أوراق اجتماعية

سلاسل التوريد الزراعية: الجنوب مفجوع

post-img

خلال الحروب، ثمة قلق تلقائي من مخاطر انقطاع السلع الأساسية، سواء من الخارج أو بين المناطق الداخلية. وترتفع المخاطر على سلاسل التوريد هذه عندما يكون للعدوّ تفوّق جوّيّ يتيح له تقطيع الأوصال وضرب طرق النقل التي ترتكز عليها سلاسل التوريد، فضلاً عن نياته الإجرامية التي تتغذّى على استهداف المدنيين. هذا الأمر حيويّ جداً للأمن الغذائي وضمناً للقطاع الزراعي المحلّي، إذ بدأت تتأثّر سلاسل التوريد الخاصّة به منذ بدء التصعيد الكبير في 23 أيلول الماضي، وقد ارتفعت مخاطر الأمن الغذائي الذي يعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي.بحسب رئيس جمعية المزارعين، أنطوان حويّك، فإن «كل إنتاج الحمضيات وغيرها من الإنتاج الزراعي في الجنوب لم يعد بالإمكان توصيلها إلى بيروت. فمنذ يوم الجمعة الماضي، لم تصل أيّ حبّة حمضيات من الجنوب. حتى لو كانت هناك قدرة ما على توصيل الإنتاج المقطوف إلى بيروت، إلا أنه يصعب جداً العودة بعد تحذيرات العدوّ الإسرائيلي باستهداف أيّ آليّة تتجه جنوباً، وخصوصاً في جنوبيّ نهر الليطاني». وتُعدّ المنطقة الساحلية في الجنوب، من الناقورة إلى سهل المنصوري، مروراً بامتداد الساحل شمال صوريّ حتى مدينة صيدا، المصدر الأوّل للحمضيات والموز المحلّي. وبحسب الحويّك «موسم الحمضيات لا يزال في بدايته». وهذا يعني أن المزارعين على وشك خسارة الموسم كاملاً إذا استمرت الحرب بسبب انقطاع سلسلة التوريد بين الجنوب وبيروت. أما في المناطق الداخلية في الجنوب، حيث تسود زراعة الزيتون والتبغ بشكل أساسي «فالجزء الأكبر من المزارعين خسر إنتاجه منذ الموسم الماضي (منذ بداية المواجهات في المناطق الحدودية في 8 تشرين الأول 2023)، علماً أن مزارعي التبغ لم يستطيعوا زراعة موسم هذه السنة أصلاً».

منذ بدء التصعيد لم تصل حبة حمضيّات واحدة من الجنوب

إلى جانب الخسارة المباشرة للموسم، ثمة خسائر إضافية مرتبطة بالمواسم المقبلة، ولا سيما الموسم الشتوي للخضر. «الجنوب هو المنطقة الرقم 2 في هذا الإنتاج بعد منطقة عكّار التي تنتج الجزء الأكبر من الخضر والحشائش» يقول الحويك. وإذا استمرّت الحرب، فستتوسّع الخسائر بسبب استحالة الزرع والقطاف والتوريد. لذا، فإنه في حال «بقاء نسق الحرب كما هو عليه، سيضطرّ لبنان إلى تعويض نقص الحمضيات والموز والخضر الشتوية، بالاستيراد من سوريا» وفق الحويك. المشكلة أن استهداف طريق المصنع فجر أمس بدأ يزرع الاستحالة في هذا الخيار أيضاً، «ما يعني أنه يترتب علينا البحث عن مصدر بديل». ورغم قساوة العدوان في البقاع، إلا أن القطاف والتوريد لم يصلا إلى الاستحالة الكاملة كما يحصل جنوباً، «فما زال ممكناً نقل الإنتاج من البقاع وعكار من خُضَر وبطاطا وبصل وإنتاج حيواني إلى المناطق الأخرى». يقول الحويّك إنه «كان ينبغي على الدولة أن تكون حاضرة لهذا الوضع، من خلال تأمين، في وقت سابق، مستودعات لكل منطقة بحسب حاجتها من أنواع الإنتاج الزراعي المختلفة يمكن أن تكفيها إذا توقّفت سلاسل التوريد عن العمل في حال توسّع الحرب، إلا أن الدولة لم تفعل أيّاً من ذلك، والنتيجة هي ما نراه اليوم».

اقتصادياً، ينعكس تضرّر سلاسل التوريد على السوق المحليّة أولاً، من خلال نقص المعروض من الإنتاج في السوق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات، وبالتالي ارتفاع معدلات التضخّم، في وقت يعاني فيه جزء كبير من اللبنانيين من أزمة النزوح المكلفة لتصبح باهظة جداً بسبب الاستغلال. كما ينعكس هذا الأمر على القدرة التصديرية للبنان، وهو ما يؤثّر على تدفّق العملات الأجنبية إلى البلد.

الخسائر الأخرى تنعكس على الدورة الاقتصادية بشكل عام. يقول الحويّك: «إن إنتاج الزراعة النباتية في لبنان يبلغ نحو مليار دولار سنوياً. والمتضرّر الأكبر من هذه الحرب هو الجنوب الذي تبلغ حصّته منها نحو 25%»، علماً أنه ليس للجنوب حصّة كبيرة من الإنتاج الحيواني المقدّر بنحو 500 مليون دولار في كل لبنان. وهناك الخسائر المادية، التي تتعلّق بالأصول التي دُمّرت خلال الحرب، وهذا يحتاج إلى «مسح شامل بعد الحرب لمعرفة الخسائر الحقيقية. إنما في كل الأحوال، يحتاج القطاع الزراعي إلى خطّة حكومية حالية، تُخفف من الأضرار الاقتصادية والأضرار على الأمن الغذائي، بالإضافة إلى خطة طويلة الأمد، لإعادة نهوض القطاع بعد الحرب»، وفق الحويك.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد