صحيفة الأخبار
يبدو أنّ مكتب وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في لبنان «الأونروا»، تحت إدارة دوروثي كلاوس، يشهد تحوّلاً لافتاً من منظمة إنسانية إلى أداة ذات أدوار سياسية وأمنية.
فرغم أنّ الاهتمام بالسياق السياسي لعمل الوكالة أمر مفهوم، إلا أنّ طبيعة التقارير التي تعدّها كلاوس ونشاطها في لبنان باتا يوحيان بتجاوز واضح لمهمّة الوكالة الإغاثية.
ويكشف تقرير داخلي أعدّته كلاوس وأرسلته إلى إدارتها قبل أقلّ من أسبوعين، أنّها تولي حيّزاً واسعاً للضغوط الأميركية الرامية إلى نزع سلاح حزب الله، مقابل تراجع الاهتمام بالاحتياجات الإنسانية للاجئين، ما جعل الوكالة تبدو أقرب إلى جهاز رصد لملفات أمنية حسّاسة تخدم أجندات خارجية.
كما يُظهِر التقرير أنّ الوكالة أقحمت نفسها في الصراعات بين الفصائل الفلسطينية، واتّخذت عملياً موقفاً منحازاً حين اعتبرت أنّ «اللقاء الوطني الفلسطيني التشاوري» في لبنان قد «تحوّل» إلى إطار سياسي جديد خارج منظمة التحرير الفلسطينية.
ويشير التقرير إلى وجود تعاون وثيق بين «الأونروا» والأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية، إذ بدلاً من الدفاع عن حق اللاجئين في حرية الحركة، توثّق كلاوس الإجراءات الأمنية وتتعامل معها كأمر واقع، بل وتذهب أبعد من ذلك عبر التعاون مع هذه الأجهزة في بعض عملياتها. ويبرّر التقرير هذه الإجراءات من دون تسجيل أي اعتراض على ما تخلّفه من انتهاكات لحقوق اللاجئين، فيما تلجأ كلاوس إلى إطلاق اتهامات بلا أدلة، من بينها الزعم بأن حركة «حماس» تقود الاحتجاجات ضد الوكالة.
أمّا في ما يتعلّق بجوهر مهمة «الأونروا»، فتبدو كلاوس وكأنها تسعى إلى تبرير تقليص الخدمات الإنسانية بدلاً من العمل على تعزيزها، في انسجام مع أجندة تُفضي عملياً إلى تآكل دور الوكالة تدريجياً. وحتى في استعراضها لما يرد في الإعلام اللبناني، تمنح نفسها صلاحية التصنيف السياسي، إذ يرد في التقرير مثلاً توصيف صحيفة «الأخبار» بأنها «موالية لحزب الله».
ومنذ تولّي كلاوس إدارة مكتب «الأونروا» في لبنان، شهدت الوكالة تحوّلاً لافتاً من منظمة إنسانية إلى جهاز رصد أمني يجمع المعلومات عن أوضاع المخيمات، إذ باتت تمارس دوراً أقرب إلى جهاز استخباري، من خلال جمع معلومات أمنية مفصّلة، وتحويل متابعة الأوضاع إلى تقارير تحليلية عن التحالفات السياسية والعسكرية داخل المخيمات، وتتبّع تحركات الأطراف المسلحة، وتوثيق التوترات الداخلية، ورصد نشاط الجيش والأجهزة الأمنية والاشتباكات بين الفصائل والتحركات المرتبطة بتجار المخدّرات.
وإلى ذلك، يتضح حجم التنسيق المتزايد بين كلاوس والأجهزة الأمنية عبر برنامج تعاون غير مُعلن مع الجيش اللبناني، يشمل تبادل المعلومات حول أوضاع المخيمات، وتوفير تغطية في التقارير الدولية لعمليات الجيش، مقابل صمت عن انتهاكات تطاول اللاجئين.
كما تقدّم الوكالة معلومات دقيقة عن البنية التحتية للمخيمات ونقاط التوتر فيها، بما يعزّز سرديات تخدم الاحتلال الإسرائيلي وجهات لبنانية معارضة للوجود الفلسطيني، عبر تصوير المخيمات كمراكز تهديد أمني، وتسهيل خطط إعادة توطين الفلسطينيين خارجها من خلال تقليص الخدمات وخلق ظروف معيشية خانقة، ومنح غطاء «إنساني» لعمليات إعادة هندسة ديموغرافية.
أمّا داخل الوكالة نفسها، فقد أصبح واضحاً أنّ برنامج كلاوس يسير نحو تحويل الموظفين إلى عملاء لجمع المعلومات، واستغلال الحصانة الدبلوماسية لنقل البيانات، واستخدام المساعدات الإنسانية وسيلة ضغط، مع إنشاء شبكة مراقبة تعمل تحت غطاء المشاريع الخدمية.
تقرير رسمي يكشف تحوّل «الأونروا» إلى أداة سياسية
في ما يلي، مقتطفات من تقرير داخلي لوكالة «الأونروا»، أعدّته دوروثي كلاوس قبل أقل من أسبوعين، يتحدّث عن «السياق اللبناني والفلسطيني»:
«هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى - UNRWA - مكتب لبنان الإقليمي،
تقرير عن الوضع - اجتماع عملياتي نصف شهري
فترة التقرير: من 31 أكتوبر/ تشرين الأول حتى 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025
1- يواجه لبنان ضغوطاً متصاعدة، مع تركيز على الضربات الإسرائيلية اليومية إلى جانب الضغط الدبلوماسي الأميركي لإكمال نزع سلاح حزب الله، وقطع مصادر تمويله. وكان الموعد النهائي المُتفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار العام الماضي هو تنفيذ هذه الإجراءات بنهاية عام 2025. ولاحظت وسائل إعلامية عدة أن الكثير من الضغط يتركّز على الجيش اللبناني لممارسة احتكار الدولة للسلاح، بدءاً من المنطقة جنوب نهر الليطاني.
2- أثار خطاب متلفز للأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، رفض فيه نزع السلاح الكامل، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني ردود فعل متباينة. فقد وصفته وسائل الإعلام المؤيّدة لحزب الله بأنه حازم ويهدف إلى مواجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية، بينما انتقدته وسائل الإعلام المنتقدة لحزب الله لكونه استفزازياً ويقوّض الدولة ويوفّر لإسرائيل ذرائع للتصعيد ضد لبنان.
3- أنهى وفد أميركي مالي - أمني من وزارة الخزانة والأمن الوطني زيارة للبنان، محدّداً مواعيد نهائية وتوقّعات جديدة من السلطات اللبنانية لنزع سلاح حزب الله وقطع تمويله، في ظل استمرار عدم اليقين السياسي المحلي. وللأسبوع الثالث على التوالي، واصلت إسرائيل حملة التهديدات والتحذيرات من عملية عسكرية واسعة النطاق في لبنان، على أن توقيتها لا يزال غير واضح. ونُظر إلى زيارة الوفد الأميركي على أنها تحذير جادّ للسلطات اللبنانية من عواقب تأخير الإجراءات ضد تمويل حزب الله. وأكّدت الزيارة على الضغط الأميركي القوي على لبنان للتحرك بحسم على الجبهتين الأمنية والمالية.
4- على الصعيد المحلي، حذّر معلّق كبير من أن الخلافات التي لم تُحلّ حول تصويت المغتربين في قانون الانتخابات تهدّد بشلّ عمل البرلمان، وقد تشكّل خطراً على الانتخابات النيابية العام المقبل. ومن ناحية أخرى، من المُقرّر أن يعقد مجلس الوزراء اجتماعاً في 13 نوفمبر/تشرين الثاني لمناقشة جدول أعمال اعتيادي ومالي».
وفي «السياق الفلسطيني»، جاء الآتي:
«1 - وفقاً لجريدة «نداء الوطن»، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، برز «اللقاء الوطني الفلسطيني التشاوري» في لبنان كإطار سياسي جديد خارج منظمة التحرير الفلسطينية، ما يعكس عمق الخلافات بين فتح وفصائل منظمة التحرير من جهة، وحماس وتحالف القوى الفلسطينية من جهة أخرى. وقد تشكّل هذا الإطار وسط خلافات حول السلاح الفلسطيني في لبنان، ويجمع بين حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأنصار الله والتيار الإصلاحي في فتح بقيادة محمود عبد الحميد اللينو. ويهدف إلى تنسيق المواقف بشأن القضايا المتعلّقة بالمخيمات، والاتفاق على عدم وجود أسلحة ثقيلة داخل المخيمات، وتوحيد اللجان الشعبية، وإنشاء قوة أمنية مشتركة. كما اتفق الأعضاء على تنظيم «مواجهة سلمية» مع «الأونروا» بما يخص خفض الخدمات.
2- تواصل حماس حملتها ضد «الأونروا» باستخدام وسائل إعلامها ومنصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اللبنانية المتحالفة معها، إلا أن المجتمع لا يزال لا يتفاعل مع هذه المنشورات. في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، نظّمت «لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان» - التي تقودها حماس وتضم حراكاً وأطرافاً من «قوات التحالف» - اعتصاماً أمام المكتب الإقليمي في لبنان للمطالبة بتحسين الخدمات للاجئي فلسطين في لبنان والقادمين من سوريا. ونُظّم اعتصام مماثل الأربعاء الماضي، ومن المتوقّع أن تستمر الاحتجاجات أسبوعياً. وشملت المطالب الرئيسية: تحسين خدمات الأونروا، إكمال إعادة إعمار نهر البارد، زيادة الدعم المالي والإيجاري، تسهيل الوصول إلى التعليم، تسهيلات الإقامة، وتفعيل برنامج شبكة الأمان الاجتماعي.
3- وفقاً لجريدة «الأخبار» الموالية لحزب الله، يوم الإثنين 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، أثار ضغط الأونروا على المخيمات الفلسطينية - من خلال إغلاق المدارس وتقليص الفصول ودفع مستحقات المستشفيات بنظام الحصص وقطع المساعدات المالية - احتجاجات واسعة. وقد تدهور الوصول إلى الأدوية، وأغلقت المراكز الصحية، وتركت المدارس المتضررة من دون إصلاح، ما عمّق أزمة التعليم والصحة.
4- يواصل الجيش اللبناني إغلاق المداخل الثانوية لمخيم البداوي، وهو إجراء أثار غضب المجتمع حيث يقيّد حركة السكان والحياة اليومية. في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، نظّم سكان المخيم - بشكل أساسي الشباب - احتجاجاً عند المدخل الرئيسي ضد هذا الإجراء. ودعا أفراد المجتمع إلى الحفاظ على الممرات للمشاة، حيث يجب على السكان السفر لمسافات طويلة للوصول إلى الأماكن التي يحتاجون إليها. وأشارت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي إلى إجراء اتصالات بين الفصائل الفلسطينية ولجنة الحوار اللبنانية الفلسطينية والجيش اللبناني، ولكن لم يتم الإبلاغ عن أي نتائج حتى الآن.
5- في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، أفادت وسائل التواصل الاجتماعي بأن الجيش قام بمداهمة في أحد أحياء مخيم نهر البارد القديم، واعتقل خمسة تجار مخدّرات، بينما تمكّن واحد من الهروب. وفقاً لـ«بوابة اللاجئين»، شهد مخيم عين الحلوة يوم الجمعة 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، اشتباكاً في حي «البركسات» تبعته مداهمة نفّذتها قوات الأمن الوطني الفلسطيني على مخبأ لتهريب المخدّرات.
6 -وفقاً لـ «L’Orient-Le Jour» في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، اندلع إطلاق نار كثيف ليلة الجمعة في حي البركسات في مخيم عين الحلوة في صيدا، جنوب لبنان، تبعه نزاع عائلي. وتدخّلت قوات الأمن الوطني الفلسطيني لإعادة الهدوء بعد أن طالب السكان السلطات بحماية المدنيين، ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات.
7 - وفقاً لـ»Lebanon24» في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني، هناك مخاوف متزايدة من خطط لتهجير مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان ونقل اللاجئين إلى الشمال الشرقي (الشوف)، ما يثير القلق بين مجتمع اللاجئين. وتحذّر مصادر سياسية من أن المشاريع الاقتصادية والاستثمارية في الجنوب قد تكون مرتبطة بهذه الخطط. المقترحات تتطلّب مناطق «آمنة ومستقرة» خالية من النشاط المسلّح. ويشير المراقبون إلى أن مخيم عين الحلوة مُعرّض للخطر بشكل خاص، نظراً إلى وجود الفصائل المسلّحة، ويؤكدون على ضرورة اليقظة لمنع تجدّد الصراع أو النزوح».