اوراق مختارة

كارثة التسمم الغذائي والكحول الملوّثة: لبنان على خط المواجهة مع أزمة صحيّة شاملة!

post-img

شانتال عاصي (صحيفة الديار)

يشهد لبنان في السنوات الأخيرة تدهورًا متسارعًا في معايير السلامة الغذائية، حيث تتزايد حالات الانتهاكات في المطاعم والمرافق الغذائية بشكل مثير للقلق. لم تعد الحوادث المعزولة تقتصر على مطعم هنا أو هناك، بل باتت سلسلة من التجاوزات تهدد صحة المواطنين بشكل يومي، وهو ما أكده تقرير حديث لإحدى القنوات اللبنانية حول سلسلة مطاعم لا تلتزم بأبسط شروط النظافة والسلامة. انتشار هذه الظاهرة يعكس هشاشة الرقابة وفشل الأنظمة الرقابية في حماية المجتمع، مما يجعل السلامة الغذائية في لبنان على حافة الانهيار، ويضع المواطنين أمام مخاطر صحية وبيئية متزايدة.

أضرار صحية جسيمة للمستهلكين

تمثل الأغذية الملوثة خطرًا مباشرًا على صحة الإنسان، إذ يمكن أن تؤدي إلى تفشي أمراض متنوعة تتراوح بين التسمم الغذائي البكتيري، الناتج من الإصابة بسلالات مثل السالمونيلا أو الإشريكية القولونية، والتي تتسبب بقيء شديد وإسهال وحمى، وقد تصل أحيانًا إلى مضاعفات تهدد الحياة، خصوصًا لدى الأطفال وكبار السن وذوي المناعة الضعيفة، والتسمم الكيميائي الناتج من استخدام المبيدات أو المواد الحافظة الضارة التي قد تُضاف للأطعمة بشكل غير آمن، ما يؤدي إلى أضرار طويلة الأمد تشمل الكبد والكلى والجهاز العصبي، مع زيادة احتمالية الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان واضطرابات الغدد الصماء. كما يؤدي الاستهلاك المتكرر للأغذية غير الصحية إلى ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة والمتكررة، ما يزيد الضغط على النظام الصحي اللبناني ويستنزف الموارد المالية والطبية، ويؤثر في جودة الحياة بشكل عام. ولا تقتصر المخاطر الصحية على الأفراد فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع بأسره، حيث يؤدي انتشار هذه الأمراض إلى ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتراجع الثقة في المطاعم والمرافق الغذائية، وهو ما ينعكس سلبًا على الاقتصاد المحلي ويؤكد الحاجة الماسة إلى تطبيق معايير السلامة الغذائية بشكل صارم.

الأثر البيئي لتقصير السلامة الغذائية

ليست الأزمة الغذائية في لبنان محصورة بالجانب الصحي فقط، بل تمتد لتتداخل بشكل مباشر مع البيئة، حيث إن المطاعم والمرافق الغذائية التي تتجاهل إجراءات السلامة غالبًا ما تتعامل بشكل غير سليم مع المخلفات العضوية وغير العضوية، ما يؤدي إلى تلوث المياه والتربة نتيجة احتواء هذه المخلفات على بكتيريا ومواد كيميائية يمكن أن تصل إلى مصادر المياه، مسببة تلوثًا يهدد الحياة البرية والنباتية. إضافة إلى ذلك، فإن المواد الكيميائية المستخدمة في الأغذية، من مبيدات ومواد حافظة ضارة، تتسرب إلى البيئة وتؤثر في التوازن البيئي، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض المنقولة بيئيًا. هذه البيئة الملوثة تؤدي في النهاية إلى دائرة مغلقة من المخاطر الصحية، حيث تسهم المياه والتربة الملوثة في تفاقم انتشار الأمراض وتزيد من حدة الأزمات الصحية، وهو ما يؤكد الترابط الوثيق بين السلامة الغذائية وصحة البيئة العامة.

فوضى الكحول الملوثة

بالإضافة إلى التسمم الغذائي، انتشرت في الآونة الأخيرة كارثة المشروبات الكحولية الملوثة بمادة الميثانول السامة، والتي لا تصلح للاستهلاك البشري على الإطلاق. هذه الظاهرة ليست مجرد مخالفة تجارية، بل أزمة صحية كبرى، حيث يؤدي تناول هذه المشروبات إلى تفاعلات كيميائية ضارة داخل الجسم تسبب تلف خلايا الجسم، زيادة حموضة الدم، وفي كثير من الحالات تؤدي إلى الوفاة.

تؤكد الجهات الصحية أن هذه الأزمة لا تقتصر على آثار مؤقتة، بل لها مضاعفات طويلة الأمد على صحة الإنسان. التسمم بالميثانول يمكن أن يؤدي إلى فقدان البصر، تلف الكبد والكلى، أضرار في الجهاز العصبي المركزي، وفي حالات كثيرة ينتهي بالوفاة خلال ساعات من تناول المشروب. هذا يجعل من استهلاك أي مشروب مجهول المصدر مخاطرة كبيرة تتجاوز المخاطر الغذائية التقليدية، لتصبح قضية حياة أو موت، خصوصًا بين الشباب الذين يشكلون الشريحة الكبرى من مستهلكي الكحول.

في ظل هذه الفوضى، تبدو الحاجة إلى تدخل عاجل وواسع من السلطات الرسمية أمرًا لا يمكن تأجيله، سواء للتصدي لمخاطر المشروبات الكحولية الملوثة أو للحد من حالات التسمم الغذائي الناتجة من الأغذية غير الصحية. من الضروري تشديد الرقابة على جميع المشروبات الكحولية المستوردة والفحص الدقيق لكل منتج قبل طرحه في الأسواق، إلى جانب مراقبة المطاعم والمرافق الغذائية لضمان التزامها بمعايير النظافة والسلامة الصحية. كما يجب تكثيف الحملات التوعوية للمواطنين حول مخاطر استهلاك المنتجات مجهولة المصدر أو الرديئة الجودة، سواء كانت مشروبات كحولية أو أغذية. إضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز التشدد في تطبيق القوانين وفرض عقوبات رادعة على المخالفين، لضمان حماية حياة اللبنانيين وسلامة المجتمع بشكل عام، ومعالجة هذه الأزمة الصحية الشاملة التي تجمع بين تهديدات الطعام والشراب الملوث. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد