أوراق اجتماعية

عشاء زفاف زوجين إيرانيين یصل إلى لبنان

post-img

لم تعد تستطيع أن تتخيل نفسها وهي ترتدي الفستان الأبيض وتحلم بحفل زفافها لحظةً بلحظة. فكلّما فكّرت بحفل زفافها، ترسّخت في مخيّلتها صورةٌ واحدة فقط؛ ابتسامات أطفال لبنان الذين شرّدتهم الحرب.

صورة ذاك الفستان الأبيض بطياتٍ خلفية وأمامية حبست أنفاسها من خلف شاشة الجوّال. كانت تريد أن تمرّ الأيام بسرعة وأن يأتي يوم الخميس مبكرًا لترى نفسها بفستانها الجميل بجانب حبيبها يجلسان لعقد القران. مرّت نصف ساعةٍ بينما هي تقلّب صفحات دور الأزياء على مواقع التواصل الاجتماعي لاختيار فستان زفافها. وفجأةً، ظهرت أمامها في الجوّال رسالةٌ تقول: "السيد حسن نصر الله استشهد".

كان منزلهما جاهزًا لاحتفالٍ كبير. كانوا قد قاموا بالترتيبات والتنسيق اللازم، حتّى أنهم قاموا بدعوة الضيوف. كلّ ما تبقى هو اختيار فستان العروس وبعض التفاصيل الصغيرة الأخرى. وعندما حلت عطلة نهاية الأسبوع، كانت زهراء تقول "نعم" لمحمد في منزل أبيها حيث احتفلا بعقد قرانهما في ذلك اليوم. لكنّ استشهاد السيد حسن نصر الله جعل ارتباطهما يتّخذ لونًا مختلفًا.

تعرفت على زهراء من خلال مجموعة العلاقات الإيرانية. وهي مجموعةٌ تضمّ نساءً همّهنّ الوحيد قضية القدس المقدّسة. وعندما تطرح المجموعة في حملتها الجديدة سؤال "ماذا تستطيعين أن تفعلي لمساعدة لبنان؟!"، تكتب فتاة عمرها 25 عامًا تعيش في قم وهي طالبة في السنة الأخيرة في اختصاص الهندسة الطبية: "كلّ ما نستطيع فعله للبنان كان حفل زفافنا الذي ألغيناه في اللحظة الأخيرة وأنفقنا كلّ الأموال في سبيل المقاومة في لبنان".

حين صاغَ إذن القائد بالجهاد أولى كلمات الحبّ بينهما

ربما لا يخطر ببال أحد أنه امتثالًا لأمر القائد، يمكنكِ التخلي حتّى عن فستان زفافك الذي اخترتِه بنفسك، وإرسال ثمنه إلى لبنان لشراء ملابس للأطفال الذين يحلمون بمستقبلهم وبزفافهم.

لقد ترك استشهاد السيد حسن نصر الله حزنًا كبيرًا في قلوبنا جميعًا، حتّى أولئك الذين كانوا يستعدون لزفافٍ انتظروه منذ سنوات، كعائلة زهراء ومحمد. وحين صدر أمر القائد، كان أول أحاديث الغزل بين زهراء وخطيبها مصحوبًا بكيفية تلبية أمر قائدهما فيلتحقان بقافلة جنود وليّ أمرهما. وبطبيعة الحال، توصلا إلى نتيجة مفادها أن يزيّنا حفل زفافهما براية المقاومة وألا يهملا غزّة ولبنان وسط صخب الاحتفال. في ذلك الوقت، لم تكن فكرة الإلغاء مطروحةً بعد.

كانت زهراء قد جاءت إلى جامعتها في طهران، وعرفت من بعيد أنّ الأسرة على الرغم من حزنها، قد قررت إقامة الحفل بشكلٍ قطعيّ. اقتربت عطلة نهاية الأسبوع وموعد حفل الزفاف، وكان من المفترض أن يقيموا الحفل في منزل والد زهراء، ولكن في تلك الليلة عندما تحدثت مع محمد عبر الهاتف، تغير قرارهما فجأة.

تقول لي: لطالما انتقدتُ نفسي وتساءلت لماذا نرفع الشعارات دائمًا ونقول يا ليت الإمام الخامنئي يأذن لنا بالجهاد، لماذا لا نثبت هذا في ميدان العمل؟! حتّى زوجي كان يعرف هاجسي هذا. تلك الليلة، عندما اتصل، قال لي: "زهراء، هل تتذكرين عندما قلتِ لماذا لا نثبت ذلك في ميدان العمل؟ ها قد أذن القائد بالجهاد، هل توافقين على بذل تكاليف حفلنا كاملًا لمساعدة لبنان؟!

أطفال لبنان ضيوف حفل الزفاف المميزون 

لم تكن زهراء موافقةً فحسب، بل كانت راضيةً وسعيدة من أعماق قلبها. حتّى أكثر سعادةً مما كانت عليه عندما ارتدت فستان الزفاف وعند عقد قرانها. قلقها الوحيد كان أن لا توافق العائلتان على الأمر. وعندما أخبرت خطيبها بموافقتها، تولّى هو مسؤولية إقناع الأسرتين. لم تعد تستطيع أن تتخيل نفسها وهي ترتدي الفستان الأبيض وتحلم بحفل زفافها لحظةً بلحظة. فكلّما فكّرت بحفل زفافها، ترسّخت في مخيّلتها صورةٌ واحدة فقط؛ ابتسامات أطفال لبنان الذين شرّدتهم الحرب.

لكنّ قلق زهراء لم يدم طويلًا، ففي صباح اليوم التالي كتبت أمّها رسالة طويلةً إلى جميع الضيوف وأبلغتهم أنّ حفل الزفاف قد ألغي وأن جميع نفقات الحفل ستودع في مكتب القائد دعمًا للمقاومة في لبنان. بعد ذلك، لم يهدأ هاتفها لحظة، الأهل، والأصدقاء والمعارف، الجميع يتصل ليثنيَ عليهما وعلى قرارهما. وقد دعا لهما والداهما من أجل أن تكون عاقبة علاقتهما مثل بدايتها، بينما والدا العريس لم يتوقفا عن ذكر الله وحمده وعيونهما تملؤها دموع الفرح والامتنان.

اتّخذت العائلة قرارًا بإقامة حفل زفاف زهراء ومحمد لاحقًا، على بعد أميالٍ في لبنان، حيث يتشاركان فرحتهما مع أطفال لبنان. وفي اليوم التالي، شمرا عن سواعدهما واحتسبا فواتير النفقات التي كان عليهما دفعها مقابل العشاء والفواكه والحلويات وعقد القران وفستان الزفاف وما إلى ذلك، من أجل إيداع المبلغ نفسه في حساب مكتب الإمام الخامنئي. المبلغ الذي كان مباركا جدًا وكان أكثر مما كانا يعتقدان.

المصير الميمون لهدايا العروسين

من بين رسائل التهنئة والمديح التي تلقاها العروسان بفضل قرارهما، كانت هناك رسالة في غاية الحلاوة بالنسبة لهما. لقد أصبحت احتفالية وصالهما معطوفةً على مساعدة لبنان، وعلى نداء لبيك لأمر القائد، وكم كانت سعادتهما كبيرة بربط مثل هذه القيم المقدسة بمناسبة زفافهما. 

كانت خالة زهراء قد كتبت لها: "عزيزتي، سنودع هدية زفافك في حساب القائد، فأنا أعلم أنكِ تحبّين ذلك. بالسعادة والفخر عزيزتي". هذه المبادرة الجميلة التي اقترحتها الخالة على بقية الضيوف، فكان لجميع الضيوف تقريبًا نصيب في مساعدة لبنان. الحصة التي كان من المفترض أن تكون هدية زواج محمد وزهراء، أصبحت الآن سببًا لابتسامة أطفال المقاومة وجبر خاطرهم.

حين انتهى حديث زهراء، تردّد صوت القائد في أذني، تذكرت كلماته على هامش حفل زفاف زوجين شابين، حيث يقول: "إن الزواج واختيار الزوج أحيانًا يؤثر في مصير الإنسان. هناك نساء كثيرات يجعلن أزواجهن من أهل الجنّة. هناك الكثير من الرجال الذين يجعلون نساءهم من أهل الجنّة. في بعض الأحيان يصل الرجل إلى مفترق طرقٍ في فعاليات حياته، وعليه أن يختار إما الدنيا أو الطريق الصحيح، طريق الأمانة والصدق، عليه أن يختار أحدهما؛ وهنا يمكن للمرأة أن تقوده إلى الطريق الأول أو إلى الطريق الثاني. يمكنكم التعاون مع بعضكم البعض، إسعاد بعضكم البعض، وأن يجعل أحدكم الآخر من أهل الجنة". أفكر في زهراء ومحمد بسبب ارتباطهما المميز، كم هما سعيدان ومن أهل الجنّة، إنهما مصداقٌ لكلام قائدنا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد