لو كان للإعلامية السورية هيام الحموي فرصة لصنع فاصل إذاعي جديد لإذاعة «شام. إم. إف» التي تبثّ من دمشق كما جرت عليه العادة في الأحداث المهمة، لكانت اختارت ربما صوت فيروز وهي تغني «دقيت... دقيت. وأيدي تجرحوا... وقنديلكن سهران ليش ما بتفتحوا» مطلعًا للفاصل الجديد للتعبير عن حالة توقف برامج الراديو أخيرًا، وانتظار السوريين لإعادة فتح أبواب الإذاعة للعاملين فيها، واستئناف رحلة الأغاني الفيروزية والبرامج المحلية ونشرات الأخبار التي رافقت السوريين على مدى أكثر من 17 عامًا بحلوها ومرّها. وكانت الإذاعة قد شكّلت في العام 2017 مصدر الأخبار الأول للسوريين في مناطق الحكومة والمعارضة في دراسة أوروبية نُشرت على موقع مؤسس Unlimited Free Press وجاءت كقناة تلفزيونية فضائية في المركز الثاني كمصدر للأخبار لتسبقها في المركز الأول «الجزيرة» القطرية فقط.
توقُّف راديو «شام. إف. إم» عن العمل منذ التاسع من الشهر الحالي، والاكتفاء ببث أغنيات فيروز ومسرحياتها، جاء بدايةً بقرار إداري داخلي ليلة سقوط رئيس النظام بشار الأسد وقالت في بيانها «توقف شام إف إم برامجها وتغطيتها الإخبارية مؤقتًا ريثما تصبح الحالة العامة مستقرة وآمنة وتسمح بنقل الأخبار واليوميات بأكبر قدر من المصداقية والشفافية لأهلنا في عموم البلاد وخارجها»، ما اعتبره بعضهم اعتراضًا على السلطات الجديدة المتمثلة في «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع. لذلك، عندما أعلنت إدارة الإذاعة نيتها العودة إلى العمل تحت شعار «راجعين يا هوا راجعين»، تواصل معها مدير الإذاعات في وزارة الإعلام الجديدة محمد الشيخ وأبلغهم قرار استمرار التوقف من دون تحديد الأسباب أو موعد لإعادة البث.
مع حلول مساء يوم الثلاثاء وعدم ورود أي تعليمات جديدة من السلطات الجديدة في سوريا تسمح للإذاعة بالعودة إلى العمل، أغلق كادر الإذاعة بابها، وأخذوا يودّعون بعضهم على أمل اللقاء قريبًا. وجاء الوداع بالتوازي مع إطلاق جمهور الإذاعة داخل سوريا وخارجها حملة شعبية تحت هاشتاغ #الحرية_لشام_إف_إم تطالب الحكومة المؤقتة لـ «هيئة تحرير الشام» بالسماح لها باستئناف نشاطها والعمل وتغطية الأحداث لما تمثله من مصداقية كبيرة لدى جمهورها، وللقيمة الوجدانية التي تمثلها، خصوصًا أنّها كانت صوتًا مرافقًا لكثير من السوريين في رحلة صمودهم داخل البلد أو على دروب هجرتهم ونزوحهم الكثيرة خارجها.
عن ذلك، نُشرت تعليقات كثيرة على منصّات التواصل الاجتماعي، برّرت قرار منع «شام» من العودة إلى العمل بأنّه «عقوبة» لتأخرها في إعلان الولاء للسلطات الجديدة، كما عملت مثيلاتها من وسائل الإعلام العامة والخاصة.
بدوره، شارك الإعلامي ومقدم البرامج باسل أبو شاش في حملة «الحرية لشام. إف. إم»، مذكّرًا بأنه على مدار السنوات السابقة، كانت «فتاح على «شام. إف. إم» العبارة التي كنّا نسمعها كثيرًا حين يقع حدث لا ينقله الإعلام الرسمي». ولذلك، يؤكد أبو شاش على تضامنه مع الإذاعة التي تعدّ من أندر الوسائل التي كانت تعمل داخل سوريا وفي ظل النظام السابق حتى تم تصنيفها، وتحاول بثّ ونشر كل ما يخصّ السوريين حتى لو لم يعجب النظام الذي حرص على التضييق عليها إلى حد الاستيلاء على غالبية أسهم الملكية العائدة لمؤسسها وصاحبها الصحافي سامر يوسف من قبل بعض الأسماء المرتبطة بنظام الرئيس السابق.
وسط التغييرات الجذرية التي يعيشها السوريون ضمن بلدهم، تزيد حاجتهم إلى صوت يألفونه ويشبههم، يعبّر عنهم، ويثقون به، «وربما هذا قد يكون سببًا لعدم عودة الإذاعة إلى العمل» بحسب ما تقول لنا باحثة في الشأن السياسي فضلت عدم الكشف عن اسمها. وتضيف أنّ «استمرار «شام. إف. إم» في العمل بسياستها السابقة، سيعرقل عملية الاستيلاء والسيطرة التي تعمل عليها الهيئة في كل المجالات، خصوصًا الإعلامي، «وهذا ما يفسر تحول كل الوسائل الإعلامية العامة والخاصة داخل سوريا إلى منصات لنشر بلاغات وأخبار الهيئة فقط»، فيما يُسمح لقناة «العربية» ببث برامجها وتغطياتها من قلب استديوهات التلفزيون السوري.
مع التفاعل الكبير على هاشتاغ حملة «الحرية لشام. إف. إم»، بدأ يظهر التخبّط أو مشاكل التواصل ضمن فريق وزارة الإعلام السورية الجديدة، التي أعلنت خلال اجتماع مع صحافيين داخل مقر الوزارة عبر مسؤول الشؤون الصحافية فيها مصطفى كتاب إنه «لم يتم منع «شام. إف. إم» من العمل وأن الأخبار حول إيقاف برامجها كاذبة». وعند مواجهة كتاب من قبل مدير الإذاعة سامر يوسف بأن المنع جاء بناءً على محادثة مع مسؤول الإذاعات محمد الشيخ، قال الكتاب «خلي تواصلكم مع السيد محمد الشيخ».
في انتظار أن ترسى وزارة الإعلام على رأي، وتصدر بيانًا ينهي الجدل حول سياستها تجاه المؤسسات الإعلامية السورية، ويبرر سبب إيقافها لإذاعة «شام. إف. إم» أو ربما العودة عن القرار ووصف ما حدث بـ «خطأ فردي» ناتج عن سوء تنسيق بين المسؤولين فيها، يواصل السوريون عبر حملة «الحرية لشام إف إم» الدعوة إلى استعادة صوتهم الذي يشبه إلى حد بعيد «زاد الخير» في مسرحية «ناطورة المفاتيح» للأخوين الرحباني التي بقيت رغم الحرب تحرس البيوت، وتحاور الملك، وتطلب منه العدل حتى يعود كل الذين غادروا... فهل تحصل «شام» على العدل الذي تستحقه؟