إبراهيم مصطفى (صحيفة البناء)
يقف لبنان اليوم عند تقاطع طرق هو الأخطر في تاريخه الحديث؛ فبينما يئنّ تحت وطأة تحوّلات جيوسياسية واقتصادية عاصفة، تنهال عليه إغراءات ملغومة تتأرجح بين وعود التعافي المشروط وبين التخلي عن ثوابت السيادة، حيث إنّ المشهد اللبناني في عام 2025 ليس مجرد أزمة نظام، بل هو صراع إرادات على هوية الدولة ومستقبل وجودها…
لقد شهدت الساحة اللبنانية مؤخراً تحوّلات دراماتيكية غيّرت وجه البلاد، بدأت بتغيّر الموازين السياسية والميدانية التي فرضت إعادة تموضع القوى الداخلية تحت ضغط الحاجة للاستقرار، مع بروز دور متزايد للمؤسسات الأمنية الرسمية كضمانة لمنع الانزلاق نحو الفوضى، وتزامن ذلك مع سقوط النظام المالي القديم الذي لم يعد مجرد “تعثر”، بل تحوّل جذري في وظيفة لبنان الاقتصادية من “مصرف الشرق” إلى اقتصاد يعاني العزلة، مما أجبر المجتمع على التكيّف مع واقع قسري يتسم بانهيار العملة وتلاشي الطبقة الوسطى، فضلاً عن التحديات الديموغرافية والضغط الهائل على البنية التحتية الذي يتطلب حكمة استثنائية لمنع تحوّل الأزمات المعيشية إلى صراعات داخلية…
في ظل هذا الانكسار، تُقدَّم للبنان إغراءات خارجية تأتي غالباً بثمن سيادي باهظ، كوعود إعادة الإعمار بمليارات الدولارات المشروطة بإصلاحات تتجاوز الجانب الإداري لتصل إلى فرض واقع سياسي يتماشى مع المصالح الخارجية، أو تسويق غاز المتوسط كمفتاح سحري للثراء واستخدامه كأداة للضغط باتجاه تنازلات في ملفات الحدود…
إنّ الخروج من عنق الزجاجة لا يفرض بالضرورة صداماً داخلياً أو انصياعاً كاملاً لإغراءات التجريد، بل يتطلب صياغة استراتيجية دفاعية وطنية متكاملة تقوم على مبدأ “احتواء السلاح” وتأطيره ضمن منظومة الدولة، بحيث تستفيد الشرعية من قدرات “السلاح المقاوم” وخبراته الميدانية كقوة ردع ورديف للجيش اللبناني في وجه الأطماع الخارجية، بدلاً من الدخول في نفق النزع أو الحصر الذي قد يشرع أبواب البلاد أمام اختلالات أمنية كبرى…
إنّ قوة لبنان الحقيقية تكمن في تلاحم مكوناته، وفي قدرته على تحويل هذا الفائض من القوة إلى عنصر استقرار يحميه من التحوّلات العاصفة، ويمنع تحوّله إلى ورقة مقايضة في سوق الإغراءات الدولية، فخلاص لبنان يمرّ عبر عقدٍ اجتماعيٍ جديد يُعيدُ الاعتبار لسيادة القانون، مع رؤية وطنيةٍ تُوازنُ بذكاءٍ بين متطلبات الدفاع عن الأرض وحماية الاستقرار الداخلي…
