في ظلّ لا مبالاة سياسية، تغرق مدينة طرابلس في أزمات مُزمنة، يطفو بعضها على السطح بين فترةٍ وأخرى، كظاهرةِ حرق الإطارات التي تحوّلت أخيراً إلى طقس يوميّ في بؤر الخُردة المُنتشرة قرب الأحياء السكنية في أكثر من منطقة في المدينة، وتحت أعين الشرطة البلدية والأجهزة الأمنية، وبعضها غير بعيد عن منزل وزير الداخلية بسّام المولوي.ويؤكد ناشطون بيئيون أن ما معدّله 300 إطار تُحرق يومياً في بؤر الخردة لاستخراج الحديد منها، تغطي انبعاثاتها السامة سماء المدينة. وعادت هذه الظاهرة إلى النشاط بعد فترة من الخمود إثر تحريك بعض ناشطي المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والخبراء البيئيين للملف الربيع الماضي، ما أدّى إلى تعاطٍ أمني جدّي، بالتزامن مع فتوى أصدرها مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام تحرّم تلويث الهواء والتسبّب بالضرر. ووفق المعلومات، «كلّل تحرّك الأجهزة الأمنية في حزيران الماضي بتوقيف حوالي 20 من أصحاب البؤر الضالعين في عمليات الحرق، قبل أن تتوالى اتصالات سياسية وأخرى أمنية من ضباط ورؤساء شعب أدّت إلى الإفراج عن الموقوفين في غضون أيام». وتفيد مصادر طرابلسية بأنّ «بعض هؤلاء يعملون كمفاتيح انتخابية، وجزء آخر يدفع رشى لعناصر وضباط في الأجهزة الأمنية، وبعضهم يعمل مخبراً لديها».
خلال الصيف، استأنف أصحاب البؤر عمليات الحرق في ساعات ما بعد منتصف الليل، قبل أن يستعيدوا نشاطهم الطبيعي، ويعود الدخان ليغطّي سماء المدينة نهاراً وليلاً. وفيما يسعى معنيون في المدينة للضغط من أجل حلّ الأزمة وملاحقة المتورّطين، سمع هؤلاء من جهاز أمني أنّ أي «توقيف للمتورطين سيكون بلا معنى في حال لم تُرفع عنهم الحماية السياسية».
واللافت أنّ أمام المدّعي العام البيئي في الشمال القاضي غسان باسيل ادّعاءات كثيرة تخوّله التحرّك لتشميع البؤر وفتح تحقيقٍ جدّي في الملف، استناداً إلى جملة قوانين، منها قانون الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة، وقانون حماية نوعية الهواء، وقانون حماية البيئة والمحافظة على البيئة ضد التلوث، وقانون العقوبات، إضافة إلى المراسيم الصادرة في هذا الصدد، والتي تمنع هذا النوع من الأعمال وتُعاقب عليها بالسجن والغرامات المالية. فما الذي يمنع القضاء من وضع حدّ للمهزلة القائمة؟