ماهر سلامة (صحيفة الأخبار)
غاب أمس عن جلسة «صُنع في لبنان-قطاعات لبنان المُنتِجة» في مؤتمر «بيروت-1»، أيّ نقاش فعلي في المسار المُفترض نحو نهوض الصناعة اللبنانية. وكل ما قيل، يستند إلى مؤشّرات الواقع بعيداً عن أيّ مستقبل. فالمصانع اللبنانية تُنتِج سلعاً بقيمة 10 مليارات دولار، أي 38% من الناتج المحلي، لكنها تصدّر بأقل من 4 مليارات دولار، وليست كلها نتاج القطاع الصناعي، وليست كلّها ذات قيمة مُضافة مرتفعة، أي إن حصّة الصناعة المحلية من المُنتَج النهائي ما زالت مُتدنّية.
ثمّة الكثير من العقبات التي تقف في وجه تطبيق أيّ سياسات صناعية. وهي عقبات تطرّق إليها وزير الصناعة جو عيسى الخوري في الجلسة التي ترأّسها بعنوان «صُنع في لبنان»، ومنها مشكلة البنى التحتية، ولا سيما في قطاعَي الطاقة والاتصالات.
برّر عيسى الخوري تأخّر الإنجازات في هذا القطاع لأن وزارة الطاقة لم تتمكّن من التوصّل إلى اتفاق من دولة لدولة مع دول الخليج للحصول على توريد الوقود لتشغيل المعامل، لأن هذه الدول تطالب بـ«حصرية السلاح».
يغفل الوزير أن حساسية المسألة لا تتعلق بالسياسة حصراً، إنما بسياسات لبنان التي لم تضع الصناعة في أيّ يوم من الأيام على أجندتها، لذا ربط الصناعة بموضوع الطاقة، على أهميته، لا يجب أن يكون شغله الشاغل، بمقدار ما يتوجّب عليه رسم رؤية عن أيّ قطاعات صناعية يجب تنميتها في أيّ اقتصاد يريده لبنان، وفي أيّ دور له في المنطقة، وما هي قدراته التنافسية.
فالمعطيات تشير إلى أن أوساطاً قطرية أبدت استياءها من امتناع وزير الطاقة جو الصدّي عن التجاوب مع رغبتها الاستثمارية في قطاع الطاقة في لبنان في مجال المصافي ووحدات الغاز العائمة والطاقة المتجدّدة، علماً أن منطق ربط الصناعة بالسياسة لم يكن بعيداً عن الجو العام للمؤتمر بكل المحاضِرين فيه الذين قدّموا شعارات مُكرّرة عن تقدّم لبنان وإمكاناته وعوائق سياسية تمنع تقدّمه الاقتصادي. وهذا منطق يتناسى المشاكل البنيوية في الاقتصاد التي أوصلت البلد إلى الحضيض مراراً، وحاجة البلد الدائمة إلى «الإنقاذ».
بالنسبة إلى النائب، والصناعي، نعمة افرام، فإن الصناعة في لبنان قادرة على استيعاب الصدمات أكثر من باقي القطاعات. يستدلّ افرام على ذلك بالإشارة إلى الأزمة الأخيرة التي أدّت إلى تحسّن في القطاع. وأشار أيضاً إلى ضرورة استقطاب رؤوس الأموال إلى القطاع الصناعي لأن «الدولار المُستثمر في القطاع الصناعي يساوي ثلاثة دولارات مُستثمرة في أيّ قطاع آخر»، إذ إن الصناعة تخلق فرصاً للقطاعات الأخرى.
ورغم الكلام عن العوائق المختلفة، إلا أن العائق الأكبر أمام التحوّل الإنتاجي في لبنان يبقى عدم وجود سياسة واضحة يمكن تطبيقها من خلال خطط واقعية. وقد أصبح الحديث عن «الطاقات والخبرات اللبنانية»، و«الموقع الجغرافي المميّز» متخلّفاً نوعاً ما، إذ لم تعد تُشكّل هذه العوامل نقاط قوّة في الاقتصاد العصري، القائم على الإنتاجية المرتفعة والقدرة التنافسية في الأسواق.