالي والأخلاقي، فتتحوّل صداقتهم مع أصحاب السلطة إلى منصة لتأثير واسع على السياسة والاقتصاد والإعلام.

باراك وإبستين: مثل السمنة عالعسل

في هذا الإطار، لم تعد الفرضيات حول شخصية توم باراك مجرّد أفكار، بل خرجت إلى العلن معلومات مستندة إلى وئائق نشرتها الصحافية الاستقصائية، آمبر وودز، على منصة «إكس» تكشف الوجه المستور من المبعوث الأميركي.

استندت الصحافية التي تعمل على نشر تسريبات ملفات جيفري إبستين، إلى وثائق في عملها بفضح الشخصية الفاسدة لباراك، من بينها رسائل إلكترونية كتب فيها إبستين في عام 2016 للسياسي الأميركي: «أرسل لي صورًا لك ولطفل، ليجعلني أبتسم».

بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الأدلة في قضية إبستين قائمة مفصلة بالمشتريات التي كانت هدايا. وشملت هذه القائمة ساعة رولكس بقيمة 11 ألف دولارًا أُدرجت في آب (أغسطس) 2003 كهدية لتوم باراك.

بعد ذلك بثلاث سنوات، في أيّار (مايو) 2006، أرسل مساعد باراك رسالة بريد إلكتروني إلى مساعد إبستين يطلب فيها تغيير موعد اجتماع مقرر بين باراك وإبستين بسبب «أمر عاجل» طرأ. وكتب مساعد باراك: «توم مستعد لمقابلته في منزله أو مكتبه، أيهما يناسبه». وجاوب إبستين مقترحًا أن يلتقيا في منزله.

من جانبه، رفض ممثل باراك التعليق على الاجتماع عندما سأله الصحافيون، لكنه قال إن باراك «لم يتلق أبدًا أي هدية من جيفري إبستين أو غيسلين ماكسويل، ناهيك بساعة».

رغم عدم وجود أدلّة دامغة تُدين باراك، والجدل حول معنى رسالة رؤية الطفل، إذا ما كانت تعني مولود باراك الجديد أم تحمل في طيّاتها أفكارًا تتناسب مع طبيعة عمل شبكة إبستين، إلا أنّ فحوى المراسلات تؤكّد وجود علاقة قوية تربط بين الرجلين، السياسي توم باراك وجيفري إبستين ذائع الصيت المُدان بجمع السياسيين مع الأطفال للتحرّش بهم.

هاوي ثروات: سمسرة من العقارات إلى السياسة

على الجانب الشخصي، أسّس توم باراك، المولود لأبوين لبنانيين، شركة Colony Capital، المعروفة اليوم باسم Digital Bridge، التي قادها نحو ثلاثة عقود. ووفقًا لوودز، واجهت الشركة التي حقّق من خلالها باراك ثروات هائلة، اتهامات بإبرام صفقات مثيرة للجدل واستغلال أموال المستثمرين كأداة لتحقيق العوائد الشخصية لرئيسها.

في العام 2021، اضطرّ باراك إلى ترك منصبه في الشركة بعد اعتقاله بتهمة التصرّف كوكيل أجنبي غير مسجل لصالح الإمارات، وفق وزارة العدل الأميركية، في قضية تضمنت تواصله مع كبار المسؤولين الإماراتيين لتوجيه حملة انتخابية أميركية بما يخدم مصالح الدولة الخليجية، وتأثيره على السياسة الأميركية من وراء الكواليس، بما يشمل تقديم معلومات غير معلنة عن ردود فعل مسؤولي الحكومة الأميركية على قضايا حساسة. التحقيق أظهر أيضًا تواصله المستمر مع الإماراتيين لاستخدام علاقاته مع ترامب للتأثير على سياسات خارجية.

بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، ساهم مستشار دونالد ترامب منذ عام 2016، توم باراك، في صياغة خطاب الرئيس منذ ولايته الأولى حول الطاقة بما يخدم مصالح الخليج، وسعى للتأثير على برنامج الحزب الجمهوري حول قضايا حساسة مثل التحقيقات المرتبطة بالسعودية حينها. كما أشار التقرير إلى أن باراك استخدم علاقاته لتسهيل لقاءات بين مسؤولي الحملة وكبار الشخصيات الخليجية. وكشفت مصادر الصحيفة الأميركية أنّ باراك تلقى بين استثمارات ومعاملات أخرى من السعودية والإمارات حوالي 1.5 مليار دولار خلال فترة ترشّح ترامب لولايته الأولى.

لم يقتصر تأثير باراك على السياسة، بل امتد إلى السينما والإعلام. ووفق مجلّة Vanity Fair، قدّم في عام 2017 دعمًا ماليًا لشركة Weinstein Company بعد أيام قليلة من كشف فضائح هارفي واينستين بالتحرّش والاعتداء الجنسي.

حمامة سلام أم منحلّ أخلاقيا

يحمل باراك مسيرة حافلة بالاتهامات، بين الفساد الإداري وعلاقة مثيرة للجدل مع المتحرّشين والمعتدين، وصولًا إلى الإدانة بالعمل لمصلحة دول خارجية مقابل جني المال. لكنّ الرئيس الأميركي وجد بهذه السيرة الذاتية شخصًا يمثّله خير تمثيل، بدءًا من عمله الاستشاري القريب خلال الولاية الأولى، وصولًا إلى مكافأته بعد إدانته في عام 2021 من وزارة العدل الأميركية عبر تعيينه سفيرًا في تركيا عام 2024، بالإضافة إلى مهامه كموفدًا شخصيًا لإدارة ترامب إلى سوريا ولبنان.

من خلال تاريخه الشخصي في التعامل مع المستثمرين من دون اكتراث بمصالحهم، وبيع سياسات دولته لأكبر مشتري، من دون لا حسيب ولا رقيب، تتوضّح عصبيّة باراك تجاه لبنان «الصغير» الذي لا يمتثل لأوامره وأمانيه كغيره من الدول والنافذين.

في نهاية المطاف، يبرز توم باراك ليس كحمامة سلام كما يحب هو تصوير نفسه، بل كوسيط فاسد منحرف أخلاقيا يُتقن لعبة النفوذ والسيطرة، حيث تُقاس الولاءات بالقوة والمصالح الشخصية لا بالقيم.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد