اوراق مختارة

أدوات للادخار والاستثمار والاقتراض: الذهب والفضّة بدلاً من المصارف

post-img

زينب بزي (صحيفة الأخبار)

في الأشهر الأخيرة، سجّلت أسعار الذهب والفضة العالمية ارتفاعات غير مسبوقة، كان بنتيجتها في لبنان، اندفاع من فئات واسعة ترغب في الاستثمار قبل فوات الأوان. الكل يسأل عن السعر، ويتصرّف كما لو أن كل ارتفاع هو فرصة أخيرة، وكل هبوط هو تهديد قادم.

لا يختلف الصاغة في رواياتهم عن سوق تتحرك بدافع الخوف، وتُدار بقلق يومي، وتتغذّى على غياب البدائل في بلد ليس فيه وسيلة ادّخار مستقرّة بعد انهيار المصارف وسرقة المدخرات.

يقول صاحب محل «الماسة» للمجوهرات في بئر العبد، أحمد جابر، إنّ الناس اندفعت بشكل هستيري ومن دون وعي للاستثمار في الذهب «على وقع انتشار فيديوهات وتحليلات كثيرة على مواقع التواصل. كثيرون اشتروا بأسعار تراوحت بين 3600 و3700 و4500 دولار للأونصة، ثم وجدوا أنفسهم عالِقين مع أول تراجع للسعر». رغم ذلك «لم يتراجع الطلب مع كل انخفاض في السعر، كما يفترض، بل ظل يرتفع وينمو كلما ارتفع السعر».

ويتركّز هذا الطلب على السبائك والليرات في مقابل برود تجاه شراء المجوهرات المصنوعة. وهو أمر ليس محصوراً فقط بالذهب، بل بالفضة أيضاً. وفقاً لمديرة في «مجوهرات منيمنة»، فإنه «مع أول صعود حادّ للسعر انقطعنا من الذهب، ثم ارتفع الطلب على الفضّة بنسبة 40% خلال مدة وجيزة». الواقع، أن بيع سبائك الذهب، على اختلاف أوزانها، لم يعد مرغوباً بعدما تحوّلت إلى أداة ادخار واستثمار. «من يبيع الذهب اليوم هو المضطر فقط أو من اشترى على سعر منخفض وقرّر تسييل أرباحه من فرق السعر».

النقاش في أسعار الذهب والفضة واحتمالات تحقيق الربح من الاستثمار فيهما أصبح جزءاً من كل لقاء اجتماعي. فَجّرَ هذا السلوك ظاهرة «الفرصة الضائعة».

تشير صاحبة محل Homora Jewelry زينب الحموي إلى أن ارتفاع الأسعار إلى 4300 دولار للأونصة لم يرَ فيه الناس أعلى سقف ممكن للسعر، بل واصلوا الشراء بكثافة ولم يتراجع الطلب إلا بعد تراجع السعر إلى 4040 دولار للأونصة.

تُعرف هذه الحالة بـ«الفرصة الضائعة»، إذ يندفع الناس إلى الشراء ربطاً بارتفاع متواصل للأسعار يُفسر كأنه بلا سقوف، أو باعتباره الفرصة الأخيرة للاستثمار وتحقيق الربح. الحقيقة قد تكون مختلفة، ولا سيما عند أولئك الذين لديهم قدرات تحليلية ومعطيات أكثر دقّة في السوق العالمية.

يمكن الاستدلال أكثر على حجم هذه الظاهرة عبر «فورة» الطلب على الفضّة. تقول آلاء بدر الدين، وهي صاحبة صفحة «Orora Jewels» التي تُعنى ببيع الفضة حصراً، إنّ «الأشهر الأخيرة كانت الأكثر نشاطاً منذ ثلاث سنوات، وإنّ المبيعات ازدادت بنسبة 200% خلال فترة قصيرة». كانت تبيع نحو 30 أونصة فضة شهرياً في السابق، أما في الأسابيع الأخيرة، فقد باعت 150 أونصة شهرياً بالإضافة إلى كيلوغرامات من الفضة وليرات متنوّعة.

تاريخياً يُنظر إلى الفضة باعتبارها «ذهب الفقير»، إذ تعدّ الخيار الأقل كلفة للراغبين في الادخار والاستثمار في المعادن. وأسعار الفضّة تتحرّك في الاتجاه نفسه مع الذهب، وإن بوتيرة أبطأ، نظراً إلى ارتباط سعرها بالطلب الصناعي.

لذا، لجأت شريحة واسعة من الشباب إلى شراء الفضة بوصفها وسيلة ادّخار طويلة الأجل، يمكن الوصول إليها بكلفة بسيطة وبإمكانات محدودة، مقارنة بالسبائك الذهبية التي أصبحت بعيدة من متناول كثيرين بسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان واندحار الطبقة الوسطى.

خلقت هذه التطورات سوقاً موازية لبيع وشراء الذهب والفضة. فمع ازدياد الطلب وظهور موجات الشراء المفاجئة، أحجم عدد من المورّدين عن عرض كل الأونصات المتوافرة لديهم. وعدد منهم لجأ إلى بيع الكميات خارج السعر الرسمي المعروض على الشاشة، بأسعار تصل إلى ثلاثة أو خمسة أضعاف قيمتها الفعلية، ولا سيما بالنسبة إلى الفضّة.

لا يمكن إثارة سؤال من نوع: لماذا الذهب أو الفضّة؟ فالإجابة واضحة، وترتبط مباشرة بحفظ القيمة وبإمكانية التسييل السريع. فالادخار بواسطة الذهب أصبح شائعاً بين الشباب وتغذّى على انعدام الثقة بالنظام المصرفي. يروي علي، وهو صاحب عمل صغير، أنّه عمد منذ بضع سنوات، إلى تحويل كل مبلغ مالي فائض، إلى ذهب، لتجنّب صرف المال. هكذا أصبح المعدن الأصفر هو محفظة ادخاره.

بالنسبة إلى الشباب أيضاً، يمثّل الذهب ضمانة للاقتراض من «القرض الحسن»، وهي وسيلة تساعد الكثير ممن يحتاجون إلى السيولة الشخصية. الذهب بهذا المعنى يوفّر خياراً بديلاً من المصارف. لكن ثمة دوافع أخرى للاستثمار في الذهب، منها ما يرويه محمد الذي خسر جزءاً كبيراً من أمواله في المصارف ولم يعد قادراً على الاحتفاظ بالدولار النقدي بطمأنينة، وهو ما دفعه إلى شراء ليرات ذهبية حققت له أرباحاً عند ارتفاع السعر.

ويقدّم مستثمرو الفضة رواية مختلفة. فهم لا يشتَرون الفضة بهدف المتاجرة اليومية، بل بهدف الادخار البعيد المدى. يوضح أحدهم أنّ أسعار الفضة لا تتحرك بشكل يومي، أي إن الأسعار لا تتحرّك سريعاً وإنما على مدى سنوات.

فالكيلوغرام الذي يساوي اليوم نحو 1800 دولار قد يصل، وفقاً لتقديرات متداولة، إلى 15 ألف دولار خلال خمس أو سبع سنوات نتيجة الطلب الصناعي الهائل الذي يشمل الإلكترونيات والسيارات والطائرات والتجهيزات العسكرية. ومع انخفاض الإنتاج العالمي وعدم قدرة المناجم على تلبية هذا التوسع، يتوقع أن تصبح الفضة مادة شحيحة خلال سنوات قليلة، ما يرفع قيمتها تلقائياً.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد