كل ما هو غريب تجده في لبنان؛ بدءًا من أزمة الهوية المتشظية إلى التماهي التام مع عدو البلد التأريخي؛ بالرغم من وجود القوانين الواضحة التي تجرّم التطبيع مع العدو الصهيوني، حتى لو كان مجرد تبني لروايته أو سرديته الإعلامية، تجد فئة من اللبنانيين يتمادون في التطبيل والتزمير لمقولات هذا العدو في إعلامهم المغرض، والذي كان يحاول طوال الحرب إحباط الناس من جهة، واتهام المقاومة بتدمير البلد من جهة ثانية، وتكرار لازمات العدو وسرديته من جهة ثالثة؛ حتى وصل بهم الأمر إلى تحريض العدو على استهداف مواقع وبناءات تابعة لبيئة المقاومة، وكل ذلك في كيد سياسي تجاوز حده الأخلاقي في المستوى الأول قبل تجاوزه الحد الأمني.
وبدلًا أن يقوم اللبنانيون الشرفاء بمحاسبة هذه القنوات، وتحديدًا قناة الـMTV، لارتكابها هذا الجرم، تسبقهم هي فتقدم دعوة ضد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين كانوا يلقون الضوء على مخالفاتها الوطنية والأمنية، بداعي انتقادهم للمحطة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان. وأشارت المصادر إلى أنّ المحطة قد رفعت الشكوى بحق أكثر من ٣٠ شخصًا، بُلغ ثلاثة منهم فقط، وهم: الإعلامية ايفيلينا مهوّس وسيدة الأعمال غنى غندور وصانعة المحتوى الرقمي سحر غدّار.
كانت المفاجأة، أيضًا، تواطؤ القاضي رجا حاموش مع القناة حين قرر توقيف هؤلاء النسوة الناشاطات. وأفاد مكتب جرائم المعلوماتية بأنه أُمر باعتقال الناشطات لرفضهن التوقيع على تعهد بعدم التعرّض للمحطة والإعلاميّين العاملين فيها. بدورها، أصدرت نقابة العاملين في الاعلام المرئي والمسموع بيانًا استنكرت فيه توقف الناشطات، وقالت: "إن رفع شكاوى قضائية على إعلاميين وصحافيين ومؤثرين هو أمر طبيعي ومفهوم، والتعامل معها يكون تحت سقف القضاء المختص بآليات واضحة ومعروفة لا تشمل التوقيف، أما أن يتم توقيف صحافيين ومؤثرين بسبب دعاوى ممن يطالبون بالحريات ويدّعون الحرص عليها، فأمر غير مقبول".
وتابع: "إن نقابة المرئي والمسموع إذ تطالب المدعي العام القاضي رجا حاموش بإصدار إشارة للإفراج عن موقوفي الرأي الموجودين في مكتب جرائم المعلوماتية التابع لقوى الامن الداخلي، وتؤكد من جديد أن محكمة المطبوعات هي المعنية بمثل هذه القضايا، وأن الصحافي من ضمن التعبير عن رأيه لا يجوز أن يُعامل كمرتكب جريمة، وبالتالي لا يمثل أمام الضابطة العدلية بل أمام القضاء المختص وبحضور محام". وختمت النقابة بيانها: "إن نقابتنا تتابع هذه القضية حتى احترام القانون".
هذا؛ وأثار التوقيف ردود فعل كبيرة بين إعلاميين وصحافيين، رافضين ما جرى من توقيف للناشطات والصحافيات، واصفين ما جرى بأنّه كمٌّ للأفواه. وكتب الصحافي حسن عليق على منصة "إكس": "على المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار التدخل لوضع حد للمهزلة التي مارسها القاضي رجا حاموش لمصلحة قناة تلفزيون المر وأسيادها في جمعية المصارف". وأضاف عليق: "قرار توقيف سحر غدار وغنى غندور هو هرطقة من القاضي حاموش". وتابع: قرار التوقيف هذا لا يجوز أن يمرّ. هذا قرار معيب فيما هذه القناة الخسيسة كانت تدعو جيش الاحتلال إلى قتل النازحين عبر بث الأخبار الكاذبة عن مراكز الإيواء، وكانت تحمي السفلة الداعين إلى قتل المسعفين في زمن الحرب".
كذلك شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضامنية مع الموقوفتين سحر غدار وغنى غندور، ودعوات للتجمع عند مدخل مكتب الجرائم المعلوماتية للمطالبة بالافراج فورًا عن الناشطات المحتجزات.
بناء على تلك الدعوات، والتحرك الشعبي والنيابي أصدر مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار قرارًا بإخلاء سبيل الناشطات والإعلاميات الموقوفات في الدعوى المقدّمة من قناة الـ"mtv". وسبق الإفراج عن الموقوفات تجمع عند مدخل مكتب الجرائم المعلوماتية رفضًا لكم الأفواه، ومطالبة بالافراج فورًا عن الناشطات والإعلاميات المحتجزات. وشارك رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب إبراهيم الموسوي في التجمع، وقال: "تكلمنا مع مدعي عام التمييز ورئيس السلطة القضائية ووزيري العدل والإعلام والأجواء إيجابية". وأكَّد أنَّه على مدى 66 يومًا من العدوان "الإسرائيلي" والـ"mtv" "توغل بدمائنا".
من جهته، وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم قال عبر منصة "اكس": "هذه المهزلة لن نسمح بها.. من يجب توقيفه هو من سوّق كل لحظة لسرديات معادية للوطن وابنائه.. وحذار حدا يغلط بالحسابات". وبدوره، أشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله إلى أنَّ "محاولة كم الأفواه ومنع التعبير عن الرأي الحر جريمة موصوفة أقدم عليها أحد القضاة ظنًا منه أن قراره المرتهن لأصحاب النفوذ والمصالح الشخصية يمكن أن يمر مرور الكرام أو يدفع الإعلاميين الوطنيين إلى الرضوخ أو الخضوع".
وشدَّد على أنَّ: "هذا السلوك المشين وصمة عار على جبين كل القضاء اللبناني وعلى من أقدم على قرار توقيف الاعلاميات اللواتي يمثلن عنوانًا لحرية الرأي المصونة بالدستور والقانون وسنتصدى لمثل هذا السلوك الوقح الخارج عن كل الأصول بكل قوة ضمن الأطر القانونية لمنع تجيير القضاء لمصالح بعض الجهات المعروفة في انتمائها وارتباطاتها". وطالب النائب فضل الله "وزير العدل والتفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى بالتحرك الفوري لوضع حد لمثل هذه القرارات المخالفة للنصوص الدستورية والقانونية وإحالة من ارتكبها للمحاسبة. صونا للقضاء وحماية للقانون ولمنع تفاقم الأمور لأن اللبنانيين لن يسمحوا لأحد بالحد من حرياتهم في التعبير عن الرأي". ولفت إلى أنَّه "كان الأحرى بالقضاء أن يلاحق الفاسدين الذين نهبوا الدولة وأسهموا في الانهيار المالي والاقتصادي، وأن يتصدى للمحرضين على الفتنة الذين يهددون السلم الأهلي ويثيرون النعرات الطائفية والمذهبية بدل أن يلاحق الكلمة الحرة". وحذر النائب فضل الله من هذا السلوك ومن تداعياته وانعكاساته ويجب وضع حد فوري له.
في اتصال "موقع أوراق" مع الناشطة سحر غدار؛ أفادت أن: "أداء قناة الـMTV، خلال حرب الــ 66 يومًا من الحرب، كان فيه تشفي بالمقاومة وجمهورها وناسها وتحريض علني على النازحين وبعض مؤسسات بيئة المقاومة مسعفي الهيئة الصحية واستخدام الخطاب والمفردات التي تعادي أهل المقاومة ومؤسّساتها بشكل واضح ومباشر، من دون مواربة أو محاولة "تجميل" الحقد والعداء؛ رأينا من واجبنا الرد ولو بالكلمة .." أما بخصوص الحرية الإعلامية التي ادعتها القناة، تقول غدار:" لا شيء اسمه حرية إعلامية أمام أن يكون بلدك يتعرض لحرب عدوانية، فهو أمر يمس بالأمن القومي للوطن وعلى الجميع الاتحاد للدفاع عنه، بينما كانت ممارسات هذه القناة تغرد خارج السرب بكل وقاحة إلى درجة الإيذاء المباشر في التحريض على بيئة المقاومة".
تابعت غدار؛ أن الناشطات رفضن الامتثال لقرار التوقيف وطالبن بتحقيق العدالة في هذه القضية، وأن الجرم الحقيقي يقع على هذه القناة، وليس على من كان يفضح ممارساتها الأخلاقية المشينة". لذلك لجأت القناة بعد الإفراج عن الناشطات إلى الزعم أن حزب الله استعمل "البلطجة" للإفراج عنهن، في حين أنك لو تشاهد تقرير القناة الإعلامي إثر ذلك، ستسمع أداءً غير مهني وغير صحفي، بل سيطرق سمعك كلمات وألفاظ يستعملها أولاد الشوارع، حين اتهم تقرير القناة إحدى الناشطات بإنها "عاهرة" بصريح العبارة..كمية الحقد الدفين توصل إلى حد إهانة ذكرى مسؤول العلاقات العامة في حزب الله الشهيد الحاج محمد عفيف؛ حين ادعى أنه هدد القناة علنًا أمام التلفزة..
الأمر في ظاهره معركة رأي وحريّات، ولكن على العمق قليلًا هي مواجهة بين خيار الانبطاح والذلّ الذي تمثّله القناة على أحسن وجه، وبين خيار المقاومة والعزّة الذي يمثّله كلّ فرد شريف يقول كلمة حق في مواجهة الإعلام الفاجر. وعلى ما يبدو فقد حاولت القناة إيصال رسالة ترهيب واستقواء فرُدّت إليها، وتحت سقف القانون، فخسرت معركة الرأي والحريّات بسقوط مدوّ في مستنقع كمّ الأفواه، وبحقيقة أن السيدات الثلاث اللواتي جرى توقيفهن قد أُفرج عنهنّ بالقانون.