أوراق إعلامية

الإعلام المصري... بلاش إحراج يا «كاثرين»!

post-img

أزمة جديدة اندلعت في مصر، لتكشف حجم الحصار الذي تعيشه وسائل الإعلام المصرية، وعجزها عن مقاربة أي قضية قد تدين الدولة أو يوجّه بسببها اللوم البسيط لها. ظهرت الأزمة بعدما نشرت صفحات مستقلّة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل «صحيح مصر» و«متصدقش» خبرًا مفاده أنّ ميناء الإسكندرية استقبل سفينة ألمانية تدعى «كاثرين» محمّلة بالأسلحة المتوجّهة إلى الكيان العبري. خبر أثار لغطًا واسعًا في القاهرة، وأوقع بالطبع قنوات وإعلاميّي القنوات التابعة للنظام في حيرة أظهرت ضعفًا شديدًا في التعاطي مع القضايا المهمة. فقد أصبح معظم الإعلام المصري تابعًا لـ «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة للأجهزة الأمنية في مصر، وهو ما يصعّب تمامًا مهمة أي إعلامي يحاول أن يتناول موضوعًا يخص البلد الواقع في أزمة نتيجة الموقف مع إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة في تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وجاءت السفينة الألمانية لتسجّل هدفًا في مرمى الإعلام الحكومي.

تفجّرت قصة السفينة بعدما نشرت الصفحات المستقلة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الأشخاص الذين يقومون بعمليات تتبع للأسلحة التي تصل إلى الكيان الصهيوني من دول العالم المختلفة، وصول السفينة الألمانية إلى ميناء الإسكندرية في الثامن والعشرين من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، واستقبال الميناء لها بالفعل وفقًا لبيانات الموقع الإلكتروني لميناء الإسكندرية عن السفن التي ترسو على أرصفته، ثم مغادرة السفينة الميناء في 31 تشرين الأول. وأوردت صفحة «صحيح مصر» إنّ السفينة MV Kathrin ورقم تسجيلها 9570620 دخلت إلى الميناء بالفعل بعد رفض موانئ عدة في مالطا ونامينيا وأنغولا استقبالها، وغيّرت علمها من الألماني إلى البرتغالي. ونشرت الصفحة بيانات أكثر عن السفينة، مضيفة أنّ «حركة مقاطعة إسرائيل» و«منظمة العفو الدولية» أكدتا على حملها لـ60 حاوية من المتفجرات ستصل إلى الكيان العبري عن طريق موانئ أخرى.

التعاطي الإعلامي مع أزمة السفينة، بدأ من قناة «القاهرة الإخبارية» التي نفت على لسان مصدر وصفته بـ «الرفيع» ــ من دون أي إفصاح عنه رغم أهمية القضية ـــــ دخول سفينة ألمانية تحمل أسلحة لإسرائيل إلى ميناء الإسكندرية. لكن ردّ وزارة النقل المصرية جاء مخالفًا لمصدر «القاهرة الإخبارية» تمامًا. إذ أكد بيان الوزارة أنّ السفينة «كاثرين» وصلت بالفعل إلى ميناء الإسكندرية و«أفرغت شحنة تابعة لوزارة الإنتاج الحربي»، ثم غادرت إلى تركيا، مضيفةً أنّها برتغالية الجنسية ترفع العلم الألماني. ولأن السفينة لديها شحنة حربية دخلت إلى الرصيف الحربي في ميناء الإسكندرية، خرج المتحدث العسكري المصري في بيان ينفي فيه تمامًا أي تعاون للجيش المصري مع إسرائيل، ووصف الصفحات التي تروّج لذلك بأنّها «حسابات مشبوهة»، لكنه لم يذكر أي شيء عن السفينة.

تناقلت القنوات المصرية حديث مصدر قناة «القاهرة الإخبارية» وبيان المتحدث العسكري عن السفينة، وتم تجاهل الأخبار الأخرى المتعلقة بالسفينة، وهي عادة تتبعها حاليًا القنوات التلفزيونية في مصر عبر تجاهل الخبر أو الإعلان عنه بشكل مقتضب حتى يتم نسيانه. وهذا ما رأيناه أخيرًا في التعاطي الإعلامي مع حادثين لقطارات السكك الحديد التابعة لوزارة النقل ووزيرها كامل الوزير الذي حمل رتبة الفريق، قبل أن يصبح وزيرًا للنقل في 2019.

طالب سياسيون بإظهار الحقيقة في ما يتعلق بالسفينة، كما تقدم عدد من المحامين ببلاغ إلى النائب العام في مصر ضد رئيس مجلس الوزراء ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية للمطالبة بالتحقق من صحة الواقعة ودخول سفينة تحوي مواد متفجرة إلى الميناء يستخدمها «الجيش» الإسرائيلي لقتل المدنيين في غزة ولبنان.

أعادت قصة السفينة «كاثرين» أزمة طائرة زامبيا إلى الأذهان، حين قبضت السلطات الزامبية في العام الماضي على طائرة محمّلة بأكثر من 5 ملايين دولار ومسدسات وحوالى 127 كيلوغرامًا من الذهب قادمةً من القاهرة. وقتها، خرجت قصة الطائرة أيضًا من الصفحات المستقلة على مواقع التواصل الاجتماعي وتم تهديد القائمين عليها وإلقاء القبض على أحدهم. وبعد أشهر من الحادثة، اتضح أن الطائرة يملكها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني المقرّب من السلطة المصرية. وفي هذه القضية انخرطت أيضًا الصفحات الخاصة بالتحقق من الأخبار مثل «صحيح مصر» التي قادت البحث والتقصي بينما ابتعد الإعلام المصري كلّه عن الموضوع، حتى حين أفرجت السلطات الزامبية عن بعض الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم على متن الطائرة.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد