«ما بيشبهونا». هكذا ينظر أهالي الجنود الصهاينة القتلى في «الجيش» الإسرائيلي، إلى باقي قتلى «الجيش» من غير اليهود. لا يهمّ إن كان سفك الدماء من أجل الكيان العبري وفداءً للعقيدة الصهيونيّة. إذا لم تكن يهوديًا، ستبقى ناقصًا وفي مرتبة دنيا، حتى في القبر، حيث يفترض أن يتساوى الجميع أمام الموت. فقد تلقّت عائلة جندي إسرائيلي قُتل في أثناء القتال في قطاع غزة العام الماضي، إنذارًا نهائيًا من المجلس العام لإحياء ذكرى الجنود القتلى في «وزارة الدفاع»، يدعوها إلى إزالة شاهد القبر الخاص به لأنه يحمل صليبًا، أو إعادة دفن جثته خارج المقبرة العسكرية في حيفا.
منذ عقد، وتحديدًا في العام 2014، صدّقت عائلة بوغدانوفسكي الأوكرانيّة أنّ «إسرائيل دولة ديموقراطية»، يتمتع فيها المستوطنون بالحقوق والواجبات نفسها. هكذا، قررت العائلة الهجرة من أوكرانيا، والتحق ابنها دايفيد بالقوات الإسرائيلية وخدم في سلاح الهندسة. وفي كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، أي بعد حوالى شهرين على عملية «طوفان الأقصى»، قُتل دايفيد في جنوب قطاع غزة. وفي الذكرى السنوية الأولى للعملية، قُتل دايفيد مرةً ثانية، ولكن من «بيت أبيه»، وممّن يفترض أنه «شعبه» الذي مات لأجله. في مطلع الشهر الجاري، زارت والدة دايفيد المقبرة، ووجدت أن شاهد قبره مغطّى بقطعة قماش سوداء في أثناء مراسم جنازة لمن سقطوا في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. وعلى ما يبدو فإنّ الصليب كان محجوبًا بقطعة القماش لأشهر عدة.
بحسب «وزارة الدفاع» الإسرائيلية، فإنّه «بموجب القانون، لا يجوز وضع صليب أو أي علامة دينية أخرى على شواهد القبور العسكرية ». وأضافت الوزارة: «هذا مهم بشكل خاص في المقبرة العسكرية في حيفا، حيث يُدفن الجنود اليهود الذين سقطوا أيضًا»، مستشهدةً بفتوى أصدرها الحاخام الأكبر لـ «جيش الدفاع» الإسرائيلي التي تنص على أنّ «قدسية المقبرة اليهودية تتضرّر من الصليب».
تسويغ يحمل في طياته نقيضه. فالمسألة غير مرتبطة بالعلامات الدينيّة، أيًا تكن، على شواهد القبور العسكريّة. الأساسي في بيان الوزارة هو عبارة «مهم بشكل خاص »، إذ يبرز الاستثناء احترامًا لـ «قدسية» المقبرة اليهودية. ويعزّز هذا التحليل قول الوزارة إنّها تعمل مع اللجنة العامة لإحياء ذكرى الجندي للوصول إلى اتفاق مع العائلة، «في ضوء طلبات العائلات التي دفن أحباؤها بالقرب من المكان، والتي تزعم أنّ الصليب يؤذي مشاعرها وقدرتها على الصلاة وقول صلاة الكاديش، وفي ضوء حكم الحاخام الأكبر لجيش الدفاع الإسرائيلي». صليب يؤذي مشاعر عائلات الجنود القتلى. ولا يهم إن كان شاهد قبر لجندي ضحى بحياته من أجل العقيدة الصهيونية، فمهما فعلت لن تكون مساويًا لأسيادك.
«لا أجد الكلمات المناسبة لوصف الإذلال الذي شعرت به » هكذا عبرت والدة دايفيد، قائلةً: «لقد اعتقدت أن دايفيد، الذي وهب حياته للوطن، والذي أحب الوطن بكل قلبه لمدة تسع سنوات، منذ هجرته، والذي انضم إلى جيش الدفاع الإسرائيلي للدفاع عني وعن عائلته وعنا جميعًا، لا يختلف عن أي من الرجال الآخرين، وليس مواطنًا من الدرجة الثانية. لقد وقفت هناك وبكيت من الغضب والإحباط وعدم الفهم ».
للمفارقة، وفي الأسبوع نفسه، كان لبنان يقدم للعالم صورةً مغايرة عن الوطنية، واللحمة بين أبنائه، ومكانة المؤسسة العسكريّة وأبطالها عند اللبنانيين بصرف النظر عن اختلافاتهم. فقد شُيّع الرائد الشهيد محمد فرحات، الذي استُشهد مع جنديين آخرين، على إثر استهداف العدو الإسرائيلي لدورية للجيش في بلدة ياطر، في بلدة رشعين في قضاء زغرتا، في باحة «كنيسة مار مارون»، وعلى وقع قرع أجراس الكنائس، وتحت صورة معلّقة على حائط الكنيسة للطوباوي البطريرك اسطفان الدويهي.