مع انتقال العدو الإسرائيلي إلى استهداف المناطق السكنية والمأهولة في الجنوب والبقاع، وبعد يومين من الصمت الذي ران في كل مكاتب أهل القرار في العالم، تحرّكت أمس، الاتصالات، وتبيّن أن الجميع استغلّ اجتماعات الأمم المتحدة لأجل إطلاق مبادرات تهدف بحسب المعنيين إلى محاولة إيجاد صيغة تؤمّن وقفاً للحرب على جبهتَيْ غزة ولبنان بصورة متوازية، خصوصاً بعدما أبلغ حزب الله جميع المعنيين، أن أي نقاش حول مستقبل الوضع على الحدود الجنوبية، يبدأ بعد وقف إطلاق النار، وهذا الوقف شرطه وقف الحرب على غزة.أولى الخطوات الجدية انطلقت مع وصول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نيويورك حيث بدأ بعقد لقاءاته، وكان البارز فيها الاجتماع مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في حضور وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب، والموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين. وقد حمل ميقاتي تصوراً لإطار الموقف اللبناني، بعد التشاور مع الرئيس نبيه بري وحزب الله الذي لم يعط التزاماً بأي شيء، بانتظار ما سينبت من مقترحات.
وجاء كلام برّي لصحيفة «الشرق الأوسط» عن «مساعٍ جدّية يقوم بها مع جهات دولية، بينها الولايات المتحدة الأميركية، للجم التصعيد الإسرائيلي الأخير على لبنان»، ليؤكد أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة في نتائجها.
ووسط أجواء «قليلة التفاؤل»، على ما تقول مصادر متابعة في نيويورك، والتي لفتت إلى تطورين أساسيين حصلا في الساعات الماضية، أولهما الحديث عن رسالة إسرائيلية تتحدث عن «استعداد إسرائيل للبحث في صفقة لوقف إطلاق النار شرط فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة» وهو ما رفضته المقاومة. أما الثاني، فيتصل باقتراح تقدّمت به فرنسا، ويتعلق بإعداد مشروع قرار يصدر عن مجلس الأمن يطلب وقفاً لإطلاق النار على أساس القرار 1701، مع إيراد شروط تستند إلى مطالب إسرائيل.
مؤشرات إلى أن وليام بيرنز ضمّ ملف الحرب في لبنان إلى ملف الحرب في غزة مع تراجع لدور هوكشتين
وقد ظهر التقاطع بين كل الرسائل الأوروبية والأميركية التي تصل إلى لبنان، على شكل «الضغط على الحزب لتقديم تنازلات مقابل أن تقوم إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية». وفي السياق، قالت مصادر بارزة، إن جزءاً من المحادثات القائمة «ينطلق من الطرح الذي تقدّم به المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين خلال الزيارة الأخيرة التي قامَ بها إلى تل أبيب الأسبوع الماضي، مع بعض التعديلات». وقد شمل المقترح وقفاً لإطلاق النار لمدة أسبوعين (جرى تعديل المدة إلى 4 أسابيع) تشمل غزة بداية ثم ينسحب الأمر كذلك على لبنان، ثم البدء بوساطات مع حزب الله وحماس للوصول إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى، والعودة إلى تطبيق القرار 1701 مع استخدام صيغ مختلفة للصيغة المكتوبة سابقاً، بالإضافة إلى بعض النقاط التي نقلها هوكشتين سابقاً إلى لبنان التي لا تتضمن أي ضمانات إسرائيلية تحديداً في ما يتعلق بالطلعات الجوية للعدو الإسرائيلي وخرقه الأجواء اللبنانية، وهو ما رفضه لبنان وأبلغه بري إلى هوكشتين، مؤكداً أن أي كلام لا ينطلق من وقف العدوان على غزة سيكون مصيره الفشل»، فضلاً عن أن «إسرائيل رفضت كل ما حمله هوكشتين سابقاً إليها». مع ضرورة التنبه إلى «معلومات من مصادر واسعة الاطّلاع، تفيد بأن ملف لبنان انضم إلى الملف الرئيسي الخاص بغزة، والذي يتولاه مدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، الذي يعقد سلسلة من الاجتماعات مع الوسيطين المصري والقطري ومع مسؤولين من دول أخرى بينها تركيا».
محلياً، واصل المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان اجتماعاته أمس في بيروت، والتقى سفراء دول اللجنة الخماسية في قصر الصنوبر، ووضعهم في أجواء اللقاءات التي قام بها والتي شملت كل المسؤولين والرؤساء والأحزاب من الأطياف السياسية كافة.
وأبدت مصادر سياسية حذرها الشديد من المناورات الإسرائيلية، مُذكِّرة بأن المفاوضات في غزة «تميّزت على مدى 11 شهراً، بمناورات لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي مارس كل أنواع الخداع والمراوغة ويرفض أي مقترح لوقف إطلاق النار»، معتبرة أنه «سيذهب إلى استخدام كل أوراقه لأنه يعتبر أنه بذلك يضرب إمكانات الحزب، ما يدفع الأخير إلى التنازل وإبرام اتفاق طويل الأمد على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة مع التشديد على فكرة الفصل مع غزة». وأكّدت المصادر أن «المعركة قد تكون طويلة لأن نتنياهو سيسعى جاهداً إلى فرض شروطه من موقع القوي وإظهار الحزب أنه خضع لكل شروطه وهذا أمر مستحيل، ما يعني أن الحرب لا تزال في أولها وستتطور في الأيام المقبلة».